+ -

كثيرًا ما يُتّخذ من المرأة ميدانًا للمزايدة ومسرحا للمتاجرة، فهي تارة سلعة تُباع، أو وسيلة خداع، أو تكون مشجبًا يعلّق به كلّ معطف، أو مربط فرس تورد لتعلف. وبين مُفرطٍ ومُفرّط، وشاد وجاذب، تضيع الحقائق، وتغرق بنات طارق، فمَن ينصف المرأة يا ترى؟ لأنّ إبليس لا يبالي بأيّ طرف ظفر، بمغالٍ أو منحلٍّ، بعال أو بسافل، أمّا الوسطية فلا. هل أنصف المرأة يا ترى مَن ادّعى من الفلاسفة أنّها متاع يطلب، وزينة تخطب، وشجرة تحطب، وبقرة تحلب، ثمّ هي عوان بين يدي مالك لا زوج، وسيّد لا صاحب، وقاهر لا رفيق بل هي ملك مشاع بين الأجناد والأسياد والقياد، يقضون منها الوطر ثمّ ترمى كما ترمى بقايا السّجائر؟وهل أنصفها الهنود الّذين اعتبروها مخلوقة للفراش والمقاعد والزينة والشّهوات الدنسة والتجرّد من الشّرف، كما جاء في أساطير “مانو” بعبارة أخصر “النساء رخيصات كالباطل نفسه”؟ وفي تشريع هذه الأساطير يعدّ الزّوج إلها.وهل أنصفتها الحضارة الغربية الّتي جعلت منها جنسًا ثالثًا لا نعرفه أو جسدًا، بل هي حيوان يركب تفنّنت في وصفه ورصفه، وفي تزيينه وعرضه للذّئاب البشرية، فهي رائحة وغادية ولكن في صورة فاتنة مغرية، تعدّ للرّبح أو للذّبح؟ فلا كرامة لها ولا حياة، إلاّ إرضاء أصحاب الشّهوات، ابتداء من أفلام هوليود في السينما، إلى الإشهاريات الّتي تملأ الأرض والسّماء، والشّوارع والأزقة الّتي تظهر للرّائي نظيفة من كلّ وسخ، لكنّها في الحقيقة لطخة في جبين الإنسان المكرم {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} الإسراء:70، لأنّها مظاهر مخزية في الاعتداء على الإنسان؟!وهل أنصفتها جاهلية العرب القديمة الّتي وأدتها رضيعة {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} التكوير:8-9، وأهانتها كبيرة، فهي عندهم عدّة الفساد، إن تغزلوا بها فلأمر لا يخفى، وإن هجوها فنار لا تطفى، وإن تندّروا بها فلأنّها في المجالس تحفة، وفي المسامرة طرفة، فلا تذكر إلاّ مع الكأس، وهي مائدة هوى الجلاس لأنّها حيوان فرث، أو دمية طمث؟وهل أنصفها مَن يزعم أنّه محاميها، يرافع عنها ويدافع، ليسترد لها حقًّا قد ضاع، وحمل لواء المساواة مع الرّجل، بل لإلغاء كلّ أشكال التّمييز بين الجنسين؟! وأنشأ لذلك وزارات وألّف كتابات، وأسّس جمعيات، دعَا إلى كلّ شيء إلاّ إلى الفضيلة والنّبل، فلو كانت الدّعوة للعلم فهذا ديننا يقول “طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ” أخرجه ابن ماجه، ولكنّهم قالوا العلم والرُقي يغنيها عن حشمتها وحجابها! ولو كانت الدّعوة إلى العمل فهذا ديننا يقول: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} التّوبة:105، ولكنّهم قالوا بوجوب اتّخاذ الأصحاب والأخدان، ولو حدث خطأ ما، فهي أمّ عزباء، وابنها هبة واهب، تؤويه الملاجئ، وتصرف عليه الدولة. ونادوا بوجوب أن يتعلّم الذّكر الرّقص لأنّه يعلّمه كيف يقدر على النّظر إلى الجنس اللّطيف بعين مجرّدة، وراحوا يشرعون ما لم يأذن به الله، حتّى وجدنا في عالم الغرب من يدعو المسلمين إلى اعتماد تعريف الأسرة بقولهم “هي خلية ونواة مكونة من شخصين”، لم يقولوا من رجل وامرأة كما هو الدّين والفضيلة، ولكن من شخصين كي يسمحوا بتصدير القذارة من عالم الحضارة، على شكل نواة تجمع ذكريين أو أنثيين.. ويقال حينها مرحبًا بالشّذوذ!وهل أنصف المرأة من جعل علاقتها معه الرّجل حربًا ضروسًا لا تضع أبدًا أوزارها؟ أمّا مع الزّوج فهو المخادع الكذوب الّذي يجب الحذر منه والتّخطيط له والانتقام منه في اللّحظة الحاسمة، ولكن قبل الزّواج أو خارج الزّواج يسمّون علاقة الرّجل بالمرأة حبًّا ويحتفلون به في عيد الحب، ويسمّونهما “روميو وجولييت”، أمّا إذا ارتبطَا بالحلال كزوجين فالحرب العالمية ناشبة، والقتل والدمار بدل السكن والإعمار.. وأمّا مع الأب فهو المربّي الحنون، واليد العطوف الصّادقة حين تكون البنت صغيرة، أمّا إذا بلغت فيجب أن تتمرّد على كلّ عرف، وأن تفعل في نفسها ما تشاء، لأنّه عدّو مبين؟مع أنّني لا أبرئ الرّجال من عيب أو أنزههم عن نقص، فالعبرة بالرّجوع إلى الّذي أنصف المرأة.. إنّه خالقها ورازقها، لنعرف ما لنا وما علينا، ونسلّم لربّ العالمين، فلا نحكم على شيء إلاّ بعد اطلاع، فالمرء عدوّ ما جهل، وكم ينسب للدّين ظلمًا ما ليس منه، سواء من الرّجل أو من المرأة.. فهل ننصف الحقيقة؟

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات