شخص أقسم بالله جهرًا على طلاق زوجته بعد انقضاء فترة حيضتها، وعقد العزم على ذلك، وبعد انقضاء حيضتها لم يطلّقها، فهل وقع الطّلاق؟ لا يقع الطّلاق، وعلى الزّوج أن يكفّر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يستطع فبصيام ثلاثة أيّام.وينبغي للزّوج بما لديه من رجاحة العقل والحكمة أن يتحكّم في أعصابه وأن لا يتسرَّع إلى التلفّظ بالطّلاق لأيّ سبب مهما كان. فقد ينغِّصُ صفوَ الحياة الزّوجية مشاكل قد تكون حقيرة وقد تكون كبيرة، قد تكون راجعةً لسبب ماديٍّ دنيوي، وقد تكون راجعة إلى الجهل بأمر من أمور الشّريعة، وأيًّا كان السّبب فلا بدّ من مواجهة تلك المشاكل بعلاجٍ إسلامي ورد ذِكرُه في الكتاب والسُّنّة، وفي هذا بيان لأهميّة وخطورة شأن الأسرة وشأن العلاقة الزّوجية في الإسلام، حيث قال الله تعالى: “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا”.فالعلاج يكون بالوعظ والتّوجيه وبيان الخطأ والتّذكير بالحقوق والواجبات، فإن لم ينفع ذلك فبالهجر في المضجع، والهجر ليس على إطلاقه بل قيَّده الله بالمضجع، وفي هذا توجيه إلهي حكيم، فلا يكون الهجر إلاّ في البيت، وليس أمام الأبناء والأسرة أو أمام الغرباء، لأنّ الغرض منه هو إصلاح الوضع وليس التّشهير أو كشف الأسرار.فإن لم ينفع ذلك فباللّجوء إلى الضّرب غير المبرح الّذي يتّقى فيه الوجه، والّذي لا يؤدّي إلى الإضرار بالمرأة جسديًّا ونفسيًّا.وعلى كلٍّ، فإنّ الضّرب الوارد في الآية أفضل من الطّلاق حتّى لا يَتَّهِم ضعاف الإيمان ومرضى القلوب من المسلمين أو غيرهم، دينَ الإسلام باحتقار المرأة وإذلالها، فلا كرامة للمرأة إلاّ في الإسلام، ولا عِزّة لها إلاّ في أحكامه، حتّى إذا لم تنجح تلك الوسائل تَدَخَّل حَكَمٌ من أهل الزّوج، وحَكَمٌ من أهل الزّوجة، حتّى يصلحَا ذات البين ويجمعَا شمل الأسرة والأولاد، وعندما تفشل جميع الوسائل في علاج الاختلاف ويصبح الإبقاء على رباط الزّوجية شاقًّا وعسيرًا، بحيث لا تتحقّق به الأهداف والحِكَم الجليلة الّتي أرادها الله تعالى من تشريع الزّواج، فإنّ المخرج عندئذ يكون بالطّلاق، ولكن أيّ طلاق؟ إنّه الطّلاق السُّنّي الّذي يُحقّق كسائر أحكام الشّريعة الإسلامية مصالحَ العباد في الدّارين، وهو الطّلاق طلقة واحدة في طُهر لم يحصل فيه جماع.فالطّلاق في فترة الحيض طلاق بدعي، لكنّه يقع، وكذا الطّلاق الثلاث، والطّلاق في الطُّهر الّذي حصل فيه وطء، فكلّ هذه الأنواع طلاق بدعي يأثم صاحبه لكنّه يقع طلاقًا في أصحّ أقوال العلم. والله أعلَم.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات