+ -

 انتهى التحقيق على صدر الصفحة الأولى، وانتهى الخبر إلى قصة عالمية لا تزال تشكل إحراجا كبيرا للكنيسة الكاثوليكية، بينما انتهى الفيلم “سبوتلايت” للمخرج توماس ماك كارثي بحصوله على جائزة أوسكار أفضل فيلم وأوسكار أفضل سيناريو أصلي من أصل 6 ترشيحات. عندما وصل التحقيق إلى تلك المحطة، كان الفيلم قد طرح في قاعات السينما العالمية سؤالين “ماذا يعني أن تكون صحفيا جيدا؟ وهل يكفي أن يبكى الصحفي بسبب قصة تدين قساوسة الكنيسة بالتحرش الجنسي؟ أم يجب عليه أن يبحث سبل نشرها في مجتمع مسيحي حيث رجال الكنيسة هم الأكثر تقديسا؟ “سبوت لايت” هو باختصار ساعتان من رحلة صحفي مهووس بكشف الحقيقة، يسافر في تحقيقه ولا ينتظر مقابلا ماديا من المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها، يضطر لدفع الرشوة أحيانا مقابل الحصول على المستندات التي تكشف الحقيقة، ويبث الروح في خبر بدأ في كتابته، ليتحول إلى قضية رأي عام عالمي يطيح برهبان الكنسية الكاثوليكية، ويكسر حاجز الصمت ليصل بالحكاية إلى العالم. حكاية لا تزال تداعياتها مستمرة إلى غاية الساعة، وتدفع بردود فعل من الفاتيكان، بعد أن كشف الخبر أن قضية التحرش لا تتعلق فقط بمدينة بوسطن الأمريكية، بل لها أشكال وضحايا كثر عبر العالم.الموضوع حبيس الأدراجتلك الحكاية هي حكاية صحيفة “بوسطن غلوب” في إنجاز تحقيق حول الاعتداءات الجنسية لقساوسة أبرشية بوسطن ضد الأطفال، مع أبطال الفيلم مايكل كيتون، رايتشل ماك آدامز، ييف شرايبر، جون سلاتري وستانلي توكسي. وذلك الخبر هو الذي دفع كاردينال بوسطن برنارد لوو كاردينال لتقديم استقالته عام 2002. ويعلمك الفيلم كذلك كيف تصبح صحفيا، ولكي تكون كذلك يجب أن تكون محاميا، قاضيا، تتعرض للابتزاز، لا تعيش حياة عادية كباقي الأسر، وعندما يسألونك لماذا لم تتزوج تجيبهم “ليس لدي وقت، هناك ما هو أهم لأمنحه جهدي ووقتي”. لكي تكون صحفيا يجب أن تكون “سبوت لايت”، أي إنسان في النهاية يتألم بشدة لقضايا الآخرين، ويطوع حياته في الدفاع عن حقوق الأطفال الذين تعرضوا للاعتداءات الجنسية من قبل رجال الكنسية، بهذا الشكل كان فيلم “سبوت لايت” يؤسس لنجاح القصة ويؤسس أيضا للدخول إلى التصفيات النهائية لجائزة الأوسكار.مع فيلم “سبوت لايت” تقدم هوليود دراما حقيقية، صورة الصحفي الجيد مع قصة فيلم أمريكي جديد إنتاج 2015، جاء ليسلط الضوء على دور الصحافة في كشف الحقائق، حيث شق الفيلم طريقه من قاعات التحرير إلى الشاشة الذهبية، ليعيد الذاكرة إلى فيلم “كل رجال الرئيس” الذي صدر سنة 1976.وقد تطرق “سبوت لايت” هذه المرة إلى موضوع ظل لسنوات حبيس الأدراج في مدينة “بوسطن” الأمريكية، حيث ينتمي معظم السكان للكنيسة الكاثوليكية، وتتجه صحيفة “بوسطن غولدن” المحلية إلى إدانة القساوسة بالجرم القاطع، مسألة لم تكن سهلة، لهذا شكلت مادة دسمة للمخرج الذي أراد هو الآخر تحدي صمت المدينة والمضي نحو تصوير الموضوع وكسر الطابو.الصحافة تكشف المحظورقد يقول البعض إن القضية وحدها تكفي لتقود نحو التتويح، لكن الحقيقة أن “الأوسكار” لم ينبهر قبل سنتين إلى حد تتويج فيلم “فيلومينا” للمخرج ستيفن فريرز الذي صدر سنة 2013، مقتبسا عن كتاب “ابن فيلومينا الضال” الذي ألفه الصحفي مارتن سكسميت وبطولة جودي دينش وستيف كوغانو. رشح الفيلم لأربع جوائز أوسكار، وغاص هو الآخر في دهاليز سلوكيات القساوسة، ولكنه لم يتوج بالأوسكار. لهذا فالأكيد أن هناك أشياء أخرى أكثر إبهارا في “سبوت لايت”، لقد راهن المخرج على الخوف الذي حام حول الحكاية الأصلية التي عاشت عقودا من الزمن في صمت رهيب، أمام رهبة سكان مدينة بوسطن الأمريكية من سلطة الكنيسة، قبل أن تأتي جرأة المالك الجديد للصحفية ذي الأصول اليهودية (جسد دوره الممثل ييف شرايبر) فهل هي صدفة أن يكون المالك الجديد لصحيفة “بوسطن” التي فجرت فضيحة الكنيسة الكاثوليكية يهوديا؟ يتلاشى الغموض حول قضية تحرش القساوسة بالأطفال على يد تحقيق تحرك فيه الصحفيون بعواطف وإيمان كبير بقضية الأطفال الأبرياء.هو الإبهار القادم أيضا من الأداء والتحدي وروح المغامرة الحقيقية التي ارتسمت في ملامح أبطال الفيلم، خصوصا الممثل مارك رافالو الذي أدى دور الصحفي المحقق الذي كان يبدو حقيقيا أشد من الواقع، حزينا أكثر من الضحية، مندفعا أقوى من أي صحفي يبحث عن السبق. من قاعات التحرير حتى أرض الواقع، كان خط سير الفيلم سر نجاحه، بعد أن طرق أبواب الجريدة وكل ما تحمله من مواد وحكايات مثيرة تصلح لصنع العشرات من الأفلام والمسلسلات، إلا أنها لا تزال في معزل عن الشاشة العالمية...ولكن قاعات التحرير لا تغري السينما الجزائريةبالنسبة للسينما الجزائرية، فإن موضوعا مثل هذا يبقى بعيدا جدا، فحكايات رؤساء التحرير ومسئولي الجرائد هي على هامش أجندة المخرجين، في ظل توجه مال الدولة إلى إنتاج الأفلام التاريخية، لهذا يبقى الرهان على رؤية وقناعة أكثر المخرجين الجزائريين تفردا في آرائه ومواضيعه، المخرج مرزاق علواش الذي مضى مؤخرا لقراءة ملامح الصحافيين خلف المكاتب وفي الشوارع والصحراء في مهمة التحقيق الصحفي.وبنفس النسق، قرر مرزاق علواش أن تكون رحلة التحقيق الصحفي حول موضوع “الجنة” إثارة وجرأة بلا شك ستثير زوبعة من الجدل. كيف لا والفيلم الروائي الوثائقي طرق أبواب قضية لا تقل عن موضوع “سبوت لايت”، وكلاهما من الطابوهات.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات