في وقت دعا فيه أبرز الوجوه السياسية الإيرانية، بداية بالمرشد علي خامنئي، الناخبين في إيران إلى الإدلاء بأصواتهم، أمس، في صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء مجلسي الشورى وخبراء القيادة، تبرز العملية كأول رهان وتحد سياسي للرئيس الممثل للتيار المعتدل في إيران، بعد نجاح هذا الأخير في تسيير الملف النووي وافتكاك اعتراف دولي سمح بتجاوز أحرج مرحلة عرفتها طهران تحت حصار وحظر أضر بقدراتها الاقتصادية والعسكرية، على اعتبارها إحدى القوى الإقليمية الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط.وتركز أقطاب ورموز التيارين المعتدل والمحافظ، وفق تعريف غالبا ما يتحفظ عليه الإيرانيون، في تحديد رسم الخريطة السياسية على استقطاب أكبر قدر من الوعاء الانتخابي الذي يشمل حوالي 55 مليون ناخب، في اقتراع يرمي لاختيار 290 عضو في مجلس الشورى، و88 عضواً في مجلس الخبراء.وتكمن أهمية الانتخابات في عاملين أساسيين، الأول رمزي، ويهدف من خلاله كل طرف من الأطراف السياسية إلى الاستفادة من مكسب سياسي معنوي، والثاني سياسي، بضمان أغلبية في هيئة تشريعية تساهم في دعم الرئيس الإيراني المنتخب، وتضمن نوعا من التجانس السياسي، حيث غالبا ما كان الرؤساء في إيران يراعون منطق التوازنات بين أهم الأقطاب التي تساهم في صناعة واتخاذ القرار، بداية بالمرشد ومصلحة تشخيص النظام الممثلة بعلي أكبر هاشمي رفسنجاني، والهيئات الأمنية والعسكرية بما فيها قيادات الحرس الثوري والباسيج فالهيئات التشريعية، فكلما مالت الأغلبية لطرف كلما توسع هامش حركة الرئيس، وكلما انقلبت للطرف الآخر كلما ضاقت هوامش الحركة، وقد حدث ذلك في عهدي الرئيس محمد خاتمي وأحمدي نجاد كممثلين، الأول للتيار المعتدل والثاني للتيار المحافظ.وتبقى الانتخابات الإيرانية محط أنظار الدوائر الغربية، التي تعتبرها مفصلية مستقبلا، كما أنها عبارة عن بارومتر سياسي مثلما أبان عنه تقرير معهد واشنطن، الذي يرصد أهميتها في دورها اللاحق في تحديد خليفة المرشد الأعلى علي خامنئي، فضلا عن تحديد التوازنات المستقبلية على مستوى بنية النظام السياسي، إذ أن فوز الرئيس الإيراني حسن روحاني بها، سيدعم موقعه لاستثمار المكاسب السياسية الناتجة عن الاتفاق النووي ويمنح شرعية لهيئة طالما كانت محل انتقادات، لاسميا وأن لروحاني فرصة الحصول على أغلبية في المجلسين في أول انتخابات يتم الجمع بينهما، حيث يُنتخب أعضاء “مجلس الشورى” لمدة أربع سنوات، بينما يُنتخب أعضاء “مجلس الخبراء” لمدة سبع سنوات. وتجري هذه الانتخابات تحت إشراف المرشد الأعلى و”الحرس الثوري الإسلامي” وغيرهما من دوائر السلطة المؤثرة. ورغم فقدان التيار المعتدل لعدة مترشحين، قامت لجنة الانتخابات التي يترأسها محمد حسين مقيمي بإبعادهم، إلا أن هذا التيار يتوفر مع ذلك على فرص افتكاك الأغلبية، بالنظر إلى توجهات الناخب الإيراني والشعبية التي اكتسبها روحاني، والذي حصد نقاطا جراء الاتفاق مع البلدان الغربية على الملف النووي، فيما تأمل هذه الأخيرة في دعم التيار الذي يضمن لها انفتاحا تدريجيا، وتفادي الانتكاسة، حسبها، التي حصلت بين عهدي خاتمي وأحمدي نجاد، فقد اعتمد التيار المحافظ على استراتيجية استخدام السلطة التشريعية كأداة لتقييد سلطة الرئيس، لاسيما قدرته على تعيين أعضاء مجلس الوزراء والتأثير على تخطيط الميزانية العامة. بل حاول مجلس الشورى الحالي أن يلعب دوراً مؤثرا في السياسة الخارجية وفي الملف النووي، وهو ما يكسب الاقتراع الجديد بعدا استراتيجيا للفاعلين السياسيين في إيران.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات