+ -

يرى وزير الاتصال سابقا، محمد السعيد، في حوار مع “الخبر”، أن إخفاق الربيع العربي في بعض البلدان لم يطفئ جذوة التغيير، وأن هشاشة الاستقرار في تونس تنهك الجزائر. ويعطي السعيد مفهومه لمفردات يجري تداولها مثل “الدولة المدنية” و”الجمهورية الثانية”..“الدولة المدنية” و”الجمهورية الثانية” كلمات يتداولها الموالون للرئيس بوتفليقة، في محاولة للتأكيد على أن الجزائر انتقلت إلى مرحلة جديدة.. أنت ماذا يعني لك ذلك؟ لو رُفع شعار “الدولة المدنية” في بداية التعددية الحزبية عندما كانت الحركة الإسلامية في أوجها، لقُلنا إنه موجّه ضد التيار الإسلامي لأنه لا وجود للدولة المدنية في الإسلام، ولكن أن يُرفع هذا الشعار فجأة وبإلحاح منذ أقل من سنتين، وأن يُوجّه ضمنا ضد مصلحة حيوية في المؤسسة العسكرية، فهذا يدعو للتساؤل، لأنه ينطوي على مخاطر خلق رأي عام مناهض للمؤسسة العسكرية، في وقت البلاد في أشدّ الحاجة إلى جيش قوي لحماية حدودها وسيادتها.وهنا يؤسفني القول إن التلاسن الإعلامي بين بعض كبار ضباط الجيش المتقاعدين في الآونة الأخيرة، يرسّخ هذا الاحتمال. في كل الأحوال، الدولة المدنية لا تقوم إلا بوجود مجتمع مدني منظّم وقوي، وتشبّع الجميع بثقافة الدولة، التي تختلف عن ثقافة السلطة السائدة. أما الجمهورية الثانية، فمسارها التاريخي في منشئها، يشير إلى أن بُناتها هم وجوه جديدة برؤى جديدة قائمة على القطيعة مع آليات وممارسات الماضي. هذان الشرطان غير متوفرين اليوم ولا يتعايشان مع عقلية ترى أن الإصلاحات أداة لامتصاص الغضب الجماهيري لا غير، وليس وسيلة مدروسة للارتقاء بالمجتمع، وهذا يعني أننا لم نستفد من دروس تأجيل التغيير في جهات أخرى حتى قبل الربيع العربي، مثلا في إيران والفلبين وأوروبا الشرقية.إن موقف تحصين استمرارية الأمر الواقع الذي ردّت به السلطة على مطلب التغيير السلمي التدريجي، متأخّر على زمانه، لأن المجتمع تغير في تركيبته الديمغرافية، وفي أنماط تفكيره المتأثرة بكل ما يجري في العالم، وغاب عن الحسّابين أن مطلب التغيير لم تنطفئ جذوته بإخفاقات الربيع العربي في بعض البلدان، بل قد يُطرح بشكل ثوري إذا استبدّ اليأس بدعاته من الأجيال الصاعدة، وما ازدياد وتنوع حالات العنف في أوساط هذه الأجيال، وحدّة لهجتها في شبكات التواصل الاجتماعي، إلا مؤشر خطير على هذا التوجه الراديكالي.جاء رأي المجلس الدستوري في 2016، حول تعديل المادة 74 من الدستور، مناقضا تماما لرأيه بخصوص نفس المادة المعدلة في 2008، بمعنى أن إلغاء غلق العهدات فسر على أنه من حق الشعب أن يجدد لرئيسه، ولما أغلقت من جديد فسر على أنه تداول على الحكم.. لماذا هذا التخبط برأيك؟ أضيف لك شيئا آخر وهو أن نفس الهيئة ألغت في عام 1995 شرط تمتع زوجة المترشح لرئاسة الجمهورية بالجنسية الجزائرية الأصلية، لقطع الطريق آنذاك، كما فُهم، على ترشح الأخوين أحمد طالب الإبراهيمي والمرحوم عبد الحميد مهري، وها هو هذا الشرط يُعاد فرضه في تعديل الدستور الجديد، تماما كما وقع مع غلق وفتح العهدات الرئاسية. هذا دليل على أن الاعتبارات السياسية الظرفية تطغى على الاجتهاد الفقهي لدى هذه الهيئة الدستورية. والوضع باق طالما ظل رئيس المجلس الدستوري معينا وليس منتخبا كما طالبنا به أثناء المشاورات الرئاسية، وكما كان في أول دستور عرفته الجزائر المستقلة في 1963.هل المصادقة على الدستور تعني نهاية ما سمي إصلاحات، التي كان أبرز ما فيها حل “دي.أر.أس” بعد عزل مديرها؟ نظريا الدستور هو القانون الأسمى للدولة، يستلزم تطبيقه تكييف جميع القوانين سارية المفعول مع أحكامه. انظر كم ضيّعنا من الوقت منذ 2011 عندما فتحت ورشة الإصلاحات على عجل في خضم اهتزاز المحيط الإقليمي بفعل موجة “الربيع العربي”. لو بدأنا آنذاك بتعديل الدستور بعد استخلاص الدروس من الأضرار التي أحدثتها الممارسات الخاطئة، لما اضطررنا اليوم إلى تعديل قوانين لم يمرّ على صدورها أكثر من أربع سنوات، ولَوُظّف هذا الوقت الضائع في حشد الطاقات كلها في مجرى واحد لحماية الممارسة الديمقراطية، وإعادة الاعتبار للقيم والأخلاق، وبناء اقتصاد منتج يحررنا من التبعية الخانقة للنفط. على كل حال، ما حصل حصل، وتبقى العبرة بالتطبيق في الميدان، وتبقى المشكلة المستعصية هي غياب الثقة بين السلطة والشعب. ما أتمناه هو ألاّ تُفرغ بعض هذه القوانين خاصة تلك المتعلقة بالجانب الاجتماعي من مضمونها، ونحن في العهدة التشريعية الأخيرة التي تطغى فيها الحسابات الانتخابية بمظهرها المالي القذر.ما قراءتك لتنقل رئيس المجلس الدستوري إلى باريس فور المصادقة على تعديل الدستور؟ وهل من الصدفة أن يتزامن ذلك مع توافد مسؤولين فرنسيين على الجزائر؟ لا توجد صدف في العلاقات بين الدول، كل شيء محسوب وكل صغيرة وكبيرة بحسبان.. ومع ذلك، واستثناءً، لا أظن أن زيارة رئيس المجلس الدستوري إلى فرنسا أو زيارات وفود هذه الدولة إلى الجزائر، لها علاقة بالمصادقة على تعديل الدستور، كل ما يلاحظ هو أن كثافة زيارات وفود الطرف الآخر للجزائر، وتخصيص بروتوكول استقبال لها في أعلى مستوى يتناقضان مع تراجع حجم الاستثمارات الفرنسية في بلادنا. وهذه شراكة غير متوازنة، وبالتأكيد، بشكلها الحالي، ليست لصالح الجزائر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات