يفرض الإسلام على أتباعه المسلمين أن يَسُود بينهم التّعاون والتّكافل والتّآزر في المشاعر والأحاسيس، فضلاً عن التّكافل في الحاجات والمادِّيات، ومن ثَمَّ كانوا بهذا الدّين كالبُنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضًا، كما روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا”. التّكافل الاجتماعي جزء من عقيدة المسلم والتزامه الدّيني، وهو نظام أخلاقي يقوم على الحبّ والإيثار ويقظة الضّمير ومراقبة الله عزَّ وجلّ. فهو ليس مقصورًا على النّفع المادِّي، وإن كان ذلك ركنًا أساسيًّا فيه، بل يتجاوزه إلى جميع حاجات المجتمع، أفرادًا وجماعات، مادِّيَّةً كانت تلك الحاجة أو معنوية أو فكرية، على أوسع مدًى لهذه المفاهيم، فهي بذلك تتضمّن جميع الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات داخل الأُمَّة، وغايته التّوفيق بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد.إنّ قيمة التّكافل دِعَامَة أساسية من دعائم المجتمع الإسلامي، وهو يشمل صورًا كثيرة من التّعاون والتّآزر والمشاركة في سدِّ الثغرات، تتمثَّل بتقديم العون والحماية والنُّصرة والمواساة، وذلك إلى أن تُقضى حاجة المضطر، ويزول هَمُّ الحزين، ويندمل جرحُ المصاب، ويبرأ الجسدُ كاملاً من الآلام والأسقام.ولقد وضع القرآن أسسًا نفسيةً وأخرى مادية، لإقامة التّكافل الاقتصادي والاجتماعي بين أفراد المجتمع الإسلامي. ولعلَّ من أهمِّ الأسس النّفسية إقامة العلاقات المادية والمعنوية على أساس الأخوّة، لقوله تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ”. ومنها الّتي تُبنى عليها علاقة الفرد بالمجتمع، كالتّعاون على البرّ والتّقوى، قال تعالى: “وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” والأمر بالإحسان إلى أفراد المجتمع: قال تعالى: “وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورً”.وقد جعل الإسلام كلّ مسلم مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته”. وقد بيّن عليه الصّلاة والسّلام مسؤولية المجتمع عن كلّ فرد محتاج فيه، في عبارة قوية في إنذارها للفرد والمجتمع “ليس المؤمن بالّذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه”.وتظهر الزّكاة الّتي هي أحد أركان الإسلام، وفريضته الاجتماعية، أوّل صور التّكافل الاجتماعي في الإسلام، وهي فريضة على كلّ مسلم، وهي حقّ مقدّر بتقدير الشّارع الحكيم في المال بشروط معيّنة، وهي تدلّ على معنى أخصّ من الصّدقة الّتي لا تتحدّد بمال معيّن أو قدر بذاته.ونحن نقرأ ونسمع أنّ المسلمين لمّا طبّقوا هذا المبدأ العظيم في العصور الفاضلة، وعصر الخلفاء الرّاشدين من الصّحابة رضي الله عنهم، وخاصة عهد عمر بن عبد العزيز لم يكن هناك فقراء، ونجح هذا المبدأ في محاربة الفقر، وجعل النّاس في أرفه عيش وأتمّ نعمة، حتّى أنّ الرّجل في عهد عمر بن عبد العزيز كان يطوف بصدقة لا يجد مَن يأخذها منه! وذلك لشمول الزّكاة كلّ الفقراء والمحتاجين...ومن صور التّكافل الاجتماعي في الإسلام، ما شرعه الله من وجوب نفقة الأقارب الفقراء على القريب الغني، فنفقة الزّوجة على الزّوج، والأبناء على الأب، ونفقة الوالدين الفقيرين على الولد القادر، ونفقة الأخ الفقير أو المحتاج على أخيه الّذي يرثه، وقد وسّع بعض علماء المسلمين في شأن نفقة الأقارب، حتّى تصل إلى ذوي الأرحام. وقد أعطى الإسلام ذوي القربي حقوقًا “وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ”، مع ضرورة إيجاد تعاون اجتماعي عام لإيجاد روح اجتماعية تُنكِر المُنكَر، وتُشيع المعروف “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ”.وإنّ ممّا يدلّ على حبّ الله ورسوله والإيمان الصّادق الإيثار، وهو تقديم الغير على شهوة وملذّة النّفس الدنيوية رغبة في الأجر، وهو من أرفع خصال درجات الإيمان، لأنّ المحقّقين له قلّة قليلة، ولهذا امتدح الله الصّحابة الكرام بهذا الشّرف العظيم: “وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَت بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”، وعلى مثل هذه المكارم من التّضحية والإيثار ونكران الذّات، قام التّكافل الاجتماعي في دولة الإسلام، وقامَت معه الضمانات المعيشية على أساس من البرّ والخير والتّعاطف والرّحمة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات