بعداش بن حمدي 1930-1957.. الشهيد المنسي

+ -

أُعدِمَ في 25 جويلية 1957 على الساعة 3:30 صباحا في قضية اغتيال آميدي فْروجي، رئيس فدرالية شيوخ مجالس الجزائر في الفترة ما بين 1948 و1957. بتاريخ 25 جويلية 1957 وعلى الساعة 3:30 صباحا، أُعدم الشهيد بعداش بن حمدي بمقصلة الجلاد المجرم موريس ميسوني بسجن سركاجي (بربروس سابقا)، متهما بتنفيذ العملية الفدائية التي أودت بحياة “آميدي فْروجي”، رئيس مجلس بلدية بوفاريك ورئيس فدرالية شيوخ مجالس الجزائر أحد الركائز القوية للاستعمار الفرنسي في الجزائر، صباح 28 ديسمبر 1956 أمام منزله الكائن بـ108 شارع ديدوش مراد (ميشلي سابقا).بعداش بن حمدي (27 سنة) أعزب وعامل يومي، أصوله من بلدية أولاد سليمان (بالقرب من بوسعادة ولاية المسيلة) ساكن بالحي القصديري “محي الدين” (سيدي أمحمد) أُلقي عليه القبض ليلة 25 فيفري 1957 من طرف جنود فيلق القبعات الخضراء، فوج المظليين الأجانب، ثم زُجّ به في سجن سركاجي، حوكم وحُكم عليه بالإعدام يوم 11 أفريل 1957 أي في مدة أقل من شهرين من تاريخ اعتقاله.لقد تلت العمليةَ الفدائية التي اتُّهم بتنفيذها الشهيد بعداش بن حمدي عملياتُ اعتقال واختطاف عشوائية نفذها المعمرون والأقدام السوداء في حق الجزائريين، وعمليات اغتيال انتقامية سقط جرّاءها المئات من المواطنين الأبرياء. وسبب نوبة الغضب والهيجان هذه التي أصابت المعمرين هو أنهم لم يتحملوا تمكُّن الثورة الجزائرية من الوصول إلى اغتيال أميدي فْروجي، رمز وركيزة من ركائز الوجود الفرنسي في الجزائر، واعتبروه إهانة ولّدت لدى المتطرفين المتعصبين هستيريا انتقامية، وسببت أنهارا من دماء الجزائريين الأبرياء (تمهيدا لجرائم المنظمة السرية OAS).هذه المرحلة التاريخية الأكثر دموية في تاريخ مدينة الجزائر (إضافة إلى عملية شارع Thèbes) مثّلت من دون شك توقيتا حاسما في نضال الشعب الجزائري من أجل الاستقلال، وأذكت شرارة الانقسام بين الجزائريين وغيرهم من المعمرين ووسّعت الهوة بينهم، وارتفعت فيها الأصوات الداعية إلى الاصطدام، وترسخت معها من الجانب الفرنسي قناعات الأفكار المنادية بالاحتفاظ بالجزائر فرنسية، والمتوجّسة خيفة من تضييع الجزائر، الجوهرة التي ترصّع تاج الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية (من دنكرك إلى تمنراست) وهو الشعار الذي كان يتبجح به الرئيس الاشتراكي ووزير العدل السابق فرنسوا ميتران، خاصة بعد الفشل الذريع لاتفاقيات ديان بيان فو في فيتنام.من الجانب الجزائري، شكل إقدام الأقدام السوداء على هذه الخطوة يقينا لدى فئة كبيرة من الجزائريين بجدوى العمل العسكري على حساب كل الأوهام والآمال الواهية التي كانت مُعلقة بالحل السياسي، وتجدر الإشارة إلى أن المفكر جاك بيرك ابن حي بلكور (القريب من حي الشهيد بعداش) والحاصل على جائزة نوبل، لم يحرك ساكنا على الأقل لإنقاذ الشهيد من شفرة المقصلة، بعد ذلك اتضحت الصورة لدى الجزائريين وزالت الثقة في مشروع إدماج الجزائر كجزء من فدرالية فرنسا، أما السلطات الاستعمارية فجندت وسائل عسكرية وغير عسكرية هائلة من أجل تطويق وإخماد هذه الانتفاضة الشعبية التي قادتها جبهة التحرير الوطني، فقامت السلطات الاستعمارية بمنح الحرية المطلقة للجنرال ماسو لتنفيذ ما يراه مناسبا من أجل إخماد هذه الثورة.ويبقى التساؤل المحوري: ما هو سبب بقاء حادثة تاريخية كواقعة الشهيد بعداش بن حمدي في طي النسيان؟ ولماذا هي بعيدة عن الذاكرة وغير معروفة على نطاق واسع؟ ويبقى الأمر للمؤرخين، فهم الوحيدون المخولون بتقديم تفسيرات موضوعية حول هذه الحلقة بالذات من حلقات تاريخ مسيرة الاستقلال.وحتى الشهيد بعداش بن حمدي لم يسلم من ظلام النسيان الذي مازال ينخر ذاكرتنا الجماعية، حتى أنه لا وجود لاسمه سوى على لوحة شهداء مقصلة سجن سركاجي. أكثر من ذلك فإن الشهيد لم يكن له قبر واضح المعالم، والمكان الذي دُفن فيه بمقبرة العالية قد اختفى تماما تحت أقدام الراجلين وخطوات الذهاب والإياب، الأمر الذي تطلب تجند بعض أبناء حي محي الدين من جيل الاستقلال لنفض الغبار عن ذكرى الشهيد البطل، وواحد من أبناء “الحومة”، الجهد الذي تكلل في سبتمبر 2013 بتحديد مكان بعداش بن حمدي في مقبرة العالية، وإعادة تشييد ضريحه بما يحفظ كرامة شهيد قدم حياته فداءً لهذا الوطن.  ليس بوسعنا نحن سكان حي محي الدين وبلدية سيدي أمحمد وإخواننا من بلدية أولاد سليمان (ولاية المسيلة) إلا تحمّل المسؤولية بشقّيها، الدفاع عن ذكرى شهداء الثورة، وذكرى الشهيد بعداش بن حمدي، شهيد المقصلة الوحيد في بلديتنا. وننوّه بأنه لا يكفي التذكير ببطولات وشجاعة شهدائنا الأبرار من خلال التظاهرات والحفلات، بل من المهم التوجه إلى أبناء هذا الجيل الجديد الفاقد للأمل والخارج لتوه من مرحلة سوداء، بنماذج وقدوات من بطولات آبائه وأجداده. هذا الشباب الذي يعاني اليوم من اضطراب في الهوية، وابتعاد عن كل الفضائل التي يجب أن يُحتذى بها، يستلزم محاربة ثقافة النكران والنسيان فيهم، وتنويرهم بملاحم وتضحيات أسلافهم بأغلى ما يملكون عندما كانوا في مثل أعمارهم، وكانوا على يقين بأن مفاهيم الوطنية وحب الوطن والتضحية بالنفس ليست خداعاً ولا شعارات جوفاء، لأنهم كانوا يمتلكون مبادئ ومناهج وبرنامجا سياسيا ومشروع مجتمع يمنحهم معنى للحياة، ولمقاومتهم نير الاحتلال، في واقع استعماري لم يختر لهم سوى الجهل والإذلال والتمييز العنصري (هل هذه هي المحاسن التي تحدث عنها قانون تمجيد الاستعمار 23 فيفري 2005؟).وأمام حياة الترف والغطرسة التي كانت تعيشها الأقدام السوداء، لم يكن لذلك الجيل من الجزائريين الثوريين سوى كرامتهم وشرفهم الذي كانت الحشود الاستعمارية لا تكف عن الاستهزاء به والدوس عليه، ولم يكن لهم سوى ذلك التآخي وروح التضامن التي سمحت لهم بتجاوز التفكك والجهوية والعيش في كنف الأحياء القصديرية في العاصمة، على غرار حي محي الدين، ملجأ ومأوى أبناء الوطن في ظروف صعبة، بعيدا عن رفاهية الأحياء الأوروبية، لكن في جو يحمل كل معاني الاتحاد واللحمة الوطنية صارت هذه الأحياء القصديرية فيما بعد مصنعا للرجال الشجعان، والكثير من أبنائها قدموا أرواحهم فداء للوطن.وأمام هؤلاء الأبطال الذين ردوا الأمل للشعب الجزائري، فإن رد الجميل ينحصر في بث ثقافة العرفان وغرس الأمل بذكراهم في شباب اليوم، وفي كل الإنسانية، لأن نضالهم التحرري، نضال المظلومين، خاضوه باسم العدالة وباسم الحرية والتضحية الأسمى والأجمل، والتي هي التضحية بالنفس ونكران الذات، تلك النفس التي قدموها، بكل بساطة، باسم كرامة الإنسان.   

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات