إنّ الجانب الإلهي في الإسلام والجانب العاطفي في الإسلام ينبغي أن تعاد دراستها على ضوء الكتاب والسُّنَّة، وأظن الّذين حاربوا عِلم الكلام والتصوّف ذكروا بدائل حسنة لما عَدّوه خطأ في هذين العِلمَين، فهل درسنا هذه البدائل؟ إنّ جمهورًا كبيرًا من المنتمين إلى السّلفية لا يعرف ما كتبه ابن القيّم في “مدارج السّالكين بين إيّاك نعبُد وإيّاك نستعين”، ولا ما كتبه في “طريق الهجرتين”، ولعلّه يحسب هذه الكتابات من هناته! وما هذا الحسبان إلاّ من فرط الجلافة وغلظ الحجاب..والحقّ أنّ الإيمان المقبول عند الله هو إيمان المحبّة والتّفويض والرّكون إلى الله لا إلى الظالمين، والأُنس بالله لا بالمكانة الشّعبية والتفاف الجماهير..وقد نرى ثروة معجبة من هذه المعاني في تركة المتصوّفين يمكن انتقاؤها بعناية، واطراح ما عداها من بدع..ولنؤكّد هنا أنّ التصوّف المقبول –إن صحّ التعبير- تربية دقيقة قبل أن يكون سِعة عِلم، وإنّما أُخِذ على القوم أمران، أحدهما الغُلُوّ والجهل بأحكام كثيرة دينية وإنسانية، والثاني اعتبارهم مراحل الطّريق أو درجات الترقّي صفة لفرقة متميّزة من المسلمين، تنعزل بها عن العامة، وتنفرد بأحوال خاصة، وهذا باطل.فنحن المسلمين أساسنا الأوّل كتاب الله، وللإيمان في كتاب الله خصائص تُعَدّ مثلاً عليا لكلّ من يقرؤه، هذه الخصائص من شهود ومراقبة وتهيُّب تتكوّن في ساحات الحياة لا في أجواف الصّوامع، وتدبّر هذه الآيات: “للهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله”، “وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ * وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ”، “الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ”، “إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرْكُمْ مِنْ بَعْدِهِ”، “وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا”، “إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ”، “ألاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”، “الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ”... إلخ.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات