+ -

 الإنسان الموصول بالقرآن دقيق النّظر إلى الكون، خبير بازدهار الحضارات وانهيارها، نيِّر الذِّهن بالأسماء الحُسنى والصّفات العُلى، حاضر الحِسّ بمشاهد القيامة وما وراءها، مشدود إلى أركان الأخلاق والسّلوك ومعاقد الإيمان، وذلك كلّه وفق نِسَب لا يطغى بعضها على بعض وعندما يضمّ إلى ذلك السّنن الصّحاح مفسّرة للقرآن ومتمّمة لهداياته فقد أوتي رشده. والمسلم الّذي يحترم دينه وأمّته لا يرى الصّواب حكرًا عليه فيما يعتنق من جهات النّظر! قد يرى الصّمت وراء الإمام عبادة، ولكنّه لا يزدري أو يخاصم مَن يرى القراءة عبادة! وقد وسعت جماهير الأمّة هذه السّماحة من عصور طوال، وقامت مذاهب كثيرة متحابة، حتّى جاء مَن يرى في الحديث رأيًا، خطأ كان أم صوابًا ثمّ يقول: هذا هو الدّين، لا دين غيره! لقد خامرني الخوف على مستقبل أمّتنا لمّا رأيت مشتغلين بالحديث، يتحوّلون إلى أصحاب فقه، ثمّ إلى أصحاب سياسة تبغي تغيير المجتمع والدولة على نحو ما رَوَوْا ورأوْا..!إنّ أعجب ما يشين هذا التّفكير الدّيني الهابط هو أنّه لا يدري قليلاً ولا كثيرًا عن دساتير الحكم وأساليب الشّورى، وتداول المال وتظالم الطّبقات، ومشكلات الشّباب ومتاعب الأسرة وتربية الأخلاق.. ثمّ هو لا يدري قليلاً ولا كثيرًا عن تطويع الحياة المدنية وأطوار العمران لخدمة المثل الرّفيعة والأهداف الكبرى الّتي جاء بها الإسلام.إنّ العقول الكليلة لا تعرف إلاّ القضايا التافهة، لها تجيب وبها تنفعل، وعليها تصالح وتخاصم! هززتُ رأسي آسفًا وأنا أرمق مسار الدّعوة الإسلامية!إنّ الرّسالة الّتي استقبلها العالم قديمًا استقبال المقرور للدفء، واستقبال المعلول للشّفاء.. هانت على النّاس فلم يروا فيها ما يستحق التّناول، وهانت على أهلها فلم يدروا منها ما يرفع خسيستهم، ويحمي محارمهم..!ويبدو أنّ الهبوط عمّ الدّين واللّغة معًا، فهان الأدب هوان الإيمان، ورسب المبنى والمعنى جميعًا في قاع بعيد القرار.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات