كانت المرأة الجزائرية، في وقت سابق، لا تلجأ لطلب التطليق إلا إذا بلغت أقسى مراحل المعاناة، وكانت تصبر في أحلك الفترات خوفا من الوقوع في أبغض الحلال. أما اليوم ومع التعديلات التي مست قانون الأسرة لسنة 2005 تفاقمت حالات الطلاق بشتى أنواعه وبالخصوص الخلع، وأصبحت المرأة الجزائرية تخلع نفسها على أبسط الأمور وأتفهها. فعجوز في عقدها السابع استجمعت قواها وقررت تطليق زوجها بحجة أنه خانها عندما كانت شابة صغيرة، وأخرى خلعت نفسها بعد 3 أشهر فقط من الزواج والسبب رفض الزوج خروجها للعمل، وأخرى لأن زوجها فقد منصب عمله المحترم. عجوز خلعت زوجها بحجة أنه خانها عندما كانت شابة تعالج أروقة المحاكم يوميا المئات من قضايا الطلاق بشتى أنواعه، سواء المتعلق بالطلاق أو التطليق أو الخلع. وما زاد الطينة بلة، حسب رأي حقوقيين، هو الفراغ القانوني الذي تركه المشرّع الجزائري في قانون الأسرة الجزائري، قبل وبعد تعديلات 2005، بيد أنه لم يحدد أسباب الخلع الحقيقية مثلما حدده بالنسبة للتطليق، كما أنه أهمل رضا الزوج في الخلع، مما أدى إلى اختيار بعض النساء الخلع كأول حل لأول مشكل قد يدخلن فيه مع أزواجهن. انتقمت بعد 40 سنةففي ولاية ڤالمة، عالجت المحكمة مؤخرا، قضية أثارت استغراب الحضور وطرحت عدة تساؤلات حول المبررات التي دفعت بعجوز طاعنة في السن إلى المطالبة بخلع من شاركها حياتها وعاشت رفقته تحت سقف واحد لمدة فاقت 40 سنة، وتفاجأ القاضي بعد سماعه السيدة التي أكل الشيب رأسها، تقول “زوجي سبق له وخانني مع موظفة خلال السنوات الأولى من اقتراني معه”، وبأنها تريد اليوم الانتقام من التعاسة التي سبّبها لها طيلة تلك الأيام التي كانت تدسّ فيها ضغينة داخل قلبها لعشرات السنين، حفاظا على تربية أبنائها وخوفا من تفكّكهم. ورغم أن القاضي حاول إجراء صلح بينهما، إلا أن السيدة العجوز صاحبة العقد السابع رفضت العودة إلى حضن زوجها، ظنا أنها بهذه الخطوة ستنتقم منه، علما أن عدد قضايا الخلع التي عالجها مجلس قضاء ڤالمة بمحاكمه الثلاث، بلغ 65 قضية خلال السنة الماضية.المستوى العلمي وخروج المرأة للعمل من الأسبابوفي قضية مماثلة عالجتها محكمة بولاية وهران، خلال السنة الماضية، بطلتها شابة في عمر الزهور تقدمت بطلب خلع زوجها بعد 3 أشهر، فقط، من اقترانها به. وحسب مصادر “الخبر” كانت الشابة تعيش ظروف مالية صعبة مع شريك حياتها الموظف البسيط، مثلما هو الحال بالنسبة لأغلب العائلات الجزائرية المنتمية إلى الطبقة الشعبية البسيطة، لكن فجأة وجدت نفسها أمام ثروة مالية معتبرة ورثتها عن جدها، وفي الوقت الذي كان عليها الاهتمام بعائلتها الجديدة وتوطيد علاقتها مع شريك حياتها أكثر، بدأت الأنانية وارتسم لها مستقبل حياة جديد، لتقرر في الأخير تغيير مجرى حياتها بين ليلة وضحاها، ونجحت في تطليق زوجها البسيط من دون أي مبرر حقيقي.طلّقته بعد أن فقد منصب عملهوفي الجزائر العاصمة، وافق قاضي محكمة بئر مراد رايس، على طلب امرأة خلع نفسها، بعد 6 أشهر من الارتباط، بحجة أن الزوج فقد راتبه المغري الذي كان يتقاضاه بالعملة الصعبة في شركة أجنبية، بسبب إلغاء هذه الأخيرة المشروع.وبما أن الزوجة سبق لها وأن وافقت على الارتباط به بناء على الراتب الشهري المغري الذي كان يتقاضاه بالعملة الصعبة وليس من أجل شيء آخر، قررت الانفصال عنه، خاصة وأنها لا تزال شابة ومتحصلة على شهادة جامعية تمكنها من الحصول على منصب عمل بكل سهولة.خلعته لرفضه عملهايقول قضاة تحدثت “الخبر” معهم، بأن الحالة الاجتماعية والوضعية الاقتصادية للمرأة الجزائرية تغيّرت عما كانت عليه سابقا، وذلك بفعل مؤشرات جديدة، على غرار المستوى العلمي وولوج المرأة عالم الشغل. مثلما هو الحال بالنسبة لزوجة أغراها منصب عمل فخيّرته على زوجها، وهي قضية عالجتها محكمة بولاية عنابة بشرق الجزائر سنة 2013، وتعود أسباب وقوع الزوجين في أبغض الحلال، إلى رفض الزوج خروج زوجته للعمل في إحدى الشركات، رغم أن الزوجين سبق لهما الفصل في الموضوع بموجب اتفاق ثنائي جمعهما قبل عقد الزواج، إلا أن الزوجة أغراها الراتب الشهري المقترح من طرف الشركة التي تريد خدماتها، فخرقت شروط العقد المبرم بينهما قبل سنتين، بحجة أنها تقدمت بطلب عمل لدى الشركة قبل ارتباطها بزوجها. لكن زوجها رفض الموضوع جملة وتفصيلا، لينتهي بها الأمر بخلع نفسها مقابل دفعها مبلغا ماليا يساوي مبلغ الصداق. وبغض النظر عن هذه الحالات، تلجأ بعض المتزوجات إلى طلب الخلع بسبب العنف، الشذوذ والهجران. الدكتور في القانون والشريعة، عبد المنعم نعيمي،” لـ”الخبر”“قانون الأسرة الجزائري متناقض”ينظر الأستاذ في القانون والشريعة بكلية الحقوق بجامعة الجزائر 1، الدكتور عبد المنعم نعيمي إلى قانون الأسرة الجزائري الحالي (05 - 02) كأحد المسببات في زعزعة وتماسك الأسرة الجزائرية ويهدد استقرارها، بقدر ما يُساهم في حفظها ورعاية حقوق أفرادها. كما انتقد المشرّع الجزائري الذي استند في تقنين قانون الأسرة على مزيج من المذاهب، بدل الاعتماد على المرجعية الشرعية الوطنية المالكية.أوضح الدكتور نعيمي في مقابلة مع “الخبر”، أن “المادة 54 المعدلة بالأمر 05 – 02 تُعطي المرأة حق الخلع دون شرط موافقة الزوج، على أن تدفع له مقابلا ماديا”. وتابع موضحا أن” مكمن الإشكال هنا في إهمال رضا الزوج، وهو ما يتناقض مع جمهور الفقهاء ومنهم المالكية (المرجعية الدينية الوطنية)، والتي تعتبر رضا الزوج شرطا لوقوع الخلع، إلا إذا ثبت تضرّرها من البقاء مع زوجها، فهنا للقاضي أن ينظر في طلب الخلع الذي تقدمت به الزوجة، فإن ثبت له حقيقة أنها متضررة فله أن يحكم لها بالخلع.وأضاف أيضا: “كان يُفترض على المشرّع أن يعتمد آراء المذاهب الفقهية الراجحة، سواء تعلق الأمر بالمذهب المالكي أو غيره، فالقانون في نسخته الحالية فضلا عن نسخته السابقة، لم توضح مرجعيته الفقهية، إن كانت مالكية فقط أو هي مجرد تلفيق وتجميع لعدة أقوال فقهية اعتمدت في تقنين أحكام الأسرة”.وتساءل المتحدث أيضا، عن سبب إهمال المشرّع الجزائري لنقطة مهمة سواء في قانون الأسرة لسنة 1984 أو 2005، وهي “عدم التعرض لأسباب وشروط الخلع ومُوجباته، مثلما هو الحال بالنسبة لأسباب التطليق”، هذا الفراغ القانوني، حسبه، فتح المجال لتفكيك الرابطة الزوجية على أتفه الأسباب وأبسطها.وأشار الدكتور نعيمي إلى نقطة هامة، تمثلت في أن أكثر حالات الخلع التي تعالجها المحاكم تصدر في صورة تطليق، مما قد يوحي بأن الزوج هنا قد امتنع عن فك عقدة الزواج، وظلّ متمسكا بها على وجه التعسف بزوجته والإضرار بها، في المقابل قد تستغل الزوجة الخلع كإجراء حمائي لها وتتعسف في استعماله على نحو يتسبب في الإضرار بزوجها.المحامي طارق مراح لـ”الخبر”“حـــــالات الخلـــــــع في تنـــــــام” قال المحامي طارق مراح، إن “مصطلح الخلع لم يكن متداولا في وقت سابق في المجتمع الجزائري، عكس ما هو عليه اليوم، أين أصبح ثقافة رائجة”، مما من شأنه “تهديد الرابطة الزوجية بفقدان قدسيتها”، كما وصف التعديلات الأخيرة التي مست قانون الأسرة بذات الطابع المدني الذي يسير على النسق الغربي”. وأوضح المحامي في اتصال مع “الخبر”، أن التعديلات على قانون الأسرة جعلت حالات التطليق عن طريق الخلع في تنامي مستمر، وأشار إلى أنها تمس بالأصول الجزائرية الدينية، الثقافية والتاريخية، وتدفع بالجزائريين إلى التنصل عن هويتهم الحقيقية. وذكر المتحدث أسباب أخرى ساعدت على انتشار الظاهرة، التي يراها شخصيا على أنها سلبية، وخص بالذكر تدهور الحالة المالية وانخفاض القدرة الشرائية لدى الزوج بصفته المسؤول عن الإنفاق على أسرته، في إشارة منه إلى أن أغلب الزوجات اللواتي يتقدّمن بطلب الخلع موظفات ويحصلن على راتب شهري محترم يفوق في الكثير من الأحيان راتب الزوج.ماذا ينص قانون الأسرة؟ تنص المادة 54 من قانون الأسرة أنه “يجوز للزوجة دون موافقة الزوج، أن تخلع نفسها بمقابل مالي، وإذا لم يتفق الزوجان على المقابل المالي للخلع يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت صدور الحكم”. أما التطليق فتنص عليه المادة 53 التي تجيز للزوجة أن تطلبه لأسباب عشر حددها النص، منها الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر والحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة وارتكاب فاحشة والشقاق المستمر بين الزوجين.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات