إنّ التعصّب المستغرب لوجهة نظر فرعية لا يبلغ هذا الشّطط، ولكنّه للأسف مسلك ملحوظ على عدد ممّن يشتغلون بأحاديث الآحاد.ومن نماذج المرويات المتقابلة ما جاء في طريقة البول، فقد وردت آثار بجوازه عن قيام، وجاءت أخرى بمنعه، وروي عن ابن مسعود: ”إنّ من الجفاء أن يبول الرّجل قائمًا! قالوا: الجفاء خلاف البرّ واللّطف”.والّذي أراه أنّ ذلك يتبع الأحوال الّتي تكتنف الإنسان، وفي الأمر سعة، على أنّ الأمر المثير للقلق أن تجد بعضهم يعرف أطرافًا من المرويات، يكترث بها وحدها ويذهل عن غيرها، ثمّ يذهب يتحدّث عن الإسلام دون فقه أو رويّة.روى أحدهم حديث: ”ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النّار” ثمّحكى على الألوف المؤلّفة من عباد الله أنّهم من اهل جهنّم! قلت له: إنّ إسبال الإزار كِبْرًا رذيلة، وقد كان في الجاهلية الأولى شارة الرياسة والملك، وقصة الأمير جبلة بن الأيهم معروفة، أمّا طول الإزار حتّى الكعبين أو دونهما قليلاً لستر الجسم وتجميله دون اغترار ولا استكبار فهو لا يدخل النّار! فأبى المتحدث أن يستمع إلى شرحي، وعدَّني من علماء السّوء، الخارجين على السُّنّة!ونظرتُ إليه وهو كميش الثّوب، بالغ الاعتداد برأيه، وقلتُ له: إذا كان الكبر بطر الحقِّ وغمص النّاس –كما عرّفه الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم- فأنتَ متكبّر، ولو ارتديت ثوبًا إلى الركبتين!ورأيتُ نفرًا من هؤلاء يغشون المجامع مذكّرين بحديث أنّ أبا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في النّار! وشعرتُ بالاشمئزاز من استطالتهم وسوء خُلقهم! قالوا لي: كأنّك تعترض ما نقول؟ قلتُ ساخرًا: هناك حديث آخر يقول: ”مَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً” فاختاروا أحد الحديثين... قال أذكاهم بعد هنيهة: هذه آية وليست حديثًا! قلتُ: نعم جعلتها حديثًا لتهتموا بها، فأنتم قلّما تفقهون الكتاب! قال: كانت هناك رسالات قبل البعثة، والعرب من قوم إبراهيم وهم متعبّدون بدينه..! قلت: العرب لا من قوم نوح ولا من قوم إبراهيم. وقد قال الله تعالى في الّذين بعث فيهم سيّد المرسلين: ”وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ” سبأ:33. وقال لنبيّه الخاتم: ”وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا، وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ” القصص:46.كلّ الرّسالات السّابقة محليّة، مؤقتة، وإبراهيم وموسى وعيسى كانوا لأقوامهم خاصة!وللفقهاء كلام في أنّ أبوي الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في النّار، يردُّون به ما تروون.. لقد أحرجتم الضّمير الإسلامي حتّى جعلتموه ليستريح يروي أنّ الله أحيى الأبوين الكريمين فآمنا بابنهما، وهي رواية ينقصها السّند، كما أنّ روايتكم ينقصها الفقه، ولا أدري ما تعشقكم لتعذيب أبوين كريمين لأشرف الخلق؟ ولمَا تنطلقون بهذه الطّبيعة المسعورة تسوؤون النّاس!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات