الرئيس جيسكار انحاز للمغرب وأبدى انزعاجا من الجزائر

38serv

+ -

كشف محمد بجاوي، وزير العدل الأسبق، وسفير الجزائر في باريس خلال مرحلة السبعينيات، أن العلاقات الجزائرية الفرنسية عرفت حالة من الجمود والفتور خلال حكم  الرئيس فاليري جيسكار ديستان، بسبب انحياز هذا الأخير للمغرب بخصوص قضية الصحراء الغربية. وتحدّث بجاوي في كتابه عن الأيام الأخيرة للزعيم الوطني مصالي الحاج، وظروف عرض فيلم “وقائع سنين الجمر” لمحمد لخضر حامينا بمهرجان “كان” سنة 1975. أورد محمد بجاوي في كتابه الصادر حديثا عن منشورات “القصبة” بعنوان “مهمة فوق العادة..كُراسات سفير في فرنسا بين 1970و1979”، أن الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان للجزائر في أفريل 1975، فتحت آفاقا جديدة لإقامة علاقات متينة بين الجزائر وفرنسا، رغم الاختلافات الكبيرة بين الرئيسين هواري بومدين والرئيس الفرنسي المعروف بنزعته المناصرة للاستعمار، وميله لأنصار “الجزائر الفرنسية”، ومعارضته لاتفاقيات إيفيان.  وذكر بجاوي في كتابه، أن تدعيم الرئيس الفرنسي للملك المغربي الحسن الثاني، أحدث فتورا في العلاقة بين البلدين، مضيفا أن وزيره الأول جاك شيراك رفض في المقابل اتخاذ نفس المواقف، وكشف خلال عدة لقاءات معه، أن “جيسكار ديستان” وقع في أخطاء كثيرة بسبب مواقفه المناصرة للمغرب، والتي برزت عقب زيارته للرباط مباشرة بعد الزيارة التي قام بها للجزائر. وحسب بجاوي، فإن الرئيس الفرنسي أرسل في أكتوبر 1975، الوزير ميشال بونياتوفسكي إلى مدريد بغية إقناع السلطات الاسبانية بالتخلي عن الصحراء الغربية لصالح المغرب.وأضاف بجاوي الذي عُيّن سفيرا للجزائر بباريس بتكليف مباشر من الرئيس بومدين، أن الجزائر بلغها آنذاك بأن الرئيس جيسكار عقد صفقة أسلحة مع الحسن الثاني، ضمن اتفاقات شراكة. وكشف أن الرئيس بومدين كلّفه بالاتصال بالرئيس جيسكار لمعرفة الموقف الفرنسي من هذه السياسة التي اعتبرتها الجزائر بمثابة سياسة عدائية، موضحا أن الرئيس الفرنسي أظهر خلال اللقاء مواقف سطحية وانحيازا صارخا للمغرب، الأمر الذي أحدث حالة من الفتور في العلاقات الفرنسية الجزائرية دامت طيلة مرحلة حكم اليمين. كشف بجاوي بالمناسبة، أن الرئيس جيسكار ظل يشتكي من “دعم الجزائر لخصومه الاشتراكيين خلال الانتخابات الفرنسية”. ونقرأ في الكتاب أن جيسكار أراد أن يُوهم السفير الجزائري أن دور الجزائر الإقليمي والدولي بدأ يعرف حالة من التململ ابتداء من سنة 1975، وتساءل عن الأسباب التي تقف وراء ما أسماه تعنت الجزائر في مساندة خصومه الاشتراكيين، وبلغ به الأمر إلى طرح السؤال التالي على السفير الجزائري: “متى تعترفون أنتم وبلدكم بحكومتي؟” وبعد أن أبدى بجاوي اندهاشه، أضاف الرئيس جيسكار قائلا: “أعرف جيدا، أنكم راهنتم على اليسار”. ويتوقف بجاوي في كتابه عند محاولات الطرف الفرنسي الرامية لطرد العمال المهاجرين كرد فعل عن قرار التأميمات الذي اتخذته الجزائر. وكان الرئيس بومدين، قد ردّد مقولته الشهيرة التي وردت في الكتاب: “مثلما يحق لفرنسا طرد العمال الجزائريين، فإن الجزائر بدورها تملك سلطة سيادية لتأميم الشركات الصناعية”.  وبعيدا عن العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، يقف محمد بجاوي في كتابه عند ظروف عرض فيلم “وقائع سنين الجمر” للمخرج محمد لخضر حامينا، بمهرجان “كان” الدولي للسينما، سنة 1975، وكشف بالمناسبة أن قدماء “الجزائر الفرنسية”، وغلاة الاستعمار وقفوا ضد عرض الفيلم في مهرجان سينمائي فرنسي، لأنه تناول مسألة حتمية الثورة على الاستعمار. وذكر أن إدارة المهرجان تلقت عدة رسائل تهديد، وتم تدبير تفجيرات واعتداءات في حالة تقديم العرض، موضحا أن رئيس بلدية “كان” بيرنارد كورنو جونتي، ألح على المنظمين وطلب منهم عدم عرض الفيلم. وبعد أن تمكن حامينا من إقناع إدارة المهرجان بإدراج الفيلم، زادت حدة التهديدات، وتلقت سفارة الجزائر بباريس وقنصليتها بمدينة “نيس” والوفد الجزائري بـ “كان”، تهديدات بالقتل، فنُظمت عدة مظاهرات معادية، وتم إفشال عدة تفجيرات بغية الحيلولة دون العرض، كما تلقى أعضاء لجنة التحكيم برئاسة الممثلة “جان مورو” رسائل تهديد، فتدخّل محمد بجاوي شخصيا لدى السلطات الفرنسية لتسهيل العرض رغم كل المضايقات.كما كشف محمد بجاوي في كتابه أنه تلقى ذات يوم، وهو في منصب سفير بباريس، زيارة اثنين من أقارب الزعيم الوطني مصالي الحاج، أخبروه أن مؤسس حزب الشعب لا يملك أوراق هوية تمكّنه من السفر، الأمر الذي أثار دهشته واستغرابه، فحزّ في نفسه كثيرا، واتخذ قرار استخراج الوثائق اللازمة وتسليمها لمصالي، رغم علمه بالعلاقة المضطربة بين الزعيم الوطني والنظام الجزائري. وأوضح أن قراره لم يمنعه من بعث مراسلة للسلطات الجزائرية بخصوص تسليم مصالي أوراق الهوية، لكنه لم يتلق أي رد. وعقب تدهور حالة مصالي الصحية، حاول بجاوي إقناع المقربين منه ضرورة نقله إلى الجزائر حتى يقضي أيامه الأخيرة بين أهله وسط بلده، فراسل السلطات الجزائرية بخصوص هذه المسألة، بيد أن مصالي توفي، ولم يُنقل للجزائر بسبب وضعه الصحي المتدهور.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات