الأستاذ سعد بوعقبة: تحية طيبة وبعد..أرجو منك أن تنشر هذه المساهمة في عمودك الخاص، ولك جزيل الشكر والامتنان.مساهمتي تتمثل في قول كلمة حق تتعلق بما أثير ويثار مؤخرا حول اعتماد وزارة التربية الوطنية على خبراء أجانب في إصلاح المنظومة التربوية، وأقول إنها “كلمة حق” باعتباري أحد العاملين في قطاع التربية، وقد كان لي احتكاك ببعض هؤلاء الخبراء من خلال الملتقيات التكوينية التي أطّروها، كما أنني لست مسؤولا في وزارة التربية، بحيث يمكن أن يُفهم أنني أقف موقف المدافع بناء على منصبي..أولا: إن هؤلاء الخبراء استقدموا في إطار مشاريع بيداغوجية لها علاقة بمجالات تخصصهم وبدراستهم وأبحاثهم.. ولم يستقدم أي منهم للإشراف على إعداد المناهج والبرامج. وسأذكر هنا بعض المشاريع التي أنا على علم بها:- المحادثة الشفوية في التربية التحضيرية (Véronique Boiron).- المقاربة بالكفاءات بنظرة جديدة (Bernard Rey, Sabine Kahn, Sylvie Van Lint).- الكتابة الإبداعية (l’écriture créative).- ما بين الموادية (l’interdisciplinarité).- تعليمية الرياضيات.- تعليمية اللغات الأجنبية.- المعالجة البيداغوجية.أما لجنة المناهج فهي تتكون من أشخاص كلهم جزائريون، وهم معروفون لدى المشتغلين في قطاع التربية.ثانيا: كون هؤلاء الخبراء كلهم من دول فرنكوفونية (فرنسا، بلجيكا) هو لاعتبارات موضوعية وواقعية، هي أن هؤلاء الخبراء عندما يستقدمون إنما يشرفون على تكوين المكونين الذين هم في الغالب من المفتشين في مختلف الأطوار، ليشرفوا هم بدورهم على مضاعفة التكوين، أي تكوين غيرهم من المفتشين والأساتذة. ومعلوم أن معظم المفتشين في بلادنا لا يحسنون لغات أخرى غير العربية والفرنسية، فيكون من الصعب إن لم نقل من المستحيل أن يتم تكوين هؤلاء على أيدي خبراء فنلنديين أو ألمان أو حتى إنجليز! سيكون حاجز اللغة منيعا ومانعا لتحقيق الأهداف التكوينية.ثالثا: لماذا لا يستعان، إذن، بخبراء عرب؟ليست الدول العربية في كثير من المجالات المتعلقة بالتربية والتعليم بأحسن حالا منا، فهذه الدول العربية أيضا تستعين بالخبراء الأجانب وتستفيد من دراساتهم وأبحاثهم، وتوظف نظرياتهم ومقارباتهم.. ورغم ذلك، فإن الوزارة تستعين كلما أمكنها ذلك بالأشقاء العرب. أذكر على سبيل المثال مشروعين حضرتهما شخصيا: مشروع التعليم القائم على المشاريع (Intel-Teach) الذي أطره خبير مصري، ومشروع تطوير التربية التحضيرية الذي أطرته خبيرتان مصريتان.رابعا: ولماذا لا يستفاد من الخبراء الجزائريين؟ينبغي أن نصارح أنفسنا بحقيقة مهمة، وهي أنه ليس لدينا من الخبراء في بلادنا ما يستجيب لحاجاتنا في جميع المجالات. وإلا لكنا بلدا متطورا! فإذن، استعانتنا بالخبراء الأجانب تصب أيضا في وعاء بناء الخبرات الوطنية.. وعلينا، إن كنا جادين، أن نعمل كي نجني ثمار هذه العملية خلال سنوات من الآن. أما أن نزعم اليوم بأننا نملك من الخبراء في مجالات التربية والتعليم ما يغنينا عن الاستعانة بالأجانب، فهذا محض ادعاء عار من الموضوعية والصدق. ولعلنا لا نكون متحاملين إذا طرحنا التساؤل الآتي: أين هي البحوث والدراسات، والكتابات والمؤلفات، والنظريات والمقاربات، في مجالات التربية والتعليم، التي تنم عن وجود العدد الكافي من الخبراء في بلادنا؟!أخيرا: إننا قد نقف مع المعارضين للبرامج الجديدة المسماة بمناهج الجيل الثاني، ولكن ليس لأنها أعدت من طرف أجانب أو أنها ضد الهوية الوطنية.. فلقد أعدها جزائريون وبالغوا في إقحام مسألة القيم والمواقف فيها، إلى حد الإخلال بها..إنما معارضتنا لها ناجمة عن كونها لم تتبن الإطار المنهجي السليم الذي يضمن لها القوة والفائدة العملية في الميدان، فكانت عبارة عن محتويات معرفية مكثفة بمنهجية مغرقة في كم كبير من المصطلحات، التي من شأنها أن تضيف المزيد من المتاعب والتيهان للأساتذة والتلاميذ والأولياء.. (ولعلي سأساهم كتابة في هذا الموضوع في الأيام القادمة على صفحات جريدتنا الغراء “الخبر”).عبد القادر بودرامةمفتش التربية والتعليم – سطيف
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات