+ -

 لعلّ الغزو الأوّل للغزو الثقافي إصابة العلوم الدّينية في مقاتلها بعد إسقاطها عن مكانتها التّقليدية، وترتبط بعلوم الدّين علومُ اللّغة وفنون الأدب، فيجب أن تتضعضع هي الأخرى! ولما كان الإسلام عقيدة وشريعة وتربية وتقاليد، وكانت الثقافة المصاحبة لهذا كلّه متشعبة متكاثرة، فإنّ الاستعمار قدر لتدمير هذه الثقافة أمدًا يتراوح بين نصف قرن، وقرن كامل.وهو يستطيع خلال هذا الأمد المتطاول خلق جيل زاهد في الانتماء لدينه، غير متحمّس له ولا حريص عليه، يهاب الأديان الأخرى ولا يهاب عقيدته، ويفضّل الألسنة الأخرى ويستهين بلغته، ويكرّم زعماء العالم قديمًا وحديثًا، أمّا رجالات الإسلام فليسوا أهلاً لاكتراثه! وربّما نال منهم وأزرى عليهم!ولنعترف بأنّ أعدادًا من المرتدّين سقطت في هذه الفخاخ، فقد تَسْمع من يطلب تَرْك الصّلاة أو الصّيام حتّى لا يضعف الإنتاج! وقد تَسمَع مَن يشغب علانية على شرائع الحدود والقصاص! وقد تَسمَع من يرفض الولاء للدّين ويقدّم عليه الانتماء القومي أو الوطني! وقد تَسمَع مَن يدعو إلى العلمانية! أو مَن يرى المخادنة أحسن من الزّواج!وكان يستحيل أمس أن تقبل الجماهير معشار هذا الزيغ، بَيْد أنّ الغُزاة الدهاة عرضوها للسّنين العجاف والأزمات العضوض فجرت تلهث وراء لقمة الخبز، وقد يشغلونها بالملاهي والتسالي فيكون سماع أخبار الكرة أهَمّ من أنباء المجاهدين في أفغانستان أو الفلبين..إنّ الغزو الثقافي نجح في جعل قيمة مكان قيمة، واهتمام بدل اهتمام.. ومع ضياع المعرفة الدّينية وسقوط رتبتها، دخل الدّين كلّه في محنة هائلة، والحقّ يُقال إنّ حماة الإسلام يقفون عند آخر خطوط الدفاع والمستقبل في كفّ القضاء..

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات