"سنضطر لمراجعة الدستور لأنه لا يوفر الاستقرار السياسي والمؤسساتي"

38serv

+ -

 تعتبر الخبيرة في القانون الدستوري، الأستاذة فتيحة بن عبو، في مقابلة مع “الخبر”، أن الدستور الذي دخلت أحكامه حيز التنفيذ أمس، سابقة في تاريخ دساتير العالم، من حيث “بدانته” شكلا ومضمونا.دخل الدستور، أمس، حيز التطبيق، ماذا سيتغير في حياة الجزائريين؟ انتقدت من البداية هذا الدستور وقلت بوضوح وصراحة إنه دستور ثرثار، أي فيه كلام كثير، ناهيك عن طريقة كتابته التي لم تراع فيها أصول كتابة الدساتير. لقد قام المؤسس الدستوري بغلق الباب أمام أي محاولة للاجتهاد القانوني. لقد صار خبراء القانون مكبلين لا يستطيعون مسايرة التطور الحاصل في المجتمع، عبر الاجتهاد في إيجاد حلول قانونية لمشكلات واحتياجات المجتمع لتنظيمات ونصوص تفسر الدستور، وتجعله على الدوام مصدرا للتفكير والبحث المستمر عن الوسائل التي تجعله مطبقا بشكل سليم.وكيف يتم حل هذا الإشكال؟ الحل يكمن في انتظار تعديل الدستور مستقبلا. للأسف، غلق باب الاجتهاد القانوني لا ينفع المجتمع. نقول في القانون إن المجتمعات تتطور من خلال إيجاد حلول قانونية بواسطة تشريعات وتنظيمات تضبط الواقع المعاش وتواكب التحولات التي يشهدها.تقصدين أن كثرة المواد وتفرعها يعيق التطور السياسي في البلد؟ يؤثر سلبا على التطوير السياسي وكذلك المؤسساتي. المجتمعات تحتاج إلى حيوية ونشاط دائمين، والمؤشر على ذلك هو الاجتهاد القضائي من طرف رجالات القانون، يؤسفني القول إن هذا الأمر لم يعد قائما بعد صدور وسريان دستور 2016.هناك من اعتبر نشر نص الدستور كاملا في الجريدة الرسمية بدعة قانونية، ما رأيك؟ لجوء المؤسس الدستوري إلى نشر النص الكامل للدستور يأتي احتراما لفلسفة هذا الأخير، إذ أن الدساتير تؤسس على فلسفة تحدد التوجهات، بعبارة أبسط منطق يستند عليه المؤسس الدستوري في وضع أسمى قانون في الدولة. كما أن النشر الكامل يسهل عملية الاطلاع عليه دفعة واحدة.كثرة المواد (218 مادة) جلبت للدستور انتقادات، لماذا؟ دستور 2016، سمين أو بدين. فيه ثرثرة. الأصل أن يكون موجزا لا إطالة فيه ولا إطناب في الشرح. في الدستور نكتفي بالمبادئ العامة، والقوانين العضوية والعادية هي التي تفسر أحكامه وفقا لاحتياجات حياة المجتمع. “تسمين” الدستور بهذا الشكل يحولنا إلى مجتمع جامد لا يتحرك، أو على الأقل بطيء جدا، أي العكس هو الأصل.. قلت سابقا، التفصيل والإطناب يفقدان الدستور قيمته، وسنضطر إلى المراجعة مستقبلا لفك تبعات “تسمينه”. كان الأفضل الاكتفاء بالمبادئ العامة وإحالة التفصيل في القوانين العضوية والعادية. وكمثال على ذلك، الواقع الاقتصادي والاجتماعي، الذي لم يكن بحاجة إلى دسترة لأنه من المعروف عند كافة الناس أن القوانين هي التي تضبط الحياة الاقتصادية والتجارة والجانب الاجتماعي. الدستور الأمريكي الذي مر على وضعه 300 سنة، يحتوي على 17 مادة وبقي كذلك رغم التعديلات التي مسته وعددها 26 تعديلا، وهذا للإبقاء على دور القاضي الدستوري الذي يتماشى مع الواقع.أنا أتوقع أن تدخل البلاد في حالة من عدم الاستقرار الدستوري. عندما نضع دستورا فنحن نقوم بإسقاطات على المستقبل، وتتم ترجمة ذلك بتفصيلات بدون المساس بالدستور نفسه. لكن في حالتنا، أستطيع التوقع أننا سنتوجه إلى تعديلات قادمة للدستور لأننا لم نترك المجال أمام تطوير القوانين. للأسف الذين بادروا بتعديل الدستور تعاملوا مع ذلك بتسرع، بدل التريث. نقول في القانون الدستوري، من كان يريد تغيير الدستور عليه أن يتعامل مع الأمر بيدين مرتعشتين أو ثقيلتين. لقد ذهبنا بعيدا في المساس بالدستور، دسترنا كل شيء ولم يبق سوى إدراج الألبسة وشكلها وألوانها في الدستور!تقصدين أن المبادرين بالتعديل لم يكونوا يعلمون ما يفعلون؟سبق لي أن انتقدت الطريقة التي تمت بها المراجعة. مثلما يوجد اختصاصيون في كل المجالات، للدساتير أهل اختصاص أيضا. للأسف، لم نول هذا الجانب الاهتمام الكافي، في المضمون من حيث كثرة المواد، وفي الشكل من ناحية البدانة التي يتميز بها دستور 2016.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات