قاعـات سينـما تتحـول إلى مزابل وأوكار للفساد

38serv

+ -

مارينيو، فارييتي، اللوكس، الروكسي، تامغوت، ريالتو، لوفرنسي، لانكس، مونديال، الريدس، الكاميرا، السيلكت، دنيا زاد، لوباري وغيرها أسماء لقاعات سينما لطالما صنعت فرجة وفرحة الجزائريين والعاصميين خاصة، بعرضها لأجمل ما جادت به استوديوهات السينما العالمية سنوات السبعينات والثمانينات من أفلام “حرب، بوليسية، حركة، هندية، عربية، جزائرية”، يبكي حالها اليوم من عاش مجدها حين كانت تزدحم بالجمهور فأصبحت جزءا من ذاكرة العاصمة وتراثها، بل من ذاكرة كل شبابها.. وقفت “الخبر” في جولة استطلاعية بمختلف شوارع وأزقة العاصمة “باب الوادي، بلكور، رويسو، الجزائر وسط، العربي بن مهيدي، الحامة وغيرها” على وضعية هذه القاعات اليوم، التي اندثر بعضها كليا وتحوّل البعض الآخر إلى أطلال، فيما أصبحت بعض القاعات ملجأ للمشردين ومدمني المخدرات وأخرى غيرت نشاطها، بينما القاعات التي لاتزال أبوابها مفتوحة تعد على أصابع اليد. من قاعة سينما إلى موقف.. “جنينة”.. محلات     غياب السينما له تأثير كبير على سلوكيات الأفراد    قاعات اختفت ولا أحد يعرف كيف ولماذا ورثت الجزائر من عهد الاستعمار الفرنسي حوالي 320 قاعة سينما على المستوى الوطني، ارتكز أغلبها في المدن الكبرى وكان للجزائر العاصمة حصة الأسد، كما شيدت عديد القاعات بعد الاستقلال وصل عددها لحوالي 400 قاعة وحظيت العاصمة بأكبر نصيب، لكن زائرها اليوم يتفاجأ بالحالة التي آلت إليها أغلبيتها، فلطالما كانت ملاذ المواطن الجزائري لسنوات، وعرفت انتعاشا كبيرا سنوات السبعينات والثمانينات، وارتبط بها جيل كامل من المثقفين والمفكرين والسينمائيين والكتاب والإعلاميين، ورغم أن جولتنا خصت العاصمة فقط، إلا أن حالة أغلبية القاعات على المستوى الوطني قد دخلت غرفة الإنعاش لسنوات.قاعات لم يبق منها سوى الأطلالقادتنا جولتنا الاستطلاعية إلى الوقوف على حالة عديد قاعات السينما في العاصمة، لاتزال هياكلها شاهدة على تاريخ السينما في الجزائر، حيث عايش أبناء الستينات والسبعينات أجمل ما كانت تجود به السينما العالمية. أمثلة عديدة لا تعد ولا تحصى لقاعات مهجورة ومهدمة، بقي منها سوى الأطلال، والسبب الإهمال أو فعل فاعل. جسدت سينما المغرب أو “مارينيو” كما يحلو للبعض تسميتها إحدى الصور للواقع المأساوي للفن في الجزائر، هذه القاعة التي تقع بقلب شارع باب الوادي الشعبي في العاصمة أغلقت أبوابها منذ أكثر من 15 سنة بعد أن تعرضت للحرق من قبل مجهولين أضرموا النار بداخلها، وتحولت خلال دقائق إلى رماد. قال لنا علي أحد سكان الحي إنه كان يدخلها للعب مع أصدقائه كون القاعة تحتوي إضافة إلى قاعة سينما مساحة ألعاب أطفال “البيار والبابيفوت والألعاب الإلكترونية”، وعند استفسارنا عن مالكها قال إنها ملك للبلدية واستأجرها أحد الخواص لمدة طويلة، ولكن تم إحراقها في إحدى الليالي، ومنذ ذلك اليوم لم تعد تزاول نشاطها. السيناريو نفسه يتكرر بقاعة “فارييتي” التي لم تستطع الصمود خلال العشرية السوداء وانطفأت أضواؤها سنة 1993، ولم يبق منها إلا ذلك الباب الحديدي الذي يغطي أطنانا من الركام والجدران المهدمة، ونبتت فيها مختلف الحشائش والأشجار وأصبحت ملجأ لأحد المشردين. وأعرب مصطفى أحد سكان العمارة المجاورة عن أسفه على حالة القاعة التي كانت تمثل “لمة لأصحاب الحي لسنوات، وتحولها اليوم إلى لمة للفئران والحشرات المختلفة التي تطارد السكان وتلاحقهم إلى أعالي العمارة”. وبنبرة تأثر وحنين لتلك الأيام، ذكر أنها تقدم أنواعا مختلفة من الأفلام المثيرة يوميا منها الأفلام الهندية وأفلام المفتش الطاهر، أفلام الويسترن، والتي كانت تستقطب الشباب العاصمي وحتى شباب المناطق المجاورة، وقال إن أول بث لفيلم الرسالة كان في قاعتي فارييتي والأطلس. وبابتسامة عريضة  تذكر محدثنا كيف تم كسر باب القاعة سنة 1986 عند عرض فيلم “الجانب الآخر من منتصف الليل” بسبب كثرة الجمهور وتأثره بالفيلم.من”اللوكس” إلى البؤسقاعة سينما أخرى تشكو الضياع يطلق عليها اسم “اللوكس”، تقع بأحد أزقة شارع الأمير عبد القادر في العاصمة، لكن حالتها اليوم لا تعكس الاسم أبدا،  فلا يمكن أن تجد البذخ “اللوكس” في مرأب فارغ طغى الغبار والأوساخ على ما تبقى من بابه الحديدي الكبير. لا تبدو على المكان معالم قاعة السينما ولم نتعرف عليها إلا بعد سؤالنا بعض الشباب كان متكأ على مدخل أحد المحلات، وقال أحدهم وبطريقة استهزائية “نتناوب على المكان نحن الشباب في النهار والسكارى والمدمنون في الليل”، وكان يقصد مدخل قاعة “اللوكس” المجاورة، قاعة استطاعت الصمود في سنوات الإرهاب إلى غاية سنة 1997، يضيف الشاب، عندما وضعت فيها قنبلة، وكانت نهاية نشاطها وبالتالي أغلقت منذ تلك الفترة وتم استرجاعها من قبل الوزارة.   لا يمكن أن تسأل أبناء شارع بلوزداد الشعبي ممن عايشوا الفن السابع في سنواته الذهبية ولا يحدثك عن قاعة “الروكسي” أكبر قاعة بالشارع، اشتغلت لسنوات طويلة في بث مختلف الأفلام الأجنبية منها الأمريكية والإيطالية والفرنسية وأفلام “الأكشن” المشاهدة الأولى، منها فيلم “سنوات دوبراز”، “أفلام بوليومان” وغيرها. القاعة ملك لأحد الخواص أخذتها منه الدولة وهي لاتزال محل نزاع قانوني إلى يومنا هذا، حسب رواية أحد السكان، حالتها شبيهة بقاعة  “اللوكس”، بقي منها بعض الأطلال والباب الحديدية الكبيرة المغلقة. قال لنا مصطفى، عامل بأحد المواقف المجاورة، إنها تحولت إلى ملجأ للشباب المنحرف الذين يتعاطون المخدرات وكل أشكال الرذيلة. صادفنا بقاعة السينما “السطيلة” بشارع الرويسو الموقف نفسه، حيث وجدنا منها بعض البقايا من الأتربة والجدران المكسرة، قال أحد المارة إنها أغلقت مع بداية العشرية السوداء وقرار حظر التجوال الذي فرض على  العاصمة في تلك السنوات.“تامغوت” ملجأ لعائلة بلا مسكنبخطى ثابتة اقتربنا من مدخل قاعة سينما “تامغوت” بشارع أعمر العسكري بباب الوادي، وقفنا على مشهد مثير للحسرة والتأسف، القاعة تحولت إلى ملجأ ومسكن لعائلات لم تجد مأوى لها، مدخلها مغلق بستائر. كنا نعتقد في البداية أن القاعة تخضع لعمليات الترميم، لكن خروج بعض الشباب والأطفال الصغار بثياب بالية، ووجود ملابس معلقة على جوانب الباب، فند اعتقادنا وأكد لنا تلك الحقيقة الصادمة والمؤثرة، عرفنا أنها تحولت إلى ملجأ لعائلات ليست لها مساكن، وهو ما أكده لنا فريد أحد أبناء الحي في الأربعينات من عمره، قائلا: “القاعة تسكنها عائلة وبعض المشردين الذين لا مأوى لهم”. عاد بنا فريد إلى سنوات الطفولة وروى لنا حكايته مع سينما “تامغوت” التي أغلقت منذ أكثر من 15 سنة، وأحسسنا من طريقة كلامه وملامحه البشوشة بنبرات حزن وحسرة وتأسف وهو بصدد استرجاع ذكريات من الزمن الجميل، قال إن السينما جزء لا يتجزأ من طفولته، مشيرا إلى الهدوء الذي خيم على الحي قائلا: “أترون حالة الحي؟ هو أيضا حزين على وضع تامغوت، كانت الحشود من الناس لا تفارق الحي ليل نهار، كنت أقصدها يوميا لبيع المشروبات الغازية الباردة والماء لقاصدي السينما وأنا في سن الثامنة”. تأسف فريد على توقف سينما “تامغوت”، وقال إنها “كانت ملجأ أبناء الحي وأبناء باب الوادي وحتى أغلبية العاصميين نظرا لبرامجها المتنوعة، حيث كانت تبث فيها أفلام “رويشد” و”حسان طيرو” وأفلام “الأكشن” ، كانت تمتلئ ولا يجد الإنسان أين يضع قدميه، جمهور غفير واكتظاظ كبير أمام المدخل”. حين كانت السينما متنفس الشبابقال فريد إن أبناء فترة السبعينات والثمانينات لا يعرفون الفراغ، فبعد العودة من العمل أو الدراسة يبحث الجميع عن برنامج “تامغوت” لذلك اليوم، فهي تمكن الإنسان من مشاهدة الفيلم والتثقف معا. واعتبر فريد غياب السينما عن حياة المواطن له تأثير كبير على سلوكات الأفراد، خاصة الشباب الذي أصبح يقضي أوقات الفراغ في تعاطي المخدرات وإثارة مختلف المشاكل في الشارع، قائلا: “ذهبت تلك الثقافة وذهب ناسها، الشعب اليوم فقد ذوق المتعة، وصعب عليه استرجاعها، الانقطاع الكبير عن السينما أحدث شرخا كبيرا في المجتمع، شباب اليوم لا يعرف السينما، وحتى لو عرفها تجده يقصدها ليخلو بنفسه لتعاطي المخدرات وشرب الكحول، ليس هناك شباب عاشق للسينما”. وأضاف  بحسرة “الآن لم نفقد تلك الثقافة فقط، بل تحولت هذه الأماكن إلى مصدر إزعاج للسكان بسبب رمي القاذورات، وشوهت الأحياء بعد تحولها إلى أطلال”.  وأشار فريد إلى أن التحول الذي طرأ على السينما من تغير في طابع تقديم الأفلام من أقراص إلى  فيديو وتدخل البرابول والقنوات الأجنبية وتوفر مختلف الأفلام سبب في تخلي الناس عن السينما، لأن الإنسان يمكنه مشاهدة الفيلم في منزله دون دفع قيمة التذكرة.“لوفرنسي” سينما العشاق مكبا للقمامةوقفنا على المشهد المريع عند سينما “الونشريس” أو”لوفرنسي سابقا” بشارع  الشهيد خليفة بوخالفة (كلوزال سابقا). وضعية تثير التقزز، روائح كريهة تنبعث على بعد أمتار من مدخلها، أكوام من النفايات وصلت إلى مدخل القاعة والأعظم ما يوجد بداخلها من نفايات وأفرشة وملابس قديمة، تتصور نفسك وكأنك أمام أكبر مزبلة في العاصمة. كان لنا حديث في الرصيف المقابل مع شيخ كان يراقب تحركاتنا أمام مدخل القاعة التي لاتزال تحتفظ بديكورها الخارجي المزين لمبنى العمارة، أحسسنا برغبته في الكلام فسألناه عن تاريخ هذا الصرح، فقال إن سينما “لوفرنسي” تم غلقها سنة 1988، وتعرضت للإهمال لسنوات، بعد أن كانت ملجأ الشباب المراهق والعشاق سنوات 1975 حتى 1980 “كان يبث فيها أفلام الحب والمغامرة الشبابية، وآخر فيلم رأيته فيها فيلم “الشباب الذئاب” فيه محطات للحب والحنان وأخرى للعنف. كنا نقصد السينما خصيصا لرؤية الموضة والملابس الراقية التي كانت في أوروبا والعالم، كان الشباب الجزائري في ذلك الوقت يحسن الذوق، كانت الشرطة تطارد الشباب العاشق لذلك كانوا يلتقون في هذه القاعة، فهي مكان التقاء العشاق”. يقول الشيخ علي إنه كان يشاهد الفيلم مباشرة بعد أن يصدر في أوروبا، أفلام لـ”روك ايدسون” وأخرى لـ”مارا تورنال” بالأبيض والأسود، كانت جدران القاعة مليئة بصور لأكبر ممثلي هوليوود، كانت السينما في عصرها الذهبي.فيلم رعب عنوانه “اختفاء القاعات”أسماء لقاعات لايزال يتداولها أبناء الجيل الذهبي، كما فضل عيسى أحد سكان حي باب الوادي  تسميتهم. قاعات اختفت عن الوجود شيدت مكانها هياكل أخرى ومنها ما بقي شاغرا، منها قاعة “ريالتو” بأعالي باب الوادي كانت قبل سنوات تجمع أبناء الحي خاصة في الفترة المسائية لإمضاء أوقات الفراغ في مشاهدة مختلف الأفلام الهندية وأفلام “أركول” و”زورو” و”أفلام الحرب” و”الويستيرن”، تحولت إلى مقر للحماية المدنية منذ 15 سنة، وقد وجدنا صعوبة في معرفة مكانها كون الجيل الحالي لم يلحق بها لأنها أغلقت منذ أكثر من عشرين سنة، حسب ما قاله لنا عيسى الذي لايزال يتذكر سنوات الزهو والحياة الجميلة قائلا: “السينما كانت متنفسا لنا ونحن نقضي على التعب النفسي بمشاهدة مختلف الأفلام، والآن كما ترون أبناءنا يملأون الشوارع ولا يجدون ملجأ لهم لتمضية الوقت، وعوض التنزه وقضاء أوقات الفراغ في السينما تجدهم في الشوارع يتعلمون كل أشكال الإجرام والانحراف”.حالة سينما “ريالتو” فتحت لنا الشهية لمواصلة اكتشاف بقية القاعات والتعرف على حالاتها، واصلنا عملية البحث  لنقف على وضعية سينما “لانكس” بشارع محمد بوغرار (مونتان سابقا) بشارع باب الوادي، والتي تم تحويلها من قبل مصالح بلدية باب الوادي إلى حديقة صغيرة للأطفال “جنينة”. التقينا بمحمد أحد السكان الأصليين في الحي، والذي كانت ردة فعله مؤثرة بمجرد سماعه كلمة سينما “لانكس”، قائلا: “قضيت طفولتي بين أحضانها، هي المدرسة الثانية في المجتمع، كنت أشاهد بشغف أفلام “أركول” و”جانيتو” الفيلم الذي تأثرت به كثيرا، شاهدته لأول مرة هنا وأتذكر كيف بكيت. السينما هدمت منذ 20 سنة وتم تحويلها إلى حديقة بعد فيضانات باب الوادي في 2003. ما كان يميز العاصمة هو مساحات الرياضة والجري، وقاعات السينما، وهي الآن غير موجودة، العشرية السوداء قضت على كل شيء”.وقفنا على الشيء نفسه عند سؤالنا عن موقع قاعة “مونديال” بمدخل شارع  بلوزداد “بلكور” الشعبي، فلم يعد لها أثر هي الأخرى، هدمت عن آخرها وتم تحويلها إلى قاعة حفلات وولائم إضافة إلى محلين صغيرين. قال أحمد أحد عمال المحلات المجاورة، “كان يبث فيها أفلام الأكشن والأفلام البوليسية وأفلام هوليوود، هي ملك لأحد الخواص قام بغلقها سنة 1989، وأعاد تحويلها لمجموعة محلات وكرائها للخواص”. حال سينما “الريدس” المشهورة بالأفلام الهندية بشارع “بلكور” لا يختلف بكثير، فقد أغلقت قبل 10 سنوات وتم تحويلها من قبل مصالح بلدية سيدي امحمد إلى موقف للسيارات.    مسلسل القاعات المختفية لايزال متواصلا، وبنفس الشارع دلنا أحد السكان على موقع قاعة “الكاميرا” المحاذية لفندق شيد حديثا. وجدناها عبارة عن مساحة فارغة محجوزة من قبل البلدية، مخصصة لإنجاز مشروع لم يتم الإفصاح عنه بعد. كانت القاعة قبل 20 سنة يبث فيها عديد الأفلام التي كانت تجمع سكان الحي الشعبي في سهرات هادئة مع أحدث ما كانت تجود به الشاشة الهندية في تلك السنوات، حسب شهادة العم أحمد الذي كان يظهر من طريقة كلامه أنه شغوف بالسينما، كونه عارفا بأغلب القاعات وحالتها في العاصمة، وقال إن شارع بلوزداد به خمس قاعات توقفت عن النشاط بداية التسعينات، منها “سينما شهرزاد” بحي العقيبة الشعبي التي أغلقت بداية التسعينات وهدمت عن آخرها وتم إلحاق المساحة التي شيدت عليها بالسوق الشعبي العقيبة. وإذا واصلت الطريق باتجاه الحامة تصادفك قاعة السينما “السيلكت” التي أغلقت سنة 1992 وتحولت إلى مقر لبلدية الحامة منذ 15 سنة.ملايير صرفت في هياكل شاغرة   رغم أن وضعيتها أحسن من بقية القاعات التي صادفناها قبلا، إلا أنها أصبحت تشوه المكان بالقارورات والزجاجات والأكياس التي ملأت مدخل القاعة المقابل لمحكمة عبان رمضان، إنها قاعة “سينما دنيا زاد”، اسم جميل لكن حالتها سيئة للغاية، خاصة أنها تتوسط ذلك الشارع المعروف بازدحامه المروري الكبير، تم غلقها قبل العشرية السوداء، حسب رواية أحد أبناء الحي المقابل أي سنوات 1988 - 1989، قال إنها ملك لزوجة الراحل هواري بومدين، اشتراها رجل الأعمال اسعد ربراب قصد إقامة مشروع، لكنه لم يحصل على تصريح وبقيت على تلك الحال، لم نلبث أن سمعنا رجلا في الستينات من عمره أنطقه اسم القاعة عندما سمعه قائلا: “أترون تلك المساحة الشاسعة، كانت سينما في يوم من الأيام، أنتم كنتم صغار، كانت أجمل الأفلام العربية تبث فيها، كانت أفلام الراحل عبد الحليم حافظ تملأ القاعة بالجمهور، كانت السنوات البيضاء للجزائر، هذا الشارع كان من أزهى شوارع العاصمة وأجملها، لقد تم اغتيال السينما والثقافة في بلادنا؟”.أغرب نموذج لضياع الإرث السينمائي ببلادنا تجسده سينما “لوباري” بنهج الإخوة لعمارة لعلاهم بشارع الأمير عبد القادر، التي صدت أبوابها قبل ستة أشهر فقط. وقفنا أمام هيكل معماري كبير، بعد أن شهد عملية ترميم كبيرة من قبل مالكه الحالي، حسب رواية أحد عمال الورشة المقابلة لهذه القاعة التي وجدناها مغلقة، رغم أن المبنى يوحي بأنه لايزال في الخدمة. سألنا عن سبب غلق القاعة، فكان جوابه أنها محل نزاع قضائي بين بلدية الجزائر الوسطى وأحد الخواص الذي استأجرها منذ سنة 1986. هذه القاعة كانت تحتضن أبناء الجزائر البيضاء لسنوات، يستمتع روادها بمختلف الأفلام الحربية و”الويسترن” و”الأكشن” وكل ما هو جديد في السينما العالمية، تحولت اليوم إلى هيكل لا فائدة منه مثله مثل بقية القاعات المختفية والمهدمة.نائب رئيس بلدية الجزائر الوسطى بن غالية مهدية لـ”الخبر”“تعليمة وزارة الثقافة لم تطبق بعد” قالت السيدة بن غالية مهدية، نائب رئيس بلدية الجزائر الوسطى مكلفة بالثقافة والتربية والسياحة والصناعات التقليدية، إن قاعات السينما التابعة لبلدية الجزائر الوسطى يبلغ عددها 11 قاعة منها خمس قاعات في حالة نشاط، وهي “ديبوسي”، “عمر الخيام”، “الجزائرية”، “الكازينو” و”سيبيسي”، باستثناء سينما “لوباري” التي كانت محل نزاع قانوني بين البلدية ومالكها وتم استرجاعها حديثا من قبل البلدية، وهي حاليا في حالة ترميم. أما القاعات الأخرى، فهي لاتزال محل نزاع وهناك أخرى تابعة للخواص ولا دخل للبلدية في تسييرها. وقالت بن غالية إن تعليمة استرجاع الوزارة لقاعات السينما من البلدية كانت منذ فترة الوزيرة خليدة  تومي، والوزير ميهوبي قام بإحياء التعليمة لكنها لم تطبق بعد “كل واحد يأتي يقوم بنفس الأمر لكن لا شيء يتغير”.مدير التعمير لبلدية الجزائر الوسطى رشيد أغبريون“عقود الكراء قديمة ومدة صلاحياتها 99 سنة” كشف مدير التعمير لبلدية الجزائر الوسطى، رشيد أغبريون، أن البلدية قد تخلت عن المتابعات القضائية بعد إشعارها برغبة الوزارة في استرجاعها، مشيرا إلى وجود قاعات مغلقة لاتزال محل نزاع قانوني بين البلدية ومالكيها منها قاعة “الشهاب”، أما قاعة “جرجرة” فقد كان هناك مشروع لوزارة الثقافة بغرض استرجاعها من البلدية، لكن لم يدخل حيز التنفيذ بعد.وأكد مدير التعمير أن هناك 6 قاعات مغلقة حاليا على مستوى الجزائر الوسطى يسيرها الخواص بعقد كراء من البلدية، هناك 5 فقط تابعة مباشرة للبلدية وهي في حالة نشاط بعد إخضاعها لعمليات ترميم، أما البقية فهي تابعة للخواص، منها قاعة “دنيا زاد” التي كانت ملكا لزوجة الراحل هواري بومدين.  وأوضح السيد أغبريون أن القاعات التي تم كراؤها من قبل الخواص يصعب استعادتها، ذلك أن عقود الكراء قديمة ومدة صلاحيتها 99 سنة، وقرار استرجاعها يعود هنا للرئاسة، أي قرار رئاسي.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات