38serv

+ -

 قرر الشقيقان عبد القادر وحسين محمد، وهما من أفراد الدفاع الذاتي في جديوية بغليزان، اللذان برأتهما العدالة الفرنسية، أواخر شهر جانفي الماضي، بعد 12 عاما من المعاناة في أروقة المحاكم، اللجوء إلى القضاء الجزائري من أجل رد الاعتبار لشخصيهما وتصحيح وضعية قانونية تولدت جراء اتهامهما بجناية القتل والإبادة الجماعية إبان سنوات التسعينات، بناء على دعوى رفعتها الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان بقيادة المحامي الفرنسي، باتريك بودوان، إلى جانب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ومسؤول مكتبها بولاية غليزان. خلال زيارة مجاملة لـ«الخبر”، أول أمس، عبر عبد القادر وحسين، اللذان كان مصحوبين بالأستاذة خديجة عودية ورئيس مجلس المهاجرين الجزائريين بفرنسا، عبد الله زكري، ووزير الداخلية الأسبق عبد الرحمن مزيان الشريف، بالإضافة إلى المجاهد الحاج فرڤان، قائد فرقة الباتريوت في غليزان، عن ارتياحهما لطي صفحات معاناة دامت 12 سنة، موضحين أن العدالة تحققت اليوم في فرنسا بصدور حكم البراءة لكن “القضية لم تنته بعد وقررنا خوض رحلة جديدة لرد الاعتبار هنا بالجزائر”.«ليس من السهل علينا، قال عبد القادر، كمواطنين جزائريين خدمنا بلدنا عندما كان الناس يهربون منها، تقبل ما نسب إلينا من تهم غير مؤسسة، إنها الحڤرة بعينها، لا تستطيعون تصديق ما عانيناه، لقد كنا أمواتا لا نشعر بطعم الحياة، إلى أن لاح بصيص الأمل باستلام المحامية الفرانكو جزائرية، الأستاذة خديجة عودية، القضية لتبدأ جولة أخرى للبحث عن الحقيقة والحرية”.كانت جميع المؤشرات، تقول خديجة عودية، تشير إلى أن القضية المدبر لها من طرف المحامي الفرنسي باتريك بودوان، الذي كان يعترف خلال مرافعاته بحقده على الجزائر والجيش الوطني الشعبي، مكتشفة خيوط المؤامرة التي حيكت هنا بمدينة غليزان، من خلال تلفيق تهمة القتل الجماعي ضد مواطنين جزائريين في قرى غليزان انتقاما من جرائم الإرهابيين ضد أقارب المتهمين.بالنسبة إلى المحامية عودية “هناك تسييس للقضية وهو ما سعيت طيلة عامين من المعارك القانونية التي خضناها في فرنسا وهنا في الجزائر، لا أدري لماذا؟ ولا أفهم لماذا حدث ذلك في ظل صمت الجهات المختصة”، إلى أن تم رفعه. الأستاذة عودية تؤكد أن تواجدها بالجزائر يهدف لمعرفة الحقيقة ورد اعتبار سنوات من الاتهامات الملفقة.وهنا يتدخل وزير الداخلية السابق عبد الرحمن مزيان الشريف، الذي شغل منصب قنصل في فرنسا لعدة سنوات، لتوضيح الهدف من المؤامرة: “بالإصرار على سجن الشقيقين محمد، أرادوا معاقبة كل المسؤولين الجزائريين في تلك الحقبة (سنوات التسعينات) أو على الأقل منعهم من مغادرة التراب الجزائري باتجاه فرنسا والدول الأوروبية الأخرى، باسم السابقة القضائية”. وأردف مزيان الشريف متأسفا: “أنا متأكد من أن الحقد الدفين على الجزائر هو الذي حرك القضية، وللأسف يوجد من دعم ذلك من داخل الجزائر للإساءة إلى الجيش الوطني الشعبي”.بالإضافة إلى جهود المحامية خديجة عودية واستماتتها في تعرية المؤامرة والواقفين وراءها في فرنسا والجزائر، نوه عبد القادر “بالدعم الذي وجده وشقيقه حسين طيلة سنوات المحنة، بفضل وقوف السيد عبد الله زكري، رئيس مجلس المهاجرين الجزائريين بفرنسا، معنويا وماديا، إلى أن أعلنت براءة الشقيقين التي لا غبار عليها”. بداية معركة جديدةوبالرغم من طي صفحة المعاناة، إلا أن عبد القادر وحسين لا يبدو أنهما مستعدان للنسيان. فمجرد تذكر المرارة التي تجرعاها في المحاكم ومكاتب العديد من قضاة التحقيق، يغرقان في بحر من الأحزان. قال أحدهما: “إن كانت العدالة الفرنسية أنصفتنا، فإن نسيان الحڤرة ليس بالسهل علينا.. لقد عانى أبناؤنا الأمرين، وزوجاتنا، وأقاربنا.. تجرعوا معنا المر بسبب تهمة باطلة، نسجت ظلما وبهتانا من طرف أشخاص لا يخافون الله.. بالنسبة إلينا براءة العدالة الفرنسية غير كافية”.وأوضح محدثنا أن الملف كان جامدا ولم يعرف أي تطورات، بدليل تداول ستة محامي دفاع عليه، على رأسهم جاك فرجيس وكايتا الموجود حاليا بالمحكمة الدولية، وغيرهما من الأسماء اللامعة بالساحة الفرنسية، إلى أن جاءت المحامية خديجة عودية التي أخرجت القضية من الظلمة إلى النور، ونجحت في رفع نظام الرقابة القضائية علينا بعد شهرين من تأسسها. رائحة السياسة تفوح من القضيةبدورها، حرصت محامية المتهمين، خديجة عودية، على التأكيد بأن قبولها الدفاع عن عبد القادر وحسين، هو في نفس الوقت دفاع عن الجزائر، القضية من بدايتها إلى نهايتها تستهدف الدولة الجزائرية والجيش الوطني الشعبي، وفقا لمنطق “من يقتل من؟” الذي يعلم الجميع من كان يقف وراءه، لكن بعد 2005 وبعد صدور قانون المصالحة الوطنية، كان يجب على الجميع الاحتكام إلى ما فيه من تدابير للعفو، لكن هناك من سكت عن المؤامرة التي جعلت اسم الدولة الجزائرية ومؤسساتها تتداول داخل المحاكم الفرنسية لسنوات.تفاصيل القضية التي بدأت حيثياتها في 2004 بناء على شكوى تقدم بها مسؤول رابطة حقوق الإنسان بغليزان، ورئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، باتريك بودوان، ليلتمس وكيل الجمهورية لدى محكمة نيم، في جويلية، تحويل القضية إلى محكمة الجنايات بمجلس قضاء “لوغار”، وهي الالتماسات التي اتبعها قاضي تحقيق المجلس، آمرا بإدانة الأخوين محمد وإحالتهما على محكمة الجنايات بالتهم المذكورة سابقا. وفي الأول من أكتوبر الماضي، أحيل الملف على غرفة الاتهام، وبعد المرافعات، اقتنعت هيئة المحكمة ببطلان روايات أصحاب الشكوى (دفاع الطرف المدني)، وبعد تعرية استراتيجيته الرامية لتسييس الملف، في حين سلطت الأستاذة عودية الضوء على نقاط الظل والثغرات التي تضمنها ملف دفاع الطرف المدني، لتنتهي المعاناة بصدور قرار بانتفاء وجه الدعوى لغياب الأدلة والقرائن التي تدين الأخوين محمد. حتى يظهر الحقمن جانبه، شدد عبد الله زكري أنه كان من واجبه الوقوف إلى جانب الأخوين ومساندتهما لأنهما جزائريان، معبرا عن ارتياحه لانتهاء المعاناة، لكن متأسفا لسقوط القضية في فخ التسييس المقصود للإساءة إلى كل ما يرمز للجزائر. وأضاف زكري أنه كان يخاطب الرأي العام الفرنسي: “إن فرنسا أعلنت الحرب على الإرهاب، فهل ستقومون بمقاضاة الجنود وأعوان الشرطة الذين يحاربون إرهابيي تنظيمي داعش والقاعدة في القضاء الفرنسي فيما بعد؟”.بالنسبة إلى زكري، مؤامرة ضرب الجزائر من خلال هذه القضية المفبركة بتواطؤ مع جزائريين، ستبقى وصمة عار في جبين المتسببين في معاناة مواطنين بريئين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات