38serv

+ -

 يعتقد المتخصص في قضايا التاريخ والذاكرة، محمد ولد سي قدور القورصو، أن مشاركة الرئيس فرانسوا هولاند في احتفالات 19 مارس (وقف إطلاق النار) بباريس “خطوة جريئة لم يسبقه إليها أي رئيس”. ويذكر في مقابلة مع “الخبر”، أن الذاكرة الفرنسية “تعاني من التمزق” بسبب استمرار التنكر لماضي فرنسا الاستعماري. ويلاحظ بأسف عدم توفر إرادة سياسية من جانب السلطات الجزائرية، لدفع فرنسا للاعتراف بجريمتها الاستعمارية ببلادنا. ما هي دلالات مشاركة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في احتفالات 19 مارس؟ هل يمكن اعتبارها، جزائريا، على أنها خطوة في اتجاه اعتراف فرنسا بجرائم الاستعمار؟ من حيث المبدأ ينبغي تثمين الخطوة التي أقدم عليها فرانسوا هولاند، فهي حقا جريئة لم يسبقه إليها أي من رؤساء فرنسا. الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران كان أكثر من عارض الاحتفال بهذه المناسبة، لأنها تذكره بمآسيه هو شخصيا بحكم أنه مارس مسؤوليات كبيرة في فترة استعمار فرنسا الجزائر، إذ كان وزيرا للداخلية ووزيرا للعدل أيضا. أما اليميني جاك شيراك فقد مارس مناورة في 2003 بمناسبة هذه الذكرى، وكانت بمثابة مخرج له.وبخصوص اليميني الآخر نيكولا ساركوزي، فقد زار عشية دخوله معترك انتخابات 2012، محتشدا للحركى وسجل اعترافا بمسؤولية فرنسا في مأساة هؤلاء. وقد فعل ذلك لتوظيف الحركى كورقة انتخابية.حاليا، ومن وجهة نظري، أعتقد أن هولاند كسر طابو كبيرا عندما شارك في احتفالات 19 مارس، وعندما دعا الفرنسيين إلى مراجعة موضوعية لتاريخ بلادهم. هولاند خاطب أبناء بلده بالدرجة الأولى، لأن الأمر يتعلق بتمزق تشهده الذاكرة الفرنسية. فهي مشتتة وفي صراع مع نفسها، إذ هناك ذاكرة رسمية تعمل على جمع وتوحيد الذاكرات. وهناك ذاكرة الأقدام السوداء والحركى التي تعتبر 19 مارس 1962 خيانة من طرف الجنرال شارل دوغول، وبالتالي خيانة من طرف فرنسا. والدليل أن الأقدام السوداء ومنظمة الجيش السري أعلنوا هذا اليوم حدادا وتم تنكيس الأعلام الفرنسية. وبسبب 19 مارس، دخلت منظمة الجيش السري في حرب شرسة ضد الجيش الفرنسي، بل ضد الدولة الفرنسية ككل.ثم هناك طرف ثالث في موضوع الذاكرة، تمثله نخبة من الجامعيين الفرنسيين الأحرار ممن يطالبون السلطات الرسمية بالاعتراف بجرائم الاستعمار بالجزائر.دعا هولاند في هذه الاحتفالات إلى “سلام الذاكرات”، ماذا يعني هذا الكلام؟ يقصد توحيد الصف الفرنسي على أساس أنه تعرض للطعن في مصداقيته وفي مصداقية الدولة الفرنسية، بسبب موقف ساركوزي واليمين المتطرف (المعادي للاحتفال)، ومن خلال أصوات الأقدام السوداء الذين وظفوا الحركى في هذه العملية. وفي الحقيقة، الحركى ركبوا القطار لإسماع صوتهم والمطالبة بالمزيد من الحقوق لا غير.وتشرذم الذاكرة الفرنسية هو تشرذم سياسي بالدرجة الأولى، بسبب عدم الاعتراف بهذا التاريخ. والتنكر له يتقاطع مع موقف الأقدام السوداء والحركى الذين استقروا بفرنسا، وقد ذكر هولاند مرسيليا بالاسم (أهم مدن الجنوب الفرنسي) في خطابه أول أمس. هذا الخطاب كان موجها للفرنسيين بالدرجة الأولى، وقد تضمن رسالة إلى الجزائريين مفادها أن فرنسا الحالية تتعاطى بشجاعة وموضوعية مع تاريخها الاستعماري، وهو شكل من الاعتراف بأن التواجد الفرنسي بالجزائر كان مؤلما وسلبيا.اتهمت تنظيمات الحركى بفرنسا هولاند بـ”الاستسلام مجددا للأفالان”، بسبب حضوره احتفالات 19 مارس بباريس. ما قراءتك لهذا الموقف؟ هذه أغنية قديمة صيغت في قالب جديد. رأيي أن الاعتراف بـ19 مارس تحصيل حاصل، إذ ليس في وسع فرنسا تجاهل ما حدث في الجزائر، وما ارتكبته من جرائم ضد الإنسانية حتى وإن صادق برلمانها سنة 2005 على قانون يمجد الاستعمار. لكن حتى يكون الاعتراف كاملا ينبغي أن يمر عبر التكييف القانوني. أقصد أن الإقرار بالذنب والتعويض بالكلام فقط لا يكفي. هل تعتقد أن الجزائر تملك أدوات الضغط على فرنسا، بما يمكنها من افتكاك اعتراف صريح بالجريمة الاستعمارية؟ أهم الأدوات، توفر إرادة سياسية لذلك وتفعيلها. ورأيي أن الإرادة السياسية ضعيفة حتى لا أقول منعدمة، بدليل أن الذاكرة تمت مقايضتها باستثمارات فرنسية، أقصد أن المنافع الاقتصادية قابلها اعتراف رمزي بالمآسي التي تكبدها الجزائريون. والحقيقة التي كان ينبغي توظيفها لصالحنا كجزائريين، أن تاريخ الاستعمار بالجزائر لا يزال يمزق الطبقة الفرنسية التي لم تتخلص من عقدتها تجاه الجزائر. هذا المعطى يفترض أن نستفيد منه لافتكاك الاعتراف بجرائمه الاستعمارية، ولكن لن يتحقق ذلك من دون إرادة سياسية لتجريم فرنسا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات