عاش للإسلام فدفن بجـوار النبيّ الكريــــم

38serv

+ -

 يُحتفى بعد غد، بالذكرى العشرون لوفاة المفكر والداعية الإسلامي والعالم الزاهد المجدِّد الشيخ الدكتور محمد الغزالي رحمه الله تعالى، صاحب رسالة دعوية وإصلاحية ملكت حياته، ووجّهت خطواته، فوقف بين الدعاة علمًا، وبين المصلحين طودًا شامخًا، وبين مفكري وكُتَّاب النهضة قلمًا وسيفًا مسلطًا على أسباب التخلف، فعاش للإسلام، ونذر حياته لخدمته، وسخَّر قلمه وفكره في بيان مقاصده، وجلاء أهدافه، وشرح مبادئه، والذّود عن حماه، ومقارعة خصومه.مولده ونشأته ومشايخهولد الشيخ محمد الغزالي في يوم 22/09/1917م، في قرية “نكلا العنب” من إيتاي البارود بمحافظة البحيرة بمصر. ونشأ في أسرة محافظة يغلب عليها العمل بالتجارة، وكان والده من حفظة القرآن الكريم، وقد نشأ الابن على ذلك، فحفظ القرآن الكريم وعمره عشر سنوات.وتلقّى تعليمه في كتّاب القرية، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية، حيث أكمل المرحلتين الابتدائية والثانوية، ثم انتقل إلى القاهرة، ودرس بكلية أصول الدين سنة 1357هـ/1937م، وحصل على الشهادة العالمية سنة 1361هـ/1941م، ثمّ تخصّص في الدعوة والإرشاد، حيث نال شهادة الماجستير 1362هـ/1943م، وتزوج وهو طالب بكلية أصول الدين ورزق بتسعة من الأولاد. ومن أهم مشايخ الشيخ الغزالي الّذين تأثّر بهم فترة الدراسة: الشيخ عبد العزيز بلال، والشيخ إبراهيم الغرباوي، والشيخ عبد العظيم الزرقاني وغيرهم.عملهبعد تخرّجه عمل إمامًا وخطيبًا في مسجد “العتبة الخضراء”، ثمّ تدرّج في الوظائف حتّى صار مفتشًا في المساجد، ثمّ واعظًا بالأزهر الشّريف، ثمّ وكيلاً لقسم المساجد، ثمّ مديرًا للمساجد، ثمّ مديرًا للتدريب فمديرًا للدعوة والإرشاد.وقد قضى الشيخ محمد الغزالي في معتقل الطور سنة 1369هـ/1949م، حوالي السنة، وقضى في سجن طرة عام 1385هـ/1965م، فترة من الزمن.وفي سنة 1391هـ/1971م، أعير للمملكة العربية السعودية أستاذًا في جامعة أم القُرى بمكة المكرمة، ودرّس في كلية الشريعة بقطر، وفي سنة 1401هـ/1981م، عُيِّن وكيلاً لوزارة الأوقاف بمصر، كما تولّى رئاسة المجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بمدينة قسنطينة لمدة خمس سنوات، وكانت آخر مناصبه.استقرّ الشّيخ محمّد الغزالي بمدينة قسنطينة مدينة المجدّد الإمام عبد الحميد ابن باديس محاضرًا ورئيسًا للمجلس العلمي في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، حيث أسهم إسهامً بارزًا في تأسيس المناهج الّتي تسير عليها الآن.وفاتهتوفي رحمه الله في مدينة الرياض يوم 09/03/1996م، ونُقل إلى المدينة المنورة، حيث دُفِن في مقبرة البقيع، بأمر من أمير الرياض عبد الله بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله وتوصية مفتي السعودية الشّيخ بن باز رحمه الله.من تراثهمن الجزائر ومن السّلف الصّالح أذكر شيئًا من الجزائر وشيئًا من المجتمع السّلفي الأوّل، فالزعيم الروحي لهذه الأمّة أو الزعيم الفكري لهذه الأمّة الإمام عبد الحميد بن باديس، عندما انتهى من تفسير الكتاب العزيز، ومن بيان السنّة المطهّرة، ووضع لهما الدعائم وأرسى لهما القواعد في هذا البلد الطيّب، وقال: هذا كتاب الله، وهذا ميثاقنا الّذي نعيش به ونعيش معه وهو الّذي نستند إليه، فالجيل الحاضر والجيل الّذي يليه والأجيال المتتابعة إلى قيام السّاعة، وهو كتاب الله، والكتاب بين أيدينا.اهتزاز الشّخصيّة الإسلامية في غياب الفكر النيّر اهتزّت الشّخصية الإسلامية واهتزّت معها الرسالة، واهتزّ بلاغ الكتاب والسنّة، واهتزّ فهم قيم الكتاب وأبعاد السنّة، والسبب في هذا أنّ الأمم أحيانًا تتوارث الأشكال والمظاهر، وإذا اعتمدت أمّة من الأمّم على موارث الأشكال والمظاهر وأهملت الأصول والمضامين، فإنّها تتلاشى وتضمحل، وما تحيا الأمم إلاّ إذا ورثت الرّوح الدافعة والخلق القويم والتقاليد الحارسة والعقل النيّر، وكان هذا كلّه من وراء تجدّد الوسائل الّتي تمدّها بالحياة، وتجعل تيارات الفكر فيها عاصفة تتحرّك بقوّة وما تنجح الأمم إلاّ بهذا. إنّ هناك أممًا طفلة وأممًا فيها نضج، وإذا قلت لي: ما الأمم الطفلة، قلتُ لك هي الأمم الّتي لا تعني إلاّ بالتقاليد في المظهريات، وسمّيتها كذلك لأنّي لاحظتُ أنّ الطفل عندما يرى أباه يصلّي يقلّده في الصّلاة وما يقلّده فيها في الركوع وفي السجود وفي جلسة مؤدّبة بين يدي الله هذا ما يملك أن يقلّده فيه، فالصّور هي الّتي يقلدها.تأسفه على واقع الأمّة المسلمة أبدى العلامة الشّيخ محمّد الغزالي رحمه الله، طيلة حياته أسفه لواقع الأمّة الإسلامية، وبقائها في أدنى الأمم مرتبة، على الرغم من موروث الوحي الذي تحمله هذه الأمّة، ومقوّمات الثقافة الإسلامية التي ترتكز على العلم الذي يثير العقول، وممّا قاله في كتاب “من وحي الجزائر.. ومضات داعية”: إن الدولة الإسلامية الأولى تكوّنت في زمن خارق للعادات في قصره، وأقامت عقيدة لا تزيدها الأيام إلاّ قدرة على البقاء ومقاومة الأحداث، ويرجع ذلك فيما أرى إلى أمرين: الأول، حاجة العالم إلى تعاليم الإسلام، واقتناعه بها، ورضاه عنها عندما بلغته، حتّى أن أبناء البلاد المفتوحة سابقوا العرب إلى فقه الإسلام ونشره، وصاروا أئمة للأمصار الكبرى تثق الجماهير بهم وتصدر عنهم. والثاني، أنّ أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم قدّموا الرسالة للنّاس علمًا ذكيًا وثقافة أصيلة. ثمّ ينتقد الانتشار الواسع للأمية فيقول: ثمّ أشعر بالأسى للأمية الثقافية التي لفّت جماهيرنا في أكفانها، وجعلتهم في هذا العصر آخر الأمم وأنزلها رتبة. نعم هناك أشرطة حيّة تحفظ القرآن حرفًا حرفًا ولا تعي منه ما يرفع رأسًا، وهناك عشرات الدول تنتمي إلى الإسلام تذكّرنا بتغلب وحِمير وطسم وجديس. ماذا حدث؟ إنّ الإسلام الّذي سمّي في وحي الله علمًا أمسى أهله سواد الأميين في العالم.شهاداتالشّيخ الغزالي.. الرجل الحُرّ أشهد أنّ الشّيخ محمد الغزالي كان رقيق القلب، ولا يحبّ العنف، كما كان يدّعي بعض المسؤولين السياسيين في البلاد أنّه سبب الإرهاب في الجزائر.وكان رحمه الله حرًا في تفكيره، ولذلك كان الرئيس المصري أنور السادات قد قرّر أن يسجنه، وكان الشيخ آنذاك في الجزائر، فكتب له ابنه يحذّره بعدم الرجوع إلى مصر. وشهادة لله، أن الرئيس الشاذلي زار ملتقى الفكر الإسلامي في سيدي فرج، فاستقبله الشيخ عبد الرّحمن شيبان وذكر له ما سيحصل للشّيخ إن عاد إلى مصر. فقال الرئيس الشاذلي للشيخ الغزالي: هذه بلدك، فادعو إلى الله كما كنت تدعو في أيّ بلد إسلامي آخر. وهذا هو سبب مجيئه واستقراره بالجزائر، فكان ضمن إطارات الجامعة، حيث تولّى رئاسة المجلس العلمي، وكنتُ أنا رئيسًا للجامعة.كما أشهد أنه كان يكره العنف ويبغضه أشدّ البغض، وكان قد ضجر وقلق من جماعة تدّعي السلفية، ولذلك ألّف في قسنطينة كتابه المشهور “السنّة بين أهل الحديث وأهل الفقه”، وكان رأيه أنّه لا يمكن أن نَفْصِل بين الحديث والفقه، وهو في هذا مثل الخطيب البغدادي.وكتب الله له أن يُدفَن في مقبرة البقيع في المدينة المنورة مع الصّحابة رضوان الله عليهم وبجوار المسجد النّبويّ وضريح النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، لأنّه كان يحبّه، وقد ألّف كتابه المشهور “فقه السِّيرة”، وقد حقّقت السلطة في السعودية أمنيته بأن يدفن في البقيع، وهذا يُعتبر كرامة له، والله سبحانه وتعالى أكرمه بذلك بعد جهاد طويل بالقلم، لا تأخذه في الله لومة لائم.*الرئيس الأوّل لجامعة الأمير عبد القادرالغزالي وزلزال 1985كان للشيّخ محمد الغزالي رحمه الله دورًا فعّالاً في طمأنة النّاس في مدينة قسنطينة أثناء زلزال أكتوبر 85، وتواصلت ارتداداته لمدّة ثلاثة أيّام، حيث خرج المواطنون إلى السّاحات العامة والحدائق والخيام خارج العمارات، بسبب الخوف الّذي تملّكهم.وكان للشّيخ دور فاعل في طمأنتهم، من خلال تدخّلاته على مستوى الإذاعة ووسائل الإعلام والدروس الخاصة بالزلازل، محاولاً توجيههم توجيهًا دينيًا وإرشاديًا، على اعتبار أنّها ليست خطيرة، وأنّها قدر قدّره الله.*الرئيس الحالي لجامعة الأمير عبد القادر

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات