+ -

 الدكتور حسن الترابي مات بسكتة قلبية.. ومن يكون في رهافة حس الدكتور الترابي لا يمكنه إلا أن يموت بالسكتة القلبية وهو يرى من مهازل ومجازر تنفذ باسم الإسلام في أرض العرب وبواسطة مرتزقة العرب وقادة “حماة الإسلام”.الترابي.. هذا العالم الإسلامي الفذ خريج السربون وهارفارد، جمع بين عبق عالم الشرق كإقبال وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو وابن باديس.. وجمع أيضا صفة عالم الشرق المطّلع على علوم الغرب، وهو في هذه من طراز مالك بن نبي.. ولسنا ندري كيف سيكون حال السودان إسلاميا بعد رحيل الترابي؟!قابلت المرحوم في الخرطوم مرتين.. كان في عز عطائه ولمعانه.. كان ذلك في سنوات 1993 – 1994، فقد كان المرحوم يقود تجربة فريدة من نوعها في تزاوج الإسلام السياسي بالسلطة في السودان الشقيق.انفردت به في مكتبه الخاص في الخرطوم ذات يوم من عام 1993، في حديث نشرته على أربع صفحات في أسبوعية “الشروق العربي”.. كانت الدماء تسير أنهارا في الجزائر.. وكانت السودان، والترابي تحديدا، متهما بتشجيع ما يجري في الجزائر.. استقبلني وجلس خلف مكتبه في حركة فهمت منها أنه استصغرني، فلم يجلس أمامي في الصالون.. وهي حالة تعلّمنا أنها تحدث لمن لا يحترمك.. شغّلت آلة التسجيل وسألته عن موقفه مما يحدث في الجزائر.. فكانت إجابته فيها لوم حاد للطرفين المتصارعين في الجزائر.فتشجعت وسألته سؤالا آخر أكثر إحراجا.. فقلت له: الإسلاميون في العالم يقفون إلى جانب الإنقاذ الجزائرية ضد النظام الفاسد في الجزائر، ويشبهون ذلك بالوقوف مع الخميني ضد نظام الشاه في 1988.. هل هذا معقول؟! النظام الجزائري بكل عيوبه، هو وليد حركة تحررية أصولها إسلامية، فجبهة التحرير أسمت نشاطها ضد الاستعمار الفرنسي جهادا.. وأسمت مقاتليها (مجاهدين).. وأطلقت اسم الشهيد على الأموات، بل وأسمت جريدتها الناطقة باسمها بالمجاهد. واستطاعت أن تسترجع الجزائر إلى حظيرة الإسلام وجنّبتها مصير الأندلس أو فلسطين.. فهل يعقل أن تعامل مثل نظام شاه إيران من طرف الإسلاميينǃ؟وقف من خلف مكتبه وجلس أمامي في الصالون وأجابني بإجابة ضاحكة وهو ينظر إلى آلة التسجيل: لقد قابلت عباسي مدني في لاغوس بنيجيريا، وصليت معه الجمعة وقلت له: اذهب على مهلك في الأمر، فأوروبا لا تقبل بأن تفيض عليها الجزائر بإسلامها، ونسق أعمالك مع الشرفاء في جبهة التحرير (مهري)، ولكنه لم ينتصح بالنصيحة؟! وقال لي الترابي: إن الحركة الإسلامية في الجزائر واعدة، ولكن قادتها ليسوا في مستوى هذه الحركة؟! وإن الجيل الثاني في الحركة الإسلامية الجزائرية أكثر نضجا من القيادة القديمة! ولم أتمثّل ما قاله لي الترابي إلا بعد ثلاث سنوات، عندما دخلت سجن سركاجي ووجدت المرحوم حشاني يرسل إلي كتاب الترابي “السياسة والحكم في الإسلام”، أرسله إلي خفية إلى الزنزانة مع أحد حرّاس السجن الذين هيكلهم حشاني رحمه الله.الحديث الذي أجريته مع الترابي في 1993 نشرته في “الشروق” في حينه وأحدث ضجة في الأوساط الإسلامية، وخاصة مناضلي جبهة الإنقاذ.. ووجدت نفسي أُستنطق من طرف مصالح الشرطة القضائية لوزارة الدفاع عن الحديث وعن زيارتي إلى السودان. ولما سألني الضابط: لماذا ذهبت إلى السودان؟ قلت له: ذهبت إلى هناك للإطلاع على وضع هذا البلد الذي أصبح يهدد أمن الجزائر.بعد وفاة الترابي، لابد أن يتساءل الناس: لماذا لم يظهر العنف في السودان كما حدث في ليبيا والجزائر وسوريا، ألا يعود الأمر إلى الترابي؟[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات