حسن نصر الله.. رجل ملأ الدنيا وشغل الناس

+ -

رجل استطاع يوما ما أن يكون “أسطورة”. أوقف عواصم عربية وغربية على رؤوس أصابعها. الرجل الوطواط الذي هزّ الكيان الصهيوني.. بائع خضار، داهية، المعلم، سيد المقاومة اللبنانية والعربية، فتى الشاشة الأول، والمغيّب في سراديب كابلات النقل المباشر وغير المباشر لقناة “المنار” التابعة لحزب الله، كثير الظهور، صوره لا تفارق الأزقة والشوارع وسلاسل المفاتيح والحواسيب، شعبيته فاقت شهرة ملوك ورؤساء شابوا على كراسي الحكم. حسن نصر الله، شخصية زرعت الرعب في نفوس الصهاينة، وزرعت الطمأنينة في قلوب الشعوب المسلمة في وقت مضى.. لكنه أضحى اليوم محل نقد العام والخاص، بعد دوره المشبوه في سوريا ووقوفه إلى جانب نظام الأسد، ليجد نفسه متورطا في حمامات الدماء التي تسفك كل يوم.حياته ومساره الحركيعلى مدى العقدين الأخيرين، برزت شخصية حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني الشيعي كظاهرة ذات أثر عميق في الساحة السياسية الشرق أوسطية. ولربما فاق نصر الله من حيث صيته وأثره السياسي وكارزميته كل من سبقوه من زعماء ورؤساء وملوك إلى تلك الساحة.تولى نصر الله زعامة حزب الله في العام 1992، خلفاً لعباس الموسوي الذي كان قد اغتيل على يد القوات الإسرائيلية، ومنذ ذلك الحين استطاع أن يشكل قوة دفع حقيقية للحزب على الساحتين السياسية والعسكرية.ولد نصر الله في 1960 بضاحية برج حمود شرق العاصمة اللبنانية بيروت، وهو الأكبر بين أشقائه التسعة، حيث كان يطمح للقيادة الدينية في سن مبكرة. ولدى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في 1975، عادت عائلته إلى موطنها الأصلي في قرية البازورية في الجنوب اللبناني. وما إن أتم دراسته الثانوية حتى ذهب لدراسة العلوم الدينية في مدينة النجف العراقية التي تعتبر مركزاً للمؤسسات الدينية الشيعية، وهناك التقى للمرة الأولى بعباس الموسوي.عاد حسن نصر الله إلى لبنان في 1978 مع عباس الموسوي الذي أسس مدرسة دينية شيعية في لبنان، فقام نصر الله بالدراسة والتدريس فيها.ومع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 التي كان لها تأثير كبير على الحركات السياسية والعسكرية الشيعية في لبنان، انضم نصر الله إلى حركة أفواج المقاومة اللبنانية الشيعية (أمل) في منطقة البقاع، وهي مجموعة شبه عسكرية ذات صلة بكل من إيران وسوريا، وذلك في فترة أفرزت فيها الثورة الإسلامية الإيرانية واقعاً جديداً في أوساط الشيعة في لبنان، وتم تعيينه في 1979 مسؤولاً سياسياً للبقاع، وعضواً في المكتب السياسي للحركة.وفي عام 1982، شارك حسن نصر الله في تأسيس حزب الله، المنشق انشق عن حركة أمل، مع عدد من القيادات والكوادر التي انتمت آنذاك إلى تيار محسوب على طهران، وذلك إثر خلافات حول المنهج السياسي لرئيس الحركة نبيه بري. ومرة أخرى، علا شأن نصر الله بسرعة في منطقة البقاع، حيث تولى مسؤولية المنطقة في حزب الله حتى عام 1985، حين انتقل إلى منطقة بيروت ليتولى فيها مسؤوليات تنظيمية عديدة، وتولى في 1987 منصب المسؤول التنفيذي للحزب، إلى جانب عضويته في مجلس الشورى الخاص به.علاقته مع إيرانغادر نصر الله لبنان من جديد بين عامي 1988 و1989 إلى مدينة قم الإيرانية بهدف إتمام دراسته الدينية، لكنه ما لبث أن عاد إلى لبنان مع اشتداد المعارك هناك، خاصة بين حزب الله وحركة أمل. ولدى اغتيال زعيم الحزب عباس الموسوي في عام 1992، جرى اختيار نصر الله أميناً عاماً للحزب.رأى كثيرون آنذاك أن حسن نصر الله لم يكن نظرياً يتمتع بالمؤهلات اللازمة لقيادة الحزب، فقد كان سلفه الموسوي قد قضى سنوات طويلة في الدراسات الدينية قبل تبوئه ذلك المنصب. وقد قيل آنذاك إن تعيين حسن نصر الله على رأس حزب الله جاء بأمر من المرشد الأعلى للثورة في إيران، ولم يكن هناك إجماع داخل الحزب على اختياره. لكن نصر الله استطاع كسب تأييد أعداد كبيرة من عناصر الحزب، من خلال الخدمات والمعونات الاجتماعية التي وفرها للمجتمع الشيعي في لبنان، كالمساكن والمدارس والمراكز الصحية. واستمر نصر الله في بناء شعبيته، إذ قام بتوسيع النشاط العسكري لحزب الله ضد إسرائيل، لكن الأهم من ذلك أنه أحسن استخدام هذا النشاط إعلامياً بأفضل صورة ممكنة. وقد خرج حزبه منتصراً من كثير من المواجهات التي خاضها مع إسرائيل، ومنها عملية “عناقيد الغضب” التي نفذتها إسرائيل ضده عام 1996، ما حوله إلى رمز للمقاومة في أعين الكثيرين، وذاع صيته في العالمين العربي والإسلامي، ولقبه أنصاره “سيد المقاومة”.صعود وهبوطجاء انسحاب قوات الكيان الصهيوني من الجنوب اللبناني في 2000 ليتوج الجهود ويرفع النفوذ السياسي لحزب الله ومن شعبية أمينه العام، ليس على مستوى لبنان فحسب، بل على مستوى العالم بين مناهضي الصهيونية ومؤيدي القضية الفلسطينية.وفي جانفي 2004، كسر حسن نصر الله جميع الأرقام القياسية من حيث الشعبية، وذلك حين تمكن من التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى مع إسرائيل، أخرج بموجبها أكثر من 400 من الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم من المعتقلين العرب من السجون الإسرائيلية، إضافة إلى استعادة جثث لبنانيين وعرب، من بينها جثة ابنه هادي الذي كان قضى في مواجهات مع قوات جيش الكيان الصهيوني في العام 1997.حرب 2006..في جويلية 2006، شنت القوات الإسرائيلية هجوماً كاسحاً على الجنوب اللبناني وعلى الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله في بيروت. وكان الهجوم قد أعقب قيام حزب الله بنصب كمين للجيش الإسرائيلي أسفر عن مقتل 3 جنود واختطاف جنديين من دورية إسرائيلية على الحدود مع لبنان. وقد تعرض نصر الله لعدة محاولات اغتيال، كان منها أن قام الطيران الإسرائيلي بتدمير بيته ومكاتبه، فيما صرح عدد من المسؤولين الإسرائيليين خلال مقابلات إعلامية عن نية الكيان العبري تصفيته ما إن تسنح الفرصة.ورغم الدمار الكبير الذي ألحقته إسرائيل بلبنان على مدى شهر من الحرب، استطاع حزب الله تكبيد إسرائيل خسائر كبيرة بالأرواح والعتاد، ما اضطرها أخيراً إلى توقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار. وكان ذلك بمثابة نصر لحزب الله، وعزز من مكانة زعيمه في العالم العربي. كما أن جهود الحزب في إعادة إعمار البيوت المدمرة ومساعدة المتضررين من الحرب رفعت من شعبية الزعيم بشكل كبير على المستوى اللبناني والعربي.لكن سجل حسن نصر الله لا يعتبر براقاً بالنسبة لكثير من اللبنانيين، فقد تعرض لكثير من الانتقادات بعد “احتلال” الحزب غربَ العاصمة بيروت في ماي 2008 بقوة السلاح، وذلك عقب قيام الحكومة اللبنانية باتخاذ إجراءات ضد شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب. كان ينظر إلى الحادث من قبل غالبية اللبنانيين السُنة والمسيحيين باعتباره إشارة إلى أن حسن نصر الله يود احتلال البلاد بأكملها.وقد شكلت قضايا احتفاظ حزب الله بالقوة العسكرية والسلاح، باعتبار اسرائيل مصدر تهديد مستمر، وارتباطه المباشر وطويل الأمد بإيران، نقاطاً خلافية بين غالبية اللبنانيين من غير الشيعة.التورط المشين في المستنقع السوريلكن أكثر ما أثر سلباً في سمعة حسن نصر الله وحزبه على مدى السنوات الأربع الأخيرة كان قراره دعم نظام بشار الأسد في سوريا، والمشاركة العسكرية في الحرب الدائرة هناك منذ عام 2012 ضد خصوم النظام رغم الرفض الرسمي اللبناني.نظر كثيرون إلى هذا الدعم على أنه اصطفاف طائفي أعمى إلى جانب نظام الأسد، بغض النظر عن شرعيته في الحكم. كما أثارت ازدواجية مواقف حسن نصر الله، حيال ثورات “الربيع العربي”، حفيظةَ أغلب الشعوب العربية، فمن ناحية كان يدعم الحراك الشيعي في البحرين ضد حكومتها، بينما بادر بالعداء لكل من رفض النظام في سوريا بمن في ذلك النشطاء السلميين.على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، أدت هذه المواقف إلى تدهور شعبية حزب الله وزعيمه حسن نصر الله في الشارعين العربي والإسلامي. وحسب آراء كثير من الخبراء، فإن الطريقة التي أدار بها حزب الله مواقفه كانت بمثابة وصفة ناجعة لهدر عقود من التربع في قلوب الملايين.حزب الله هو أقوى جماعة في لبنان حاليًا من الناحية السياسية والعسكرية. في العقد الماضي، اتخذ الحزب سلسلة من القرارات التكتيكية التي نتج عنها انتصارات مؤقتة. ورغم ذلك، كانت هذه الانتصارات مُكلّفة على المدى الطويل.وفي العامين الماضيين، وضع حزب الله نفسه باعتباره فرقة طائفية بدلا من كونه جماعة إسلامية موحدة تروق لكل من السُنة والشيعة. ونقطة التحول هذه بالنسبة للحزب ومشاركته في سوريا كانت عاملا أساسيا، حسب خبراء سياسيين، في تسارع فقدانه شعبيته عند غالبية المسلمين الذين صاروا ينظرون إليه بعين السخط ويناصبونه العداء، نتيجة تورطه المخزي في جرائم طائفية في سوريا. ومن أجل البقاء على المدى الطويل، فإن الحزب سيضطر لإجراء تغيير مشابه لعملية اللبننة التي قام بها في بداية التسعينيات.تصنيف حزب الله “منظمة إرهابية” يخلق انقساما عربيابعد أن أصدر مجلس التعاون الخليجي قرارا يقضي بوضع حزب الله اللبناني في خانة المنظمات الإرهابية، تبنى وزراء الداخلية العرب هذا القرار خلال اجتماعهم في العاصمة التونسية الأربعاء الماضي، إذ وجهت إلى الحزب اللبناني اتهامات صريحة بزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية.المغرب، ومن خلال وفد كان على رأسه الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية الشرقي الضريس، أبدى موافقته على هذا القرار الذي يأتي في سياق عربي إقليمي يعرف الكثير من التحولات، خاصة مع التوتر الذي تعيشه كل من سوريا والعراق، وتداخل عدد من الأطراف في عمليات القتال التي تشهدهما.ورغم أن تونس وافقت على هذا القرار، إلا أن وزير خارجيتها خميس الجهيناوي خرج يوما واحدا بعد ذلك ليقول إن قرار وزراء الداخلية العرب لا يعكس موقف بلاده، وإن البلاغ ليست له صفة إلزامية لتونس، مؤكدا أن مثل هذا القرار يصدر بالتشاور بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وتعلنه وزارة الخارجية وليس الداخلية، وأن علاقة تونس بلبنان وإيران “متطورة جدا”، وموافقة وزير الداخلية “تأتي في إطار الإجماع العربي”.الجزائر بدورها كان لها الرأي نفسه، ذلك أنها لم توافق على هذا القرار، واعتبرت وزارة خارجيتها أن أي تأكيد على كون الجزائر مع هذا القرار هو “تشويه لموقفنا وتجنٍّ على الجزائر، ومحاولة لجرها إلى حساسيات إقليمية”.كما أن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة خرج هو الآخر، عبر تصريحات نقلتها وسائل إعلام جزائرية، للتأكيد على أن “حزب الله حركة سياسية تنشط في دولة لبنان، وفق قوانين هذا البلد، والجزائر مواقفها ثابتة، ولن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة”، على حد تعبيره.اليوم يوجد “الزعيم” حسن نصر الله في موقف لا يحسد عليه، والأيام المقبلة وحدها ستكون الحاكم والفاصل.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات