"ما فعلته الجزائر في القضية الفلسطينية لم يفعله آخرون"

+ -

فتح السفير سعيد كمال، عضو السكرتارية الدائم بمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية، والأمين العام المساعد السابق بجامعة الدول العربية لشؤون فلسطين، قلبه لـ “الخبر” وهو يقلب من صندوق الذكريات الخاص به ويسترجع ذكرياته بالجزائر ولقاءاته مع الرئيسين الراحلين أحمد بن بلة وهواري بومدين، والدور الكبير الذي لعبته الجزائر من أجل القضية الفلسطينية، ودعاها لأن تعود إلى سابق عهدها، وأن تُفعِّل دورها في الميدان العربي والإفريقي والغربي. يعود بنا السفير سعيد كمال بشريط الذكريات وزياراته المتلاحقة والمتعاقبة إلى الجزائر، منذ أن كان عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة الاتحاد العام للطلبة الفلسطينيين، حيث كان يشغل منصب نائب رئيس الاتحاد للعلاقات الداخلية، وزيارته الأولى للجزائر بعد الاستقلال للبحث مع حزب جبهة التحرير الوطني إنشاء معسكرات تدريب عسكرية، حيث قال “تم اختياري للسفر إلى الجزائر، ففوجئت عندما دخلتها بحجم الخراب والدمار من آثار حرب التحرير.. وصلت إلى الفندق فاتصلت بممثل فلسطين في الجزائر أبو جهاد خليل الوزير، كان يسكن وزوجته في مكتب حركة فتح، ولم أكن أعرف وقتها ممثل حركة فتح أحمد موافي أبو خليل الذي كان محبوبا لدى الجزائريين، ورافق التحرير والاستقلال وعملية البناء، وصلت هناك فعرّفنا بأنفسنا وهم يعرفون أننا قوميون عرب، لم أكن مع حركة فتح حينها، لكني كنت قريبا منها وكانت بيننا مودة، فرتبوا لنا لقاء مع حزب جبهة التحرير، وتحدثنا إليهم عن رؤيتنا وأفكارنا في تحرير فلسطين. نحن القوميون العرب كنا نقول إن الوحدة العربية طريق العودة، وفتح تقول إن تحرير فلسطين طريق العودة، أما الجزائريون فيقولون “المهم أن تكونوا جبهة واحدة، حركة تحرير واحدة”، ونصحونا بألا تفترق بالأسماء وأن ننضم إلى فتح، وعدنا من الجزائر بهذا الفكر.. وانعقد مؤتمرنا الأول في بيروت وطالبنا بتشكيل منظمة جماهيرية فلسطينية يكون شعارها تحرير فلسطين، فحصل خلاف، فقلت: لابد من مواصلة الحوار مع الجزائر”.ويضيف محدثنا “تم تكليفي بترتيب تدريب لاتحاد الطلبة هناك، والاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين في ذلك الوقت انقسم بين شيوعيين وإسلاميين، الشيوعيون كانوا موجودين بالجزائر العاصمة واستقبلوني، ويعتبرون الإسلاميين الآخرين غير شرعيين، لكننا لم نكن نريد الدخول في هذه اللعبة، والشرعية للمنتخبين والمعترف بهم لدى الاتحاد العام العالمي للطلاب، فطلب مني لقاء الرئيس الراحل أحمد بن بلة، ودعمني في المقابلة أبو جهاد، وأذكر أنهم وضعوا تحت تصرفي سيارة من الدولة، دخلت القصر الجمهوري واستقبلني سكرتيرة طويلة جميلة، فطلبت مني أن أكتب باختصار ما جئت بخصوصه، بعدها بخمس دقائق دخلت إلى مكتب الرئيس وقال: على بركة الله. فتحدث إلي عن الفترة التي قضاها في القاهرة ومنطقة لابو في شارع قصر النيل التي كان يعيش فيها، فخرجت من مكتبه وقد شممت رائحة انقلاب”.ويواصل السفير سعيد كمال “أقمنا المعسكر في الصيف بحوالي 50 طالبا، بعدها وقع الانقلاب أو ما يعرف بالتصحيح الثوري في الجزائر، الطاهر الزبيري كان مع الرئيس الراحل هواري بومدين، لكنهما اختلفا فيما بعد، وكان للزبيري علاقات طيبة مع أحمد سعيد المذيع المصري الشهير الذي قرأ بيان ثورة التحرير بإذاعة “صوت العرب”، والرئيس جمال عبد الناصر، وهواري بومدين كان أزهريا وكان لديه استقلالية في القرار الوطني الجزائري، ونحن في اتحاد الطلاب انسقنا وراءه، وكان الدكتور محمد العربي، وهو جزائري، درسنا مع بعض في جامعة الإسكندرية كلية الآداب قسم تاريخ، وهو من تنبأ بذلك، وفيما بعد التقيته بمؤتمر حركة عدم الانحياز فقال لي: ألم أقل لك ذلك؟!”.يُكتب للجزائر أن لها الفضل في دخول فلسطين الأمم المتحدةويواصل السفير حديثه لنا “في عام 1969، قررنا في اتحاد الطلبة عقد مؤتمرنا الرابع لانتخاب قيادة جديدة بعمان، حيث القيادة، ووقعنا في حيرة من أمرنا لاختيار وفد الجزائر، من ندعو الاتحاد: العام للطلبة أم الاتحاد الآخر؟ فقالي لي أبو عمار الأولوية للحكومة والشعب والحزب، وأنا لا أريد أن أخسر الجزائر، وبصفتي عضوا مؤسسا بالاتحاد طلبت منه أن يحجز لي تذكرة إلى فرنسا، والتقيت هناك مجموعة من اتحاد الطلبة في مقهى ديبار، وطلبت منهم أن يحضروا مؤتمرنا كمراقبين، فوافقوا مباشرة وقالوا لي: السلاح والمال الذي يأتيكم من الجزائر أهم بكثير من الاتحاد حتى إن لم نأت، لكن أخبرتهم بأننا نفضل حضورهم، بعدها توجهت مباشرة إلى الجزائر والتقيت الرئيس هواري بومدين، كان شخصية مرنة، فالتقيته بصفتي عضوا مؤسسا بالاتحاد، وهو جزء من منظمة التحرير الفلسطينية، وطلبت منه أن يرسل بكلمة للمؤتمر تُتلى أولا، وجاء وفد حزب جبهة التحرير، والاتحاد العام حضر لجنة العلاقات الخارجية ولم يتحدث، فقد خرج كما دخل”.ويضيف محدثنا “لن أنسى دور الجزائر العظيم وعملها في الدبلوماسية العالمية من أجل القضية الفلسطينية، فقد فعلت ما لم يفعله آخرون حينما ترأس عبد العزيز بوتفليقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكُتب للجزائر أنه كان لها الفضل في دخول فلسطين الأمم المتحدة سنة 1974، وحصلنا وقتها على 105 صوت لدعوة المنظمة، وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار اعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال”.بومدين دلع أبو عمار كثيرا وعاقبه في قمة عدم الانحيازأعادنا السفير سعيد كمال إلى سنة 1973 أثناء انعقاد مؤتمر حركة عدم الانحياز بالجزائر، ومعاقبة هواري بومدين لعرفات على خلفية إهانة زهير حسين، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، للجزائر، بعد تصريح عبد العزيز بوتفليقة في الأمم المتحدة الذي قال فيه: لو كنت فلسطينيا لفكرت في أن أعلن الموافقة على قرار التقسيم 1948 لأضع اسرائيل على المحك إما تقبل إما ترفض. فأراد بومدين معاقبة عرفات لعدم اتخاذ موقف ضد زهير، وقد أبلغت أبو عمار أن الوضع صعب للغاية، وأني أعاني الأمرين في هذا، وسفيرنا بالجزائر أبو موافي غادر البلاد إلى مكان غير معروف، ولكم القرار، والسبب تصريحات زهير محسن وعدم الرد عليها، وطلبت منه فصله أو يخسر الجزائر، والموضوع من حق الجزائر، وهذه أول مرة أقسو فيها على رئيسي.. وعندما وصل أبو عمار للجزائر على متن طائرة أردنية، ذهبت لاصطحابه إلى إقامته وكانت بعيدة عن مقر إقامة باقي رؤساء الدول، دخلنا الفيلا فرأينا الفئران والصراصير في المكان، وأبو عمار كان يمشي مثل المجنون، وهدد بالانسحاب وقتها، فقلت له إن بومدين سيحجزك إن قررت ذلك، ولن يتركك تغادر البلاد، وفي اليوم التالي أتى إليه الوزير أمحمد يزيد وقال له: غلطت غلطة العمر مع بومدين. كل هذا نتيجة عدم أخذ قرار في زهير، فحمله إلى السيارة وتوجهوا إلى قاعة المؤتمر، وبقي في الصالون ورفض دخول القاعة، وظل يردد: أنا أُعامل هكذا! وفي الأثناء دخل بومدين وأمره بدخول القاعة، وفي المساء طلبه بومدين وتناولوا العشاء معا، وهكذا تم حل المشكلة. كان أبو عمار منزعجا جدا من الموقف لأنه تعوَّد على الدلع من الجزائر. ورحيل بومدين خسارة للعالم، وهو مناضل وقف مع القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي موقفَ رجل، والجزائر لعبت دورا قويا وفاعلا في الميدان العربي والإفريقي والغربي، وأرجو أن تعود شيئا فشيئا إلى سابق عهدها”.ترسيم الأمازيغية خطوة جيدة وأحذر الجيش الجزائري مما يحاك ضدهوصف سعيد كمال قرار ترسيم اللغة الأمازيغية ودسترتها في الجزائر بالجيد، حفاظا على “الوحدة الوطنية”، حتى لا تكون هذه النقطة مأخذا للدخول واللعب على الوحدة الوطنية، وأبدى سعادته بأن الجيش الجزائري ممسك بناصية الأمور في بلده، وحذّره قائلا “احذر مما يحاك ضدك من أخيك من مؤامرات، احذر من خطة الغرب لإضعاف الجيوش العربية جميعها، فالجيش السعودي اتجه لليمن، والآن يريد القتال على الحدود السورية، والجيش الجزائري الموحد مستهدف من ناحية داعش وبوكو حرام. احذروا أنا قرأت تقارير، ومن المؤكد أنكم قرأتم أيضا. الجيش الجزائري ليس بالجيش السهل. حافظوا على تونس، إذا نجحوا في تونس سيبدأ في غيرها”.إسرائيل لن تمكنِّنا من الاتحاد لضمان بقاء احتلالهاوبمرارة شديدة تحدث سعيد كمال عن القضية الفلسطينية، منتقدا تحركات الرئيس محمود عباس، وداعيا لضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية لمدة سنتين برئاسته، تشمل جميع الفصائل كل بدرجته، من فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والديمقراطية، والحزب الشيوعي الفلسطيني، والفصائل الأخرى، رافضا إجراء انتخابات تحت الاحتلال. “الحديث عن انتخابات ونحن تحت الاحتلال والوصاية والصراع والصراع المتبادل في كل الشوراع الفلسطينية، كلام فارغ، والمطلوب أولا أن نخرج بقائمة موحدة ومجلس تشريعي موحد يحاكم الاحتلال، إما نحن وإما انتم، يا استقلال يا لا، ثم نجري انتخابات في ظل دولة مستقلة لها السيادة ولو على 60% من أرضها، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية عاصمة الدولة، أنا أريد انتخابات، وأنا مستقل تحت إشراف دولي، وأناشد أبو مازن أن يجعل من هذا النداء حقيقة على الأرض. غيرَ ذلك فلن تمكنك إسرائيل من أن تتحد أو أن تفعل شيئا إلا مع ما يتناسب وبقاء احتلالها للضفة الغربية وسيطرتها على قطاع غزة، أو أن نترك لأجيالنا القادمة أن نختار الكفاح المسلح، وهو موجود في ميثاقنا الوطني جيلا بعد جيل، نحن وإياهم والزمن طويل، نعم أخطأنا وسندفع ثمن خطئنا، لكن راية الكفاح لن تنام”.ويقول سعيد إن الربيع العربي يمثل “نقمة” على القضية الفلسطينية، لانشغال بعض الدول بأوضاعها الداخلية، وعجزها عن تقديم واجباتها تجاه القضايا الرئيسية، ولفت إلى أن التدخل في القرار الفلسطيني ليس بسبب انقسام الفصائل، وأن التدخل العربي كان موجودا قبل ظهور حماس، “حيث كانت دول الجوار الفلسطيني تتدخل لدى الرئيس عرفات بما تراه يتعارض ومصلحتها، لكن تأثيرها أقل قليلا من تأثير الاحتلال الصهيوني الذي يحيط بالضفة على الأرض وغزة من البحر والجو”.ورفض محدثنا الحديث والخوض في تفاصيل معبر رفح، واعتبره “شأنا سياديا”، إلا بالشروط التي تذيعها مصر لأسباب إنسانية، وأكد أنه لن يفتح المعبر ولن يسلم لحماس إلا إذا حضر أبو مازن وطلب ذلك.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات