"دعوة القوى العظمى للحل السياسي في ليبيا تضليل دبلوماسي"

38serv

+ -

يرى الدبلوماسي حليم بن عطاء الله أن الحل السياسي الذي تتمسك به الجزائر في ليبيا أثبت محدوديته، بالنظر إلى إصرار القوى العظمى على التدخل عسكريا. ويوضح بن عطاء الله في هذا الحوار مع “الخبر” أن تطبيق السيناريو السوري في ليبيا سيقود المنطقة كلها للاشتعال.هل العملية العسكرية الأمريكية ضد تنظيم داعش في ليبيا كانت متوقعة في اعتقادك وكيف ستتطور؟ العملية العسكرية الأمريكية في ليبيا ليست مفاجئة. المفاجئ هو في كون الولايات المتحدة سبقت الأوروبيين الذين كانوا يحضرون لها، وكانوا ينتظرون ما يفترض أنه حكومة موحدة في ليبيا توجه إليهم الطلب. ليس جديدا أن الأمريكان لا يقيمون وزنا لحسابات الشرعية الدولية. وبعد أيام، أعتقد أن الأوربيين سيسيرون على خطاهم، فالاعتبارات المتعلقة بالشرعية الدولية أصبحت من “الكماليات” أمام الأمر الواقع.لكن ألم يكن مقررا ألا يتم أي تدخل أجنبي في ليبيا دون طلب رسمي من حكومة ليبية معترف بها؟ المخطط “ب” (التدخل العسكري) كان يحضر له منذ سنة على الأقل، وقد تطرقت لهذا الموضوع العام الماضي في شهر مارس، في مساهمة منشورة. لم يكن معقولا أن نحجب الدعم عن حكومة شرعية (حكومة طبرق) كان هدفها في المقام الأول التصدي لاختراق داعش الأراضي الليبية، والدعوة مقابل ذلك لتشكيل حكومة وحدة وطنية ما وراء البحار، دون عنوان ولا أرض ولا سلطة، وبتمويل من القوى الدولية. اعتراف الجزائر الفعلي بهذه الحكومة الوهمية الليبية لم يترتب عنه شيء، فالولايات المتحدة لم يمنعها ذلك من أن تفعل ما تشاء ووقت ما تشاء، حتى وإن كانت التصريحات تظهر شيئا من توافق الرؤى. يجب أن نتذكر أن الحكومة الشرعية كانت قد طلبت من مجلس الأمن رفع الحصار عن الأسلحة حتى تتمكن من محاربة الإرهاب. مصر كانت من بين الدول القلائل التي ساندت هذا الطلب الذي لو كتب له القبول لغير المعادلة اليوم.الجزائر صمتت طويلا عن إبداء موقف إزاء الضربة الأمريكية ثم أبدت تحفظا فقط. ما رأيك في ذلك؟ الضربة العسكرية الأمريكية الأخيرة تبين أن محاربة داعش لن تكون شأنا ليبيا خالصا. وما نسجله أن الجزائر لم تعارض هذه العملية. عبرت فقط عن رغبتها في أن تتم في إطار الشرعية الدولية، وهو ما تجاوزه الزمن الآن. الجزائر لم تدن العملية ولم تطلب أن لا تتكرر في المستقبل.. صحيح أن الجزائر تبدي معارضتها للتدخل الأجنبي وتطالب باحترام الشرعية الدولية، ولكن تناقضات موقفها في الفترة الأخيرة، جعلها تقبل مثلا بتقديم الدعم الدبلوماسي للتحالف الدولي في سوريا والعراق، دون أن يكون لهذا التحالف الغطاء الدولي الشرعي.. على كل حال، لا شك في أن المخططات الجيوسياسية للقوى الكبرى تتجاوز الجزائر، ولا أرى حاليا في مواجهة ما يجري سوى إبداء رد فعل مغاربي عاجل يتسم بالتنسيق.هل بقي مجال بعد كل ما يجري حاليا لما تطرحه الجزائر من حل سياسي للأزمة في ليبيا؟ الولايات المتحدة ستشعل المغرب العربي والساحل بعد أن أحرقت الشرق الأوسط بمساعدة حلفائها من الأوروبيين وبعض العرب. الجزائر حاليا توجد أمام الأمر الواقع، فتحذيراتها بخصوص التدخل العسكري لن يستمع إليها، تماما مثلما لم يؤخذ رأيها بعين الاعتبار في تدخل حلف الأطلسي للإطاحة بنظام القذافي. يجب الاعتراف بأن الاستراتيجية التي تتحدث عن حل للأزمة باعتماد الحوار أثبتت محدوديتها، لسبب بسيط هو أن القوى العظمى تملك أجنداتها الخاصة في إطار لعبة التأثير التقليدية بينها، أما تظاهرها بتفضيل الحل السياسي فما هو إلا تضليل دبلوماسي.الأوروبيون يبدون بدورهم مترددين ولم يحسموا خيارهم.. لماذا باعتقادك؟ الأوروبيون “تماطلوا” فقط في عمليتهم العسكرية، حيث كان مقررا منذ مدة أن تتحول العملية الإنسانية في المتوسط إلى عملية عسكرية حتى تواجه تدفق اللاجئين من جهة، وتوجه ضربات لتنظيم داعش. لكن تأخر ظهور الحكومة الموحدة في ليبيا وعدم تلقيهم أي إشارة سياسية من الجزائر، جعل الأوروبيين يفقدون المبادرة ويستلمها بدلا عنهم الأمريكان. أعلم أننا في الجزائر لا نحبذ التدخل الأجنبي، لكن إذا خيرنا بين الأمريكان والأوروبيين فيما هو واقع لا محالة ولا نملك وقفه، فأحسن السيئين بالنسبة لنا هم الأوروبيون، فمعهم الحوار متاح كما حدث عقب العملية العسكرية في مالي مثلا، أما الأمريكان فالواقع يثبت أنهم كلما تدخلوا تسببوا في مآس لا يمكن علاجها.في كل الحالات، لا يبدو أن ليبيا ستنجو من عملية عسكرية واسعة ما دامت داعش موجودة على الأرض؟ أنا من أنصار الرأي القائل، والتجربة الجزائرية أثبتت ذلك، أن الإرهاب يتم محاربته أيضا في الميدان عسكريا. لكن ذلك يتم بسواعد أبناء البلد وليس من الأجانب. لذلك المسؤولية الأولى في رأيي تقع على الليبيين الذين عليهم أن يستيقظوا اليوم قبل غد لتجنيب بلادهم الكارثة.في ظل الوضع الكارثي في ليبيا، هل لا تزال العقيدة العسكرية الجزائرية التي ترفض قيام جيشها بعمل خارج الحدود صالحة في اعتقادك؟ هذه مسألة في غاية الأهمية لا يمكن أن يفصل فيها رأي مهما كان صاحبه. أعتقد أن مشروع تعديل الدستور كان يمكن أن يكون مناسبة لفتح النقاش على مستوى واسع لتبين حقيقة نظرة الجزائريين للمهام التي يجب أن يؤديها جيشهم. لم يحصل ذلك للأسف، وعلينا أن نتكيف مع الظروف التي تفرض على جيشنا عدم التدخل. وكتعويض عن ذلك، يمكن المبادرة بإيجاد صيغة مع الدول الفاعلة للتنسيق العسكري المخابراتي في إطار احترام الدستور، حتى لا نكون متفرجين على النار وهي تداهم جدراننا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات