"أي اتفاق بين النظام والمعارضة لن ينهي الحرب في سوريا"

+ -

يرى الدكتور نهرا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة باريس، أن “المجتمع الدولي فهم بأنه لا يستطيع ترك بلد مثل سوريا ينزف وينهار دون أن يدفع ثمنا باهظا، فتصدير العنف والهمجية هو نتيجة لواقع عبثي يعيشه الشعب السوري”، كما يؤكد في حوار أجرته معه “الخبر” بالعاصمة الفرنسية أن “عسكرة الثورة أدت إلى انفصام بين التيارات السياسية التي تتحركفي المنفى من جهة، والفصائل العسكرية التي لا ترى حلا سوى إسقاط النظام بأكمله”.كيف تقيّمون الوضع اليوم بعد مرور 5 سنوات على الثورة السورية، من مارس 2011 إلى مارس 2016؟ طبعا كانت في البداية ثورة، ثم أصبحت حربا أهلية، ثم طغت أطراف خارجية فأصبحت تدير اللعبة، هذا هو منحى السنوات الخمس للأزمة السورية، وطبعا اليوم أصبحت القضية متأزمة بعدما أفرزت الحرب الأهلية أطرافا متعددة إلى جانب النظام والمعارضة المتمثلة في الائتلاف الوطني السوري. هناك أطراف عديدة منها المليشيات المتطرفة كجبهة النصرة، ثم نشأت “داعش” وأصبحت هي الطرف الثالث في سوريا، والمليشيات الكردية التي لها أهداف انفصالية، ثم لا بد أن نذكر معارضة أخرى انتشرت في مناطق سيطرة النظام ترفض حمل السلاح والتدخل الأجنبي، ولكنها تريد تغيير النظام والتوجه نحو الديمقراطية. الوضع متأزم لأسباب عدة منها: أولا كثرة الأطراف، فأي اتفاق بين الطرفين الأساسيين لن ينهي النزاع، ثانيا التشتت الجغرافي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ثالثا كثافة الوجود الأجنبي في الميدان، وهذا عامل يساهم في عرقلة الحل، وأخيرا مستوى الدمار الاقتصادي والاجتماعي الذي لحق بالبلاد، ونشأة اقتصاد حرب يحث الأطراف المستفيدة على مواصلتها.كيف ترون تأثير الأزمة السورية في الوضع الحاصل في منطقة الشرق الأوسط ودول الجوار، وكل ما يحدث من صراعات؟ للأزمة السورية تأثير على التحالفات في المناطق المقربة، وقد قربت بين خصمين أحدهما ساند الثورات العربية (تركيا) والآخر عارضها (المملكة السعودية). طبعا الأزمة السورية خلقت محاور مصطنعة، هناك محور من دمشق إلى طهران عبر العراق، مقابل تحالف عمودي من تركيا إلى المملكة السعودية مرورا بقطر. لكن التحالفات التي أفرزتها ثورات 2011 انتهت أو تبدلت. أصبحنا بعيدين عن مسار التغيير الثوري الذي شهدناه آنذاك، بل شهدنا عودة الأنظمة في أماكن كثيرة. ثم إن استغلال الطائفية أدى إلى انقسامات عقيمة بين التيارات السنية والشيعية. فالقراءة المذهبية لمجرى النزاع أدت إلى انتشار التيارات التكفيرية التي رفعت شعار “قتال الرافضة”، “زينب سترحل عندما نأتي إلى هنا”.. والتي دفعت إلى تكوين قوى طائفية مضادة، شيعية ودرزية ومسيحية، ساندت النظام وساهمت في إعادة الفرز السكاني. أما مصر التي كانت في عهد الإخوان المسلمين مساندة للثورة، فقد نأت بنفسها عنها وأعلنت تفهمها للتدخل الروسي، الأمر الذي أغضب شريكها السعودي الذي كان قد دعمها بل أنقذها اقتصاديا عام 2013.وما هي آثار تدهور السوق الاقتصادية على دول الجوار والدول العربية؟ فيما يتعلق بالأثر الاقتصادي، أولا: تبين من خلال الكثير من الدراسات بأن من 90% من الاقتصاد السوري دُمر، ثم تراجعت سوريا في التنمية الاقتصادية والديمغرافية عقودا من السنين. بكلمة واحدة وضع سوريا يُرثى له، وأصبح من أسوأ الأوضاع التي شهدها بلد ما في هذه المنطقة، بسبب تدمير عدد كبير من المدن. يقدر أن نصف السكان مشرّدون، وهناك 6 ملايين لاجئ خرجوا من الأراضي السورية. الوضع مروع، فمدينة صناعية مثل حلب تم تدميرها ولم يبق من بنائها الصناعي والتجاري إلا القليل.أما فيما يتعلق بالمنطقة، فتوجد بعض الدول المجاورة مثل لبنان وتركيا تتحمل أعباء استقبال اللاجئين السوريين، وهذا دليل على التضامن العربي، فيما يخص لبنان والأردن، والتضامن الإسلامي بالنسبة لتركيا. لكن المنطقة منهكة اقتصاديا لأسباب أخرى. فميزانية العراق تشهد عجزا بمقدار 30%، والسبب يعود إلى الحرب وانخفاض سعر برميل النفط والفساد الإداري، هذا الأخير يشكل التحدي الذي تحاول الحكومة والأطراف السياسية (التيار الصدري) التصدي له. والعامل الأساسي في تأزيم الاقتصاد في المنطقة العربية هو التدهور السريع لسعر برميل النفط، والوضع كذلك بالنسبة لدولة كالسعودية، فهي تحاول اليوم تقديم بدائل عن الثروة النفطية، والجزائر كانت تبني احتياطها على أساس كل ما يتجاوز 37 دولارا من سعر البرميل، ولكن انخفاض سعر البرميل أدى إلى خلل جديد. أما مصر فتشهد ارتفاعا هائلا في الأسعار وانخفاضا في سعر صرف الجنيه. طبعا غالبية الدول العربية معرضة للأزمة الاقتصادية لكن لكل منها أسبابها المختلفة.وكيف ترون حل الأزمة السورية، خاصة أن المعارضة المتحاورة في جنيف 3 ومؤيديها يطالبون برحيل الأسد حيا أو ميتا؟ هذا كان مطلب المعارضة منذ البداية ولم يتغير، رغم أن التدخل العسكري الروسي عزز مواقع النظام وأضعف المعارضة المسلحة على الأرض. لكنه يعكس الواقع. فعسكرة الثورة أدت إلى انفصام بين التيارات السياسية التي تتحرك في المنفى من جهة، والفصائل العسكرية التي لا ترى حلا سوى إسقاط النظام بأكمله. لهذا يظل شعار استقالة الرئيس الأسد من أجل حكومة انتقالية هو المحافظ على الوحدة الظاهرة للمعارضة، لكنه كشعار لا يعني بالضرورة إسقاط النظام بأكمله. أضف إلى ذلك أن مؤتمر الرياض أحدث نقلة نوعية، حيث ضم ممثلي الفصائل المسلحة التي كانت مستثناة من قبل، لكن ذلك لا يساعد في صياغة المساومة النهائية، لاسيما أن البديل هو استمرار الحرب الأهلية.روسيا أرادت أن تدخل أطرافا أخرى على طاولة الحوار، وهي ممثلة في مؤتمري الرميلان ودمشق، لكن المشكلة أن بعض أطراف مؤتمر دمشق يُعتبر قريبا من النظام، والطرف الأساسي لمؤتمر الرميلان ممثل بتيار صالح مسلم الذي يهدف إلى انفصال كردستان عن طريق الفيدرالية. وقد اعترضت المعارضة على حضور هذا الطرف الثالث. أما الخطر الأكبر فهو أن يؤدي إضعاف المعارضة عسكريا إلى حصر المعركة في طرفين هما النظام و “داعش”، ومن أدلة ذلك أن هذا الأخير اغتنم فرصة تراجع فصائل المعارضة للتقدم باتجاه حلب.هل تعتقدون أن اللاجئين السوريين سيحترمون القرار الذي خلصت إليه دول الاتحاد الأوروبي ويمكثون في تركيا، رغم أنهم انتقدوا نمط العيش داخل مراكز الإيواء والمخيمات المخصصة لهم في هناك؟ الاتحاد الأوروبي توصل إلى نتيجة حتى يوقف نزوح اللاجئين إلى أوروبا، هناك بعض الدلائل، لما عبر اللاجئون من الدول الأوروبية الشرقية، ووجهوا بردود فعل سيئة جدا، وحتى استقبالهم كان سيئا، فعلى سبيل المثا، أقفلت المجر حدودها وحاولت إبعاد اللاجئين، وفي أوروبا الغربية هناك بلد واحد استقبلهم فعلا اليوم هو ألمانيا، والدول الأخرى كانت مترددة. نجحت تركيا في المقايضة التي كانت تنتظرها. يشكل اللاجئون عبئا على الاتحاد الأوروبي وأيضا على تركيا، ومستوى المساعدات من خلال الميزانية المخصصة ارتفعت بشكل ملحوظ منذ 2012، وبينت الإحصاءات الدولية أن تركيا أصبحت الدولة الرابعة في العالم من حيث المساعدات الإنسانية، بسبب دعمها للاجئين. لهذا السبب ستحصل على مساعدة مالية من الاتحاد الأوربي مقابل إبقاء اللاجئين على أراضيها. الأمر الثاني هو أنه رغم الإصلاحات التي قامت بها حكومة، تم الاستخفاف بالطرف التركي، حيث إن الموقف المعادي للانضمام لدى بعض الحكومات اليمينية في أوروبا، يتحمل مسئولية إبطاء وتعطيل المسار الديمقراطي لتركيا. والآن أثبتت تركيا أن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يستبعدها، فوعدها بإعادة فتح ملف العضوية المعلق.ما هي رؤيتكم لمستقبل سوريا؟ هل ستكون هناك حكومة انتقالية؟ وهل سيرحل الأسد ويتغير الموقف الأوروبي؟ بالفعل اطلعت على مواقف الأطراف، ولكن لا أعلم إذا كان هناك حل قريب، لكن اليوم ورغم كل الجرائم التي ارتكبت ورغم التنكيل الذي حصل، يبقى نظام الأسد يتمتع بدعم داخل مناطقه وبقاعدة شعبية تدعمه حاليا مقابل قاعدة شعبية تدعم المعارضة. هذا ما يسمى “حربا أهلية”، وفي هذه الأمور، الحل لن يتم إلا بالمساومة، يعني أن كل طرف عليه أن يتنازل عن شيء، وهذه المساومة ضرورية جدا. في 2014 كنت دائما أقول إن الخطر الأساسي اليوم هو نظام داعش الشمولي الذي يلغي كل من هو مخالف له ويمتد ويتمدد، ويستخدم الدين، ويكوِّن أجيالا من المتطرفين. اليوم إذا لم يتم التوافق بين المعارضة والسلطة فإن هناك طرفا ثالثا هو “داعش” سيكون قادرا على إطلاق ستار من حديد أسود على المنطقة العربية، وإذا عدنا إلى الأنظمة الشمولية في التاريخ، من الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية إلى النظام الكوري الشمالي حاليا، فإن هذا النظام الجديد سيكون أسوأ بكثير، لأنه يستخدم العقيدة الدينية الزائفة طبعا، لأن قيم الإسلام مخالفة تماما لممارسته، ويكفي العودة إلى السنة النبوية الشريفة ليتبين لنا الأمر.لكن 3 عقبات أساسية تقع أمام أي حل سياسي، وتكمن في التصورات الذهنية لكل طرف، وهي أولا: كل طرف مقتنع بأنه يمثل الحق ويُجرم الطرف الآخر ويجعله هو العقبة الأساسية، ثانيا: كل طرف مقتنع بحتمية انتصاره، وثالثا: كل طرف يطالب بمحاسبة الطرف الآخر لجرائمه ولا يساوم على ذلك. فإذا قلبنا هذه المواقف الثلاثة نقول: أولا: كل طرف قد يقتنع بضرورة المساومة السياسية وإدماج الأطراف الأخرى، ثم ثانيا: على كل الأطراف أن تجتنب الاعتقاد بحتمية الانتصار، بل بإمكانية الانزلاق، ثالثا: أن يستعيض عن العدالة المألوفة بعدالة انتقالية. عندئذ يمكننا إيجاد منطلق لحل، وليست هذه إلا البداية للتصور إلى المستقبل.أنتم تتوقعون استمرار الأزمة إلى سنوات أخرى في المستقبل؟ لا أتوقع شيئا، لست رجلا سياسيا ولا أعلم ما في ذهن السياسيين، لكننا لا بد أن نلفت النظر إلى بعض الأمور، منها أولا: أن المجتمع الدولي فهم أنه لا يستطيع أن يترك بلدا مثل سوريا ينزف وينهار دون أن يدفع ثمنا باهظا، فتصدير العنف والهمجية هو نتيجة لواقع عبثي يعيشه الشعب السوري، وهذا يفسر اهتمام القوى الكبرى بإيجاد الحل، بل لم تعد تكتفي بإغلاق حدودها أمام المشاكل. ثانيا، المعارضة مضطرة لإيجاد مخرج سياسي، وإلا تعرضت لخطر الانهيار بين مطرقة النظام وسندان داعش، حتى تتحول المعركة إلى ثنائية بينهما، فيحسم المجتمع الدولي الأمر لصالح الأخير، وهو يتخلى عن أية مطالبة بحل سياسي، ثالثا: إن ما يغذي الحرب هو الوجود الأجنبي الكثيف لدى كافة الأطراف، فمصالح “المرتزقة” تختلف تماما عن مصالح المدنيين السوريين، والمعادلة هي أن تواجه الدول ظاهرة توافد غير السوريين، وأن تعمد إلى تجفيف مصدر الدعم المسلح. رابعا: إن أي اتفاق بين النظام والمعارضة لن ينهي الحرب، فثمة منطقتان خارجتان عن سلطتهما، وهما منطقة “داعش” والمنطقة الكردية. لكن أي اتفاق سيعيد تكوين نواة الدولة السورية بما يمكنها من استعادة المنطقتين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات