+ -

يجري على كرسيه المتحرك باتجاه محطة القطار أغا بالعاصمة، يقترب من شباك بيع التذاكر، يمنح النقود لأحد المسافرين حتى يقتني له تذكرة لأنه لا يمكن أن يصل إلى الشباك، يحصل على التذكرة، يواصل جر كرسيه في انتظار من “يتكرم” وينزل من السلالم للحاق بالقطار.. هي معاناة يعيشها وأمثاله من ذوي الاحتياجات الخاصة تتكرر في كل المرافق العامة.أن يفكر ذوو الاحتياجات الخاصة في تحدي إعاقتهم والخروج من البيت لممارسة حياتهم مثلهم مثل الأشخاص العاديين، هي معركة يومية “للتعايش” مع الغياب التام للتسهيلات التي تساعدهم على التنقل بأريحية في المدارس والجامعات، وسائل النقل، المراكز التجارية وغيرها من المرافق العامة.لكن الغياب شبه التام لهذه التسهيلات، يضاعف من شعورهم بـ”العجز” ويحول دون مشاركتهم في الحياة العامة والاعتماد على أنفسهم.“مونية” الطالبة الجامعية في الصيدلة، عانت الأمريّن طيلة الدراسة في الجامعة، فيومها كان معركة متجددة لمدة خمس سنوات، عمر دراستها الجامعية، أو بالأحرى من أول يوم وطأت قدماها المدرسة.تقول مونية “في المدرسة عانت والدتي الأمريّن لإقناع الإدارة بتغيير القسم إلى الطابق الأرضي، والأمر نفسه في جميع الثانوية، أما في الجامعة فكانت معاناة أخرى في النقل الجامعي، والأهم الوصول إلى المدرج بعد صعود سلالم طويلة في الجامعة المركزية، بسبب غياب مصاعد أو ممرات تهيئة خاصة بأصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة، معاناة لم أعشها وحدي، بل تقاسمها معي أعوان الأمن الذين كانوا يقومون يوميا إلى جانب زملائي بحمل الكرسي المتحرك”.لم تكن “مونية” ستعاني لو وجدت في الجامعة منزلقات وممرات خاصة بأمثالها، ولو كان الأمر مقبول بالنسبة للجامعة المركزية، فالأمر ليس بالنسبة للمترو الذي لا يمكن لذوي الاحتياجات الخاصة ارتياده دون مساعدة، وحتى الحافلات غير المجهزة لصعود أصحاب هذه الفئة، وكذلك بالنسبة للرصيف الذي لا يمكن صعوده دون مساعدة. معاناة يعيشها العم محمد أيضا، 54 سنة، من ذوي الاحتياجات الخاصة “ليس لنا الأولوية في ركن السيارة، ولا يمكنني أن أخرج للتنزه مع عائلتي دون معاناة، لأني أعلم أنهم سيعانون عند حملي لصعود السلالم في كل المرافق التي نقصدها، والأمرّ أنه حتى بيوت الله أحتاج إلى المساعدة إلى ارتيادها”. مكاتب الدراسات في قفص الاتهام   يجمع مختصون في البناء والتحسين الحضري في حديثهم لـ”الخبر”، بأن المجالس البلدية  مسؤولة مباشرة  على توفير ممرات سالمة لهذه الفئة، حيث تشير تقديرات مصالح البناء والتجهيزات العمومية إلى أن نصف ميزانيات البلديات تصرف في عمليات التهيئة والتحسين الحضري، ورؤساء البلديات هم المسؤولون على مراقبة احترام مؤسسات الإنجاز لدفاتر الشروط. علما أن هيئة المهندسين تلزم دائما معمارييها على تصميم ممرات خاصة لفئة المقعدين والمتجولين على الكراسي المتنقلة وكافة أنواع الإعاقة الوظيفية، لكن مسؤولي الورشات يتعمّدون إغفال حقوق هذه الفئة، فيما يدير أصحاب المشاريع وهم رؤساء البلديات، الآمرون بالصرف، ظهورهم لتفاصيل كهذه، بل ويؤشرون على دفع مستحقات المؤسسات التي تفوز بصفقات ترميم وتبليط الأرصفة رغم مخالفتها للنصوص التنظيمية المتعلقة بضمان السيولة الحركية للفئة المعاقة.وانتقدت جمعية حماية وترقية المستهلك بتيبازة، على لسان رئيسها “حمزة.ب” في مراسلات للولاية، التجاوزات المعاقب عليها في القانون، وهي استلام البلديات والمباني الرسمية والمجمعات الإدارية، وثائق مشاريع بملايين الدينارات، حيث يقوم الأميار ورؤساء المصالح بالتوقيع على محاضر استلام هذه المنشآت ويؤشرون على عبارة  “حسن الإنجاز”، ودون التدقيق في الزوايا التي يفترض أن تكون مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما يعتبر، حسب الجمعية، خرقا لمواد قانونية صريحة تجبر المقاولين على حماية حق فئة المعاقين الضعيفة في السير بأمان. في السياق ذاته، لا يحرك المسؤولون التنفيذيون، ساكنا من أجل إجبار الشركات على احترام أماكن تحرك  أصحاب الإعاقة البدنية وحتى المسنين والعجزة، فيما لا يتجرأ القائمون على الإجراءات الإدارية على خصم مبالغ ضمان الجودة، وهو ما يغري المقاولين على الإمعان في هضم حقوق هذه الفئة.وأبدى السيد سمير زيبوش، رئيس جمعية حماية المعاقين بتيبازة، استياءه من تخاذل بعض مكاتب الدراسات، خصوصا قيام مسؤوليها بتمرير الصفقات والمصادقة على محاضر حسن الإنجاز  لفائدة مؤسسات، تخرق بنودا ومواد تتضمنها دفاتر شروط معتمدة من طرف وزارة السكن والعمران والمدينة.وقال محدثنا، إن تخصيص بضع سنتمترات من الرصيف أو الطريق أو الأزقة والممرات، لا يكلّف شيئا، بل يتطلب نشر ثقافة احترام شريحة المعاقين،  مضيفا أن الأمر يتطلب صحوة ضمير جماعية لإنهاء مشاهد استنجاد المعاق بالمارة من أجل تمكينه من استعمال الفضاءات العامة بطريقة فردية.ممرات تحسب بأصابع اليد في سيدي بلعباستضم ولاية سيدي بلعباس حاليا أكثر من 12 ألف معاق من بينهم 4627 معاق حركيا، وهو  عدد  هام لم يقابله تفكير معمّق من قبل المسؤولين لتخصيص ممرات آمنة، من شأنها  التسهيل على المنتسبين للفئة التنقل بعيدا عن أي معاناة وعن بذل مجهودات إضافية. وكان رئيس المجلس الشعبي البلدي لسيدي بلعباس، قد اعترف ضمنيا، أمس، في اتصال بـ«الخبر” بحقيقة النقص المسجل على مستوى أكثر من موقع في الشق المتعلق بتخصيص ممرات للفئة التي تعاني من الإعاقة الحركية حين قال: “باستثناء المساعدة المالية التي يكفلها القانون لفئة المعاقين أو المساهمة في التحضير لليوم الوطني الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة، أرى أننا بعيدون نسبيا عن تحقيق كل ما تحتاج إليه ذات الفئة, إلا أن ذلك لم يمنعنا في مباشرة المراحل الأولية لتخصيص ممرات للمعاقين على مستوى الأرصفة، كما أننا بصدد دراسة تسريح غلاف مالي من الميزانية الإضافية لتعميم العملية على مستوى المدارس وباقي المرافق العمومية”، كما قال.المتحدث أضاف قائلا: “لقد تلقينا مؤخرا تعليمة من الوالي تقضي بمنح اهتمام أكبر لهذا الجانب ونحن على مستوى المجلس بصدد النظر في السبل الكفيلة بوضع فئة المعاقين وسط ظروف أحسن على شتى المستويات مستقبلا”. يذكر أن عدد الممرات المخصصة لفئة المعاقين حركيا بمدينة سيدي بلعباس تحسب على أصابع اليد الواحدة، على غرار ذلك الذي صمم بالنقطة الدائرية “الفيشي الصغير” منذ سنوات.حياة 39 ألف معاق مهددة لانعدام ممرات في سطيفطالب الاتحاد الولائي للمعاقين حركيا بضرورة تهيئة عربات الترامواي وتكيّفها من أجل استفادة المعاقين حركيا من هذه الوسيلة الحضرية، زيادة على استغلال فرصة إعادة ترتيب وتهيئة الطرقات وبرمجة ممرات خاصة بهم، في وقت لا تزال العديد من الإدارات المحلية لا تكلّف نفسها عناء تسخير ممرات للمعاقين أو مصاعد، مما يجعل البعض من المديرين والإداريين ينزلون إلى غاية المداخل الأساسية للإدارات من أجل استقبال هؤلاء. تحصي ولاية سطيف أكثر من 39 ألف معاق من مختلف الإعاقات، منها 14 ألف إعاقة حركية، زيادة على 18 ألف إعاقة ذهنية، وهي الفئة التي باتت تعاني خلال تنقلاتها اليومية من عدم وجود مسالك حقيقية تسهّل ذلك، وهو ما ذهبت إليه رئيسة اتحاد المعاقين حركيا جميلة ثوابت التي طالبت بتجسيد منافذ ومصاعد خاصة في عربات الترامواي مثل الدول الغربية، زيادة على تخصيص أماكن لهم معززة بحزام الأمن داخل العربات بجانب المسافرين الآخرين.  من جهة أخرى، ورغم أن مصالح بلدية سطيف، بادرت إلى تخفيض علو الأرصفة وتخصيص منفذ لهذه الفئة، إلا أن الأمر لم يتجاوز الشوارع الرئيسية للمدينة، فيما لا يمكن لهم أن يركبوا الحافلات أو سيارات الأجرة بسبب عدم قبول هؤلاء أن يحمل معهم الكرسي المتحرك، في ظل نقص الإعانة التي تسمح لهم بشراء سيارات أو مركبات بمحرك.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات