38serv

+ -

لا تزال سجون الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلّة تحاكي أنين وآهات المعتقلين الفلسطينيين، بعدما غصت بمناضلين من جميع الأعمار والمستويات، ذكورا وإناثا، حملوا رسالة شعب ظلمه العالم ككل، وخذله العرب بعد انسحابهم من ساحة المقاومة.. سجون تكتم أصواتا ثابتة وعتيدة بين جدران رطبة تحاول إيصال رسالة حملتها أبا عن جد، وغرست في قلوب ونفوس شعب صامد رغم الحصار والاضطهاد.. وضعت حالة محمد القيق، الصحفي الفلسطيني المعتقل لدى الكيان الصهيوني، العالمَ في موقف لا يحسد عليه، بعد أن دخل في إضراب عن الطعام لمدة فاقت 86 يوما وأدى إلى تعقد حالته الصحية التي تتدهور يوما بعد يوم، في ظل جهود أممية ومنظمات حقوقية مناهضة لإطلاق سراحه، بعدما اعتُقل وسُجن دون محاكمة، مقابل صمت وتمسك قوات الاحتلال بموقفها اتجاهه.حياته واعتقالهولد محمد أديب احمد سليمان القيق في 21 أفريل 1982 برام الله في فلسطين، متزوج من الصحفية فيحاء شلش وأب لطفلين، وهو خريج جامعة البيرزيت ماجستير في الدراسات العربية المعاصرة، يعمل كصحفي مراسل لقناة “المجد” الإخبارية السعودية.ترأس القيق مجلس طلبة جامعة بيرزيت في دورة عام 2006-2007 بحصاد نقابي مميز، وكان نشطًا في الكتلة الإسلامية  -الجناح الطلابي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، إضافة إلى كونه كاتبًا لمقالات رأي في عدد من المواقع المحلية والعربية، تعبر عن روح المقاومة الفلسطينية واستمرار انتفاضة القدس. اعتُقل في العديد من المرات من طرف أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية التابعة لحركة فتح بالضفة. وكان منها عندما اعتقلته خلال قمعها للاعتصام أمام مسجد البيرة الكبير برام الله في 2013، حيث كان جهاز الأمن الوقائي، التابع للسلطة الفلسطينية وحركة فتح في الضفة الغربية، استدعى الصحفي القيق عدة مرات، إحداها بعد اعتداء عناصر من الشرطة الخاصة عليه عقب مشاركته في مسيرة “نصرة الشرعية المصرية” (دعما للرئيس محمد مرسي) في أوت 2013.ومنها أيضا حين داهم عناصر من جهاز الأمن الوقائي التابع لحركة فتح مساء 8 جانفي 2014 منزله في مدينة رام الله. وقالت عائلته إن أفرادا بلباس مدني عرفوا أنفسهم بأنهم عناصر من الأمن الوقائي اقتحموا منزل القيق، وشرعوا في تفتيش غرفه، وصادروا الحاسوب الخاص به ومجموعة من الصور الشخصية والأقراص المدمجة، كما اختُطف القيق لأشهر لدى جهازي الأمن الوقائي وجهاز المخابرات وأمن الرئاسة في أعوام 2006 و2008 و2009.أمضى محمد أزيد من 3 سنوات في السجون الإسرائيلية على مرات، آخرها سنة 2008، حتى تم اعتقاله نهاية السنة الماضية، وتروي زوجته أن قوات الاحتلال داهمت المنزل فجر السبت 21 نوفمبر 2015، وحاصرت البناية السكنية التي يقطن بها، واقتحمت المنزل بعد تفجير الباب وتحطيم زجاج النوافذ، ثم شرع الجنود في الانتشار في المنزل وتفتيش غرفه بشكل سطحي، قبل أن يعتقلوا الصحفي القيق ويصادروا هاتفه النقال وهاتف زوجته وحاسوبًا شخصيًّا، ثم اقتادوه إلى جهة مجهولة.التعذيب وسوء المعاملة داخل أقبية التحقيقبدء التحقيق مع القيق مباشرةً بعد اعتقاله، واستمر التحقيق لمدة 25 يوماً تعرض خلالها للتعذيب وسوء المعاملة، وفي اليوم الرابع أعلن الإضراب المفتوح عن الطعام بسبب سوء المعاملة والتعذيب الذي تعرض له، فقد كان التحقيق معه يتواصل لما يقارب 7 ساعات يومياً، وكان مربوطا طوال فترة التحقيق على كرسي التحقيق ويداه مكبلتان بشكل مؤلم للخلف، وتم تهديده بالاعتقال الإداري والاعتداء الجنسي، وكان المحققون يصرخون عليه ويشتمونه بشكل مستمر.بعد مضي 25 يوماً من التحقيق المتواصل، تم نقله إلى العزل في سجن مجدو، وهناك صدر بحقه أمر اعتقال إداري لمدة 6 شهور، ونتيجة تدهور وضعه الصحي نُقل إلى عيادة سجن الرملة بتاريخ 18 ديسمبر 2015.الإضراب عن الطعامبدأ الصحفي محمد القيق في الإضراب المفتوح عن الطعام بعد أيام من اعتقاله، احتجاجاً على سوء معاملته أثناء التحقيق ولتحويله إلى الاعتقال الإداري، وهو يعاني الآن أوضاعاً صحية معقدة، لاسيما بعد تغذيته قسراً من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلي لكسر إضرابه، كما أصبح يفقد الوعي عدة مرات مؤخرا، حتى أنه فقد القدرة على النطق والسمع والنظر، خاصة أنه مكبل على السرير، رافضا تناول المدعمات وإجراء الفحوص الطبية، وهو موجود حالياً في مستشفى العفولة الإسرائيلي، بعدما نُقل إليه إثر تدهور حالته الصحية، فيما تشير آخر التقارير إلى أن القيق قد فقد وعيه داخل مستشفى سجن العفولة، وأن وضعه الصحي دخل في حالة حرجة جداً بعد تعرضه لتشنجات خطيرة ونوبات قلبية متكررة. وحذرت مؤسسات حقوقية عدة، وكذلك عائلته، من إمكانية استشهاده في ظل تعنت الاحتلال في الاستجابة لمطالبه رغم تدهور حالته الصحية.الاعتقال الإداريأصدر أمر اعتقال إداري بحق الصحفي القيق لمدة 6 شهور بعد انتهاء التحقيق معه بتاريخ 17/12/2015، وقام القاضي العسكري في محكمة عوفر العسكرية بتثبيت الأمر لكامل المدة، وذلك دون التطرق بتاتاً للوضع الصحي لمحمد بعد دخوله الإضراب المفتوح عن الطعام، ولم يطلب حتى الاطلاع على ملفه الطبي من قبل مصلحة السجون للتأكد من وضعه الصحي. كما لم يتطرق القاضي أبداً لعمل محمد كصحفي، على الرغم من أن النيابة العسكرية تدعي أن الملف السري يحتوي مواد تتعلق بقيام محمد بالتحريض ضمن عمله كصحفي. ويدعي القاضي أن محمد ناشط في حركة حماس والكتلة الإسلامية (إحدى الكتل الطلابية في جامعة بيرزيت)، وله نشاط عسكري، دون الإفصاح عن طبيعة النشاط، وأنه مرتبط بأشخاص آخرين، دون الإفصاح عن موقعهم، ولماذا لم تتم محاكمتهم، واكتفى بالاعتقال الإداري.يؤكد قرار المحكمة العسكرية القاضي بتثبيت أمر الاعتقال الإداري بحق الصحفي القيق لكامل المدة دون أي أدلة أو بيّنات واضحة، ودون التحري الجدي حول مصداقية المعلومات، على استخدام دولة الاحتلال للاعتقال الإداري بشكل تعسفي ومناف لكافة الأعراف والمواثيق الدولية، خاصة المادة 78 من اتفاقية جنيف الرابعة، وأن تحويله إلى الاعتقال الإداري بعد فترة التحقيق مباشرة (التحقيق لم يكشف عن أي أدلة تدينه) يدل على أن دولة الاحتلال تلجأ للاعتقال الإداري في كل مرة عندما تفشل في إثبات الشبهات الموجهة بالأدلة العينية.كما يحرم الاحتلال الصحفي القيق حقه في ممارسة مهنته بشكل حر، من خلال تجريم عمله كصحفي، لمحاولة تجميد دوره في فضح جرائم الاحتلال التي ترتكب بشكل يومي بحق الشعب الفلسطيني، ويخالف ذلك المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تضمن لكل فرد الحق في العمل وحرية اختياره لعمله بشروط عادلة ومرضية. وفي ذلك أيضا تجنٍّ على حرية القيق وحقه في التعبير، فهو ناشط إعلامي ومدافع عن حقوق الإنسان، واعتقاله يعد جريمة فاضحة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإعلان العالمي لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان. ومخالفة للمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، والبند 1 و2 اللذين يؤكدان على حرية كل إنسان في اعتناق آراء دون مضايقة، وعلى حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، سواء في شكل مكتوب أو مطبوع أو أي وسيلة أخرى.الجدير بالذكر أن اعتقال الصحفي القيق جاء ضمن حملة اعتقالات جماعية واسعة طالت كل فئات المجتمع الفلسطيني منذ 1 أكتوبر 2015 تزامناً مع الهبة الشعبية، وجاءت هذه الاعتقالات على شكل سياسات ممنهجة وعقوبات جماعية، كما أن أغلب من تم اعتقالهم وُجهت لهم تهم أو شبهات تتعلق بالتحريض، هذا ما جاء في نصوص لوائح الاتهام وبعض المواد المكشوفة في الاعتقال الإداري للصحفي القيق في محاولة منهم لإطفاء لهب المقاومة.هذا وأعلن صحفيون ونشطاء فلسطينيون الأسبوع الماضي الإضرابَ عن الطعام ليوم واحد، تضامنا مع المعتقل محمد القيق المُضرب عن الطعام في السجون الإسرائيلية، رفضا لاعتقاله إداريا دون محاكمة .ودعا إلى الإضراب نقابةُ الصحفيين الفلسطينيين، والهيئة العليا للأسرى غير الحكومية، وذلك في مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة البيرة قرب رام الله، محمِّلين حكومة الاحتلال كل ما قد ينجر عن تدهور حالة القيق، خاصة أنه في حالة جد حرجة ويصارع الموت.       

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات