38serv
توفي المفكر الإسلامي ورئيس حزب المؤتمر الشعبي السوداني الدكتور حسن الترابي صباح السبت الماضي في السودان، عن عمر ناهز 84 عامًا، إثر إصابته بذبحة قلبية، بعد 5 عقود أمضاها في زعامة الحركة الإسلامية وصدارة المشهد السياسي السوداني. يعتبر الدكتور حسن الترابي من أشهر المعارضين السياسيين في السودان والوطن العربي، وهو تجربة استثنائية وشخصية مثيرة ملأت العالم صخبًا بأفكاره وعلاقته بالسلطة والسياسة.من هو حسن الترابي؟وُلد حسن عبد الله الترابي عام 1932 في كسلا شرق السودان، ونشأ وسط عائلة كبيرة ميسورة الحال لها باع في الدّين والعلم، إذ كان والده أشهر القضاة الشّرعيين في زمنه، وأوّل سوداني يحوز شهادة العالمية.الدراسة والتكوينتدرّج حسن الترابي في سلك التعليم، فحفظ القرآن الكريم بعدّة قراءات على يد والده الّذي كان من أهم شيوخ الطريقة الصوفية في السودان، ثمّ تابع تعليمه الابتدائي والثانوي، فدرس علوم اللغة العربية والشّريعة، وانتقل إلى التعليم الجامعي عام 1951م، ليلتحق بكلية الحقوق بجامعة الخرطوم حتّى عام 1955م، بعدها سافر إلى أوروبا وتنقّل بين بلدانها، فأتقن الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وحصل على الماجستير من جامعة أكسفورد عام 1957، وكذلك شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس عام 1964م، وبعدها عاد إلى بلده السودان ليبدأ حياته العملية بها.إخواني الفكر والتوجهتعرّف حسن الترابي أثناء دراسته في جامعة الخرطوم على فكر جماعة الإخوان المسلمين، فانضم إليها وأصبح من زعماء الإخوان في السودان سنة 1969م، لكنّه انفصل عن الجماعة فيما بعد واتّخذ سبيلا مستقلاً.الترابي بالعباءة السياسيةبدأ الترابي مسيرته السياسية سنة 1959كعضو في جبهة الميثاق الإسلامية ذات الفكر الإخواني، والّتي تعتبر من أهم الأحزاب الإسلامية في السودان، وفي عام 1964م تقلّد الأمانة العامة لجبهة الميثاق.وفي هذه الأثناء اشتد الصّراع بين مختلف الأحزاب ذات الفكر العلماني، فاعتقل جميع أعضاء الجبهة، بمن فيهم الترابي، بعد الانقلاب العسكري الّذي قام به جعفر النميري سنة 1969م.وفي عام 1977 خرج الترابي من السجن، حيث قضى 7 سنوات، بعد تحالف جعفر النميري مع جبهة الميثاق الإسلامية، فأسّس حزب الجبهة الإسلامية القومية سنة 1985م، والّذي قام بانقلاب عسكري على الحكم، وتمّ تعيين مساعده وتلميذه عمر البشير رئيسًا للبلاد. وبعد 10 سنوات، انفصل عن عمر البشير وأصبح معارضًا شرسًا للنظام. واعتُقل في جانفي 2009 بعد يومين من مطالبته البشير بتسليم نفسه للمحكمة الدولية. كما اعتقل في ماي 2010 بعد تنديده واتهامه النظام بتزوير الانتخابات.ثمّ قبل دعوة إلى طاولة الحوار الوطني الّتي اختتمت أعمالها في الخرطوم أخيرًا بعد 5 أشهر من المحادثات، في ظلّ غياب أحزاب المعارضة السياسية والمسلحة. وأسّس حسن الترابي سنة 1991م حزب “المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي”، واختير أمينًا عامًا له، وانتُخب في عام 1996م رئيسًا للبرلمان السوداني، كما اختير أمينًا عامًا لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وأنشأ بعد مغادرته الحكم إثر خلاف مع البشير في عام 1999م، حزب المؤتمر الشعبي وأصبح زعيمه.الفتاوى الغريبة للدكتور !اتُهم المفكر والداعية الإسلامي الدكتور حسن الترابي بإصدار فتاوى تخرج عن السياق العام للفتاوى الإسلامية، وتتعلّق بمسائل في أبواب العقيدة، واستثمار نظرية المصلحة، واستخدام مصطلح القياس الواسع، والقول بشعبية الاجتهاد.فمن الفتاوى الّتي أثارت الرأي العام في العالم الإسلامي وانتقاد علماء الإسلام لها، السماح بزواج المرأة المسلمة من اليهودي أو المسيحي، وقال أيضًا إنّ الحجاب لتغطية الصدر فقط، وأنّ شهادة المرأة تعادل شهادة الرجل، وأنّ المرأة إذا كانت أعلم تتقدّم لتصلّي بالنّاس.وكان حسن الترابي ممّن يرفضون الاعتراف بحدّ الرّدة حدًّا شرعيًا، مُعتبرًا أنّ تبديل الدّين جُزء من حرية الفكر والاعتقاد، وعليه لا تجب معاقبته حتّى بالقانون.واعتبرت الأوساط الإسلامية أنّ هذه الفتاوى باطلة، وناقشوها أثناء ندوة حضرها حشد من السياسيين وعلماء الدّين في الخرطوم، واعتبروها مجرّد أقاويل وتخرّصات وأوهام وتضليل، الهدف منها جرّ المرأة إلى الوراء.تجديد الفكر الإسلامي وأصول الفقهتتبلور ملامح المشروع الفكري “التجديدي” حسن الترابي، كما أوردها في كتابه “تجديد الفكر الإسلامي”، خلال مرحلته الأولى الّتي تولّى فيها قيادة جماعة الإخوان المسلمين في السودان بعد عودته من الخارج، فهو ينعت المفكرين الإسلاميين المعاصرين بالقصور، وضعف القدرة على التّنظير والتّفكير، معتبرًا أنّ الفكر الإسلامي الّذي يقدّمه المفكرون الإسلاميون “خارج عن التاريخ”، ورماه بـ “الإغراق في التجريدية والانفصال عن الواقع”.وشمل المشروع الفكري للترابي ثورة تجديدية في الفقه الإسلامي الّذي يصفه بـ “الجمود والتّقليد واستحضار القديم والامتنان به”. إذ تحدّث عن “التفرقة بين المُلزم وغير المُلزم” من أوامر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذ إنّه لم يُعط لكلّ أوامره صفة الإلزام.وقد أسّس الترابي دعوته إلى التّجديد (تجديد الفكر الإسلامي، وكذلك تجديد أصول الفقه) على الواقع الراهن، ذلك أنَّ حاجة الأمّة المسلمة إلى التّجديد إنّما تنبع من واقع ضعفها وهيمنة الحضارة الغربية، مع أنّ المسلمين هم أصحاب الماضي المجيد والتّراث العريق النابع من أصل هذا الدّين، “توحيد بين شأن الإنسان في الدّنيا وشأنه في الآخرة، بين الثابت المطلق والنسبي المتحوّل”.ويُقرّر الترابي حاجة المسلمين إلى التجديد انطلاقًا من حيوية أحكام الشّريعة وعدم جمودها، حتّى تتيح لهم الفهم والاستيعاب ووضوح الرؤية ضمن معطيات الزّمن الّذي يعيش فيه. لأنّ الشّريعة تنزَّلت أحكامًا حيَّة على واقع متحرِّك، موصولة بالمقاصد المبتغاة منها. وهذه الأحكام قد تكون مرتبطةً بأمور ثابتة لا تتحوّل، ولكنّها في المقابل قد تُناط بقاعدة ظرفية متغيّرة فتتغيّر معها الأحكام، لأنّها وردت أصلاً بصورة متّسعة تُتيح تَمثُّلها في الواقع بصور شتّى حسب ما تتطلبّه الظّروف الخاصة.وكذلك كان للترابي رأي أثار الجدل، وهو التفرقة بين ما يرد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم باعتباره رسولا ومُشرّعا، وبين ما يرد عنه باعتباره بشرًا، وهو ما لا يُلزمنا في شيء. على هذا أيضًا دعا الترابي إلى إعادة النّظر في علم الحديث بالكلية، وتنقيح مناهج الجرح والتّعديل، ومعايير التّصحيح والتّضعيف. ومن آرائه الدّينية كذلك ما أسماه “الفقه الشّعبي” حيث الإجماع فيه إجماع الشّعوب المُسلمة لا إجماع الفقهاء.تراثه ومؤلفاتهللدكتور حسن الترابي العديد من المقالات والمؤلفات الفقهية والفكرية التي ساهم بها في إثراء المكتبة الإسلامية والسياسية، وبلغ عددها 16 مؤلفًا، منها تجديد أصول الفقه، تجديد الدّين، السياسة والحكم، التّفسير التوحيدي، منهجية التّشريع، المرأة بين تعاليم الدّين وتقاليد المجتمع، السّياسة والحكم: النُّظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع، ضرورة النقد الذّاتي للحركة الإسلامية..
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات