الجزائر أفشلت نقل العاصمة الليبية إلى بنغازي

+ -

“الوضع في ليبيا يحبس أنفاس حكومات أوروبا والمنطقة المغاربية”. بهذه العبارة لخص مسؤول دبلوماسي، طلب عدم ذكر اسمه، في حديث مع “الخبر”، الوضع الذي تمر به الأزمة الليبية التي تدخل عامها الخامس على قرع طبول حرب يسعى لإشعال فتيلها الغرب، بداعي محاربة “داعش”.- الجـزائر لا تـنافـس مصرعلى أمانة الجامعة العـربــية- استهداف “حزب الله” مقدمة لاستهداف المقاومة الفلسطينية والبوليزاريو حسب المعلومات التي تحصلت عليها “الخبر”، فإن التدخل عسكريا في ليبيا لا يزال يتصدر أجندة دول أوروبية وغربية، تصر على أنها معنية بشكل مباشر بتهديدات تنظيم داعش، خاصة بعد الهجمات التي استهدفت فرنسا في نوفمبر الماضي، وبلدانا أخرى مثل لبنان وتركيا ومالي وبوركينافاسو.ويقول المصدر الدبلوماسي إن الدبلوماسية الجزائرية التي توصف بالبطيئة، وإن حققت الأهم من تحركاتها الرامية إلى إبعاد المنطقة عن الحرب، لتداعياتها الإنسانية والأمنية على الجزائر أولا، قبل غيرها من بلدان المنطقة، يعترف مقرروها بأن الجهود المبذولة منذ انطلاق مسار البحث عن حل لأزمة ليبيا، وصلت إلى خط النهاية وأن الكرة موجودة حاليا في مرمى الليبيين، وأن عليهم الإسراع قبل فوات الأوان، أي قبل وقوع التدخل العسكري.وحسب الدبلوماسي، المشتغل على الملف الليبي، فإن هذا الأخير وقع ضحية لتجاذبات القوى الكبرى وأطراف لديها أجندات سياسية وأمنية في هذا البلد الجار، فهناك من يبحث عن الطاقة، ويوجد من يبحث عن ولاء الحكام الجدد، وهناك من يبحث عن موطئ قدم له لدواع اقتصادية بحتة، خاصة في ظل الأزمة العالمية التي تعصف باقتصاديات الغرب.ويرى المتحدث أن ليبيا مهددة هي الأخرى بالتقسيم الذي جاء به مشروع الشرق الأوسط الكبير. فمثلما حدث في أفغانستان، العراق، السودان، سوريا، واليمن، حيث أن الأوضاع لن تعود أبدا إلى ما كانت عليه قبل وضع هذا المخطط على طريق التجسيد قبل ربع قرن. هذه التهديدات تستهدف الجزائر كذلك، يقول المصدر لـ”الخبر”، ولا يمكن التصدي له إلا بوقوفنا كجزائريين صفا واحدا مع ترك خلافاتنا جانبا.هذه الخلافات التي أخرجها مؤخرا للعلن تراشق إعلامي بين أكبر أحزاب السلطة، الأفالان والأرندي، وفي هذا الصدد لا يخفي محدثونا قلقهم من تأثير ذلك على تحركات الدبلوماسية الجزائرية، فضلا عن غياب أو تغييب الإعلام الوطني عن المشاركة في مسعى تحسيس الرأي العام بطبيعة التهديدات الآتية من الجهات الأربع.لكن ماذا عن تطورات الوضع الليبي وأين ثمار جهود الدبلوماسية الجزائرية؟ يقول ذات المصدر إن “الليبيين يدركون جيدا ما قمنا به من أجل خروج بلدهم من الأزمة، العالم اليوم أصبح يتكلم لغة الموقف الجزائري، الحل السياسي هو العنوان الرئيسي لكل القوى السياسية في ليبيا رغم محاولات ضرب مساعي السلم من بعض الأطراف الخارجية التي كانت تلعب على وتر التشكيك في نجاح هذا الخيار”.ومن ذلك ما تتحدث عنه مصادرنا من إفشال لمخطط كان يستهدف نقل عاصمة الدولة الليبية إلى بنغازي، بدل العاصمة التاريخية طرابلس، مشيرا إلى محاولات داخلية مدعومة من الخارج لمحو طرابلس من خارطة الدولة الليبية، تحت ذريعة انعدام الأمن واستهداف أعضاء الحكومة الجديدة ومؤسسات الدولة من طرف الإرهابيين والرافضين لاتفاق السلام.ولإسقاط هذه المبررات، اعتمد الوفد الجزائري في إقناع الأطراف الليبية على تجربة الإقامات المؤمنة للمسؤولين وإطارات الدولة، في ذروة الأزمة الأمنية في التسعينات، وأيضا في العراق الذي احتفظ ببغداد عاصمة له رغم الهجمات التي استهدفتها طيلة السنوات الماضية.كما شمل التحفظ الجزائري مكان التوقيع على اتفاق المصالحة بين فرقاء الأزمة الليبية، حيث كانت الجزائر تصر على أن تتم مراسم التوقيع في طرابلس، قبل أن تجهض العملية بهجوم مفاجئ على العاصمة، ما دفع بالأمم المتحدة إلى الذهاب إلى مدينة الصخيرات في المغرب، شهر ديسمبر الماضي، علما أن أصواتا داخل فريق الوساطة الأممية طلبت من الجزائر استضافة حفل التوقيع، لكنها اعتذرت، مقترحة طرابلس لإضفاء مصداقية أكبر على الاتفاق.وعن حظوظ حكومة الوفاق الليبي في الاضطلاع بمهامها في استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا، تعتبر مصادرنا بأنها “الخطوة الأساسية في مسار الحل السلمي، المجتمع الدولي يبحث عن محاور في هذا البلد، لا يمكن استمرار الفراغ المؤسساتي فيه، وإلا أن كل المنطقة ستغرق في مشاكل أمنية ثقيلة جدا”.بالإضافة إلى الملف الليبي، تستعد الجزائر لمعركة كواليس ساخنة في الجامعة العربية، نهاية هذا الأسبوع، بمناسبة اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب (10 مارس)، بعد أن حاولت بعض وسائل الإعلام العربية الزج بها في أزمة جديدة مع مصر، على خلفية تدوير منصب الأمانة العامة للجامعة.وفي هذا الصدد، أكدت ذات المصادر أن الجزائر لا تنافس مصر على هذا المنصب، مشيرة إلى أن قائمة المترشحين له تضم اسما واحدا فقط هو الدبلوماسي المصري أحمد أبو الغيط، حيث يصنف محدثونا إقحام هذه المسألة في خانة الاستغلال الإعلامي، الرامي إلى التأثير على الدور الجزائري الذي يقوم على دراية دقيقة بالحقائق الميدانية للأحداث الجارية والقوى التي تقف وراءها.وتستمد الجزائر قوة مواقفها من القضايا العربية من عدم الميل لأي طرف على حساب آخر، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع، رغم الانتقادات التي تسمعها من الشركاء العرب في الجامعة العربية وغيرها من المحافل، وأيضا من ألسنة حكومات بعض الدول الأوروبية التي تنقل تحفظات أطراف عربية لآذان المسؤولين الجزائريين من باب النصح بتغييرها.بالنسبة للدبلوماسية الجزائرية، فإن مباركة أي تدخل أجنبي في أي دولة عربية أو أجنبية يعني “شرعنة” أي تدخل أو عمل عدائي ضد الجزائر، في إطار أجندة ثورات الربيع العربي التي أطاحت بأنظمة بأكملها قبل الغرق في مستنقع الفوضى، خدمة للمشروع الأمريكي في إعادة رسم مناطق نفوذ جديدة لها في شمال وغرب القارة الإفريقية بما يخدم استقرارها وأمنها الطاقوي.وعلى ضوء ما ذكر، يبرز رفض الجزائر الصريح لأي محاولة تستهدف حركات التحرر والمقاومة في الوطن العربي والعالم الثالث، وفي مقدمتها المنظمات الفلسطينية و”حزب الله” اللبناني وجبهة البوليزاريو، وهو ما تفادت الجزائر، بقرارها الأخير، الوقوع فيه. فسريان قرار كهذا على “حزب الله”، مثلا، سيكون بمثابة السابقة التي ستبنى عليها قرارات أخرى ضد حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في قطاع غزة، والبوليزاريو، التي تدعم الجزائر مطلبها في تنظيم استفتاء تقرير المصير طبقا للقرارات الأممية والشرعية الدولية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات