+ -

كشف مجلس الوزراء المصغر الذي ترأسه الرئيس بوتفليقة، عن قلق كبير يسكن أعلى المسؤولين في الدولة بسبب تراجع حصص الجزائر التصديرية من مادة الغاز. يأتي ذلك في وقت تهاوت فيه أسعار البترول الذي على أساسه يسعّر الغاز أيضا في العقود طويلة الأجل، ما يعني أن الضغط على مداخيل البلاد سيكون مزدوجا بفعل تراجع الكمية المصدرة وسعر البيع معا.يمثل الغاز بأنواعه المختلفة، بين 30 و40 بالمائة من مداخيل الجزائر من العملة الصعبة المتولدة أساسا عن صادرات المحروقات، كما أنه يستعمل بكثافة في إنتاج الكهرباء بالداخل، لأن معظم محطات توليد الكهرباء تشتغل به. وبذلك يعتبر الغاز أهم مادة حيوية في الجزائر يرتبط بها الأمن القومي للبلاد داخليا وخارجيا. هذا ما يجعل الجزائر تنظر باهتمام شديد إلى كل ما يرتبط بتقلبات أسعار الغاز دوليا وترصد باستمرار تغير خريطة المنتجين والمستهلكين في العالم كونها تنعكس على إيراداتها بشكل مباشر.وينصب قلق الجزائر الأول في هذه الفترة على معضلة تجديد عقود الغاز التي تربطها بأهم زبائنها على الإطلاق في القارة الأوروبية، إذ يقترب هذا الحدث المصيري سنة 2019، في وقت تعرف فيه أسعار البترول انهيارا كبيرا في الأسواق الدولية يتوقع له أن يمتد طويلا. وبما أن أسعار الغاز في هذه العقود يتم تسعيرها على أساس أسعار البترول، ستكون معركة الجزائر لافتكاك أسعار مقبولة لغازها المصدّر صعبة للغاية. ويقدّر خبراء حاليا سعر الغاز الطبيعي بـ5 دولارات لمليون وحدة حرارية (وحدة قياس)، بينما كانت في سنة 2013 وفق تقرير بنك الجزائر 10.5 دولارات. ولسوء حظ الجزائر، ليس هذا العامل الوحيد الذي يصب في غير صالحها، فالطاقات البديلة في أوروبا وخارجها أصبحت صناعة قائمة بذاتها، ولاعبا أساسيا في السوق يزاحم الطاقات التقليدية كالغاز. ويمكن النظر في هذا الصدد إلى التفاعل الدولي الكبير مع الإنجاز الذي حققه الجار المغربي بعد تدشينه محطة “نور1” للطاقة الشمسية. إلى جانب ذلك، ظهرت اكتشافات عديدة للغاز الطبيعي في المنطقة خاصة في الحوض الموجود بين فلسطين المحتلة ولبنان، يمكن أن تزاحم الجزائر في الأسواق الأوروبية. يضاف إلى كل ذلك، دخول الغاز الصخري كلاعب هام في السوق.ولم تأت مخاوف الجزائر من فراغ، إذ تعطي نظرة سريعة على واقع السوق العالمي هذا الانطباع فعلا. فقطر مثلا صارت تتسيّد السوق الأوروبية، في مجال الغاز الطبيعي المميع الذي يتم تصديره بالناقلات. وتظهر الأرقام أن صادراتها من هذه المادة تعادل 17.61 مليون طن (وحدة قياس) في حين تأتي الجزائر في المرتبة الثانية بفارق بعيد 10.74 مليون طن. وبالنسبة لدولة مثل قطر، لا تعاني أي ضغوط في موازنتها العامة، يكون هامش المناورة كبيرا في سحق منافسيها بالاعتماد على أسعار جد منخفضة. في خضم ذلك، لازالت بحوزة الجزائر نقطة قوة هامة تستطيع توظيفها كورقة تفاوض، هي امتلاكها لـ3 أنابيب تصدير تربطها مباشرة بدولتين أوروبيتين هما إسبانيا وإيطاليا، وهذا ما لا تمتلكه باقي الدول المصدرة. وتعترف الدول الأوروبية المستهلكة للجزائر أنها من البلدان الموثوق بها في مجال الإمدادات، إذ لم يسبق لها أن خيبت زبائنها حتى في عز الأزمة التي شهدتها سنوات التسعينات. وعلى هذا الأساس لا يمكن المغامرة بتعويضها بدول أخرى يقع معظمها في مناطق مضطربة سياسيا وأمنيا.وتخشى الجزائر أن يؤدي هذا الحراك في السوق إلى تحرر أسعار الغاز من الارتباط بأسعار البترول، وقد رفضت مرارا هي وروسيا محاولة ربط أسعار الغاز بالعرض والطلب، حتى تتغير أسعاره يوميا مثل البترول، ويباع فيما يعرف بـ”أسواق السبوت”، أي بعقود قصيرة الأجل. وتصر الجزائر على العقود طويلة الأجل، حتى تحتفظ الأسعار بالثبات في الكميات المصدرة، لأن هذه العقود تتضمن شرطا “خذ أو ادفع”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات