38serv

+ -

عندما يتصدّع بناء قائم فإنّ إعادته إلى قوّته وتماسكه يحتاج إلى مهندس خبير يعرف الدعائم والشّرفات في أصل البناء، ويعرف ما عراها من عطب.. ويعرف كيف يعود بالبناء إلى حالته الأولى.. ليس كلّ امرئ يقدر على بناء الأمم إذا اهتزّ كيانها وتداعت أركانها وأحاط بها أعداؤها..وقد كان المسلمون أواخر عهد الخلافة العثمانية يشعرون بالأسى لما أصاب الدولة من إعياء، ولما بلغه أعداؤها من تمكن، فقد سقطت مصر وشعوب أخرى في أيدي الإنجليز، وسقطت الجزائر وشعوب أخرى في يد الفرنسيين، ولم ينقض قرن حتّى كانت محنة الإسلام الكبرى قد وقعت، وسقطت راية الخلافة، وعمّ الكونَ ظلامٌ..في هذه السّاعات الحرجة نهض في كلّ قطر جماعة من الرّجال الأحرار يعرفون الدّاء والدّواء، ويصفون لكلّ شعب أسباب الخلاص من المحنة العامة، ويقاومون بشجاعة عصابات الغزو، ويقودون طلائع المقاومة الموفّقة، ويستندون إلى ركن شديد من الإيمان بالله والثّقة في نصره، وقد كانت جماعة العلماء في الجزائر من أخلص الفئات الّتي قاومت الاستعمار الفرنسي، ولفَّت الجماهير حول دينها لا تفرّط فيه، وحول لغتها لا تتنازل عنها..وبعدها كان الهجوم الفرنسي شديدًا بقدر ما كان الدفاع باسلاً رائعًا، فبقي الإسلام، وبقيت العروبة، وبقي شعب الجزائر متمسّكًا بتراثه الخالد..والواقع أنّ عبد الحميد بن باديس ورفاقه الميامين كانوا رهبانًا باللّيل فرسانًا بالنّهار، كانوا دارسين لدينهم ودنياهم، كانوا ظاهرًا وباطنًا يرفعون راية الإسلام في أنفسهم وبيوتهم وبيئاتهم، وقد عرفوا طبيعة الشّعب الجزائري المؤمن وتجاوبوا معها، فكانت النتيجة الّتي أدهشت العالمين: استقلّت الجزائر، وعاد الفرنسيون من حيث أتوا بعد قرن من الكفاح المُرّ والصّبر الجميل!ونحن واثقون بأنّ الشّعب الجزائري لن يضلّ الطّريق، ولن يخطئ الهدف، سيبقى يقيم الصّلاة ويؤتي الزّكاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويتشبّث بلغته العربية وأدبه العريق، وسيتغلّب على العقبات الّتي اعترضته، ويجمع صفوفه لصنع مستقبل أفضل، وأخوة أوثق..والنّجاة من المحن تحتاج إلى أمرين: صدق الإيمان، وصلاح الرّأي، واعتقادي أنّ شعب الجزائر الّذي عرفناه يتوفّر لديه الأمران معًا، وسوف يخرج من الفتن الّتي تتنازعه ليستأنف مسيرته في خدمة الإسلام مع سائر الشّعوب الإسلامية الّتي ترفع راية التّوحيد.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات