+ -

بالرغم من إقرار الحكومة لقوانين منظمة ومسيرة لأراضي العرش الواسعة بالهضاب العليا، والممتدة بين منطقتي نڤرين شرقا إلى بني شقران غربا، إلا أن الصراع عليها مازال قائما في ظل مواصلة المصالح المختصة مسح هذه الأراضي في إطار القانون 95 الذي أدرجها ضمن الأملاك الوطنية، وكثيرا ما تأخذ هذه الصراعات أبعادا خطيرة تتحوّل إلى مواجهات دامية بين أفراد المنطقة الواحدة، تفرّقهم فقط انتماءات قبلية، مثل الذي تعيشه ولاية خنشلة هذه الأيام.التطاحن على أراضي العرش يبلغ ذروته ودولة تتفرجأرواح تزهق حول أراضي الوطن الواحد! أعادت المواجهات التي تشهدها ولاية خنشلة حول الصراع على أراضي بين عرش في بلدية ششار، وآخر في بلدية بابار، إلى الأذهان الصراع الذي عرفته ولاية غرداية، وقبلها شهدت أيضا ولاية الأغواط مواجهات بين عرشين بسبب نزاع حول ملكية أراضي أخرى.وقد أدى تجاهل الدولة لهذا الواقع إلى حدوث صراعات وخلافات تصل إلى حد استعمال الأسلحة وزهق الأرواح، مع العلم بأنه عادة ما تطفو هذه الظاهرة إلى السطح بعد خمود قصير، عند تساقط الأمطار والرغبة في حرث الأراضي البور لغرس الحبوب الموسمية.تتحوّل الأراضي العرشية في الجزائر العميقة، لاسيما بولايات السهوب والهضاب، كل عام عند تساقط الأمطار إلى مصدر للفتن والخلافات، لتصبح قنابل موقوتة مهددة بالانفجار في كل حين، أمام رغبة أصحابها في حرث أراضي آبائهم وأجدادهم التي لا يحوزون على وثائق لها، ليصطدموا بمستغلين جدد يريدون الاستحواذ عليها، فتقع الصدامات التي تصل إلى حد زهق الأرواح.ويعود أصل المشكل الذي تتغاضى الدولة عن إيجاد حلول جذرية له إلى العهد الاستعماري، عندما قامت الإدارة المستعمرة آنذاك بترسيم الأراضي العرشية وتحديد المستفيد منها باسم العرش الذي كان يقطن بتلك المنطقة، علما بأن التقسيم الإداري كان في ذلك الوقت مختلفا عما هو عليه اليوم.وعند الاستقلال، حوّلت الدولة الأراضي العرشية ضمن قانون الثورة الزراعية طبقا للأمر 80/15، وبعدها إلى الأملاك الوطنية طبقا للقانون 95/25، غير أنه عمليا واصل الكثير من المواطنين الاستحواذ على ”أراضي أجدادهم” وحرثها عند تساقط الأمطار لجني الحبوب الموسمية، رغم أنهم كثيرا ما كانوا يصطدمون بمعارضين لاستحواذهم على الأراضي من أبناء عرشهم، أو من عروش أخرى.وتسعى السلطات العمومية إلى تسوية وضعية أراضي العرش عن طريق منح عقود الامتياز للفلاحين الذين يستغلونها، بكونها تابعة للدولة ويستغلها أشخاص منذ عقود، وهي الأراضي التي توصف عرفا بأراضي التي تبقى ملكا خاصا للدولة بناء على القوانين، لاسيما قانون 95، وبالتحديد المادة 85 منه. ويبقى حق الانتفاع من هذه الأراضي مؤقتا، ولا يعطي ملكيتها لأحد، لأنها تبقى ملكا للدولة.تفاصيل الصراع بين عرشي النمامشة وبني معافة بخنشلةالاستعمار ومصالح مسح الأراضي سبب الاقتتالالمتتبع لقضية الصراع بين عرشي النمامشة ببلدية بابار، وبني معافة ببلدية ششار، جنوبي خنشلة، يتأكد أن الإرث الاستعماري وتبعات التقسيم الإداري لسنة 1984 الذي ضم هاتين البلديتين إلى خنشلة، بعد أن كانتا تابعتين لولايتي بسكرة وتبسة، يعد سببا رئيسيا في إحياء الصراع على ”أراضي صخرية”.لم يتوقّع أحد بولاية خنشلة، وببلديتي بابار وششار تحديدا، حدوث مواجهات عنيفة حول قطعة أرض لا تتعدى مساحتها 10 هكتارات بين عرشي بني معافة من بلدية ششار، وعرش النمامشة المنحدرين من ثلاث بلديات، بابار البلدية الأم والمحمل وأولاد رشاش، بحكم أن فلاحي هاتين البلديتين الأخيرتين يتقاسمون الأراضي الفلاحية بالبلدية الأم، لأنهم من عرش واحد وظلوا يستغلونها كطريق مؤدي إلى أراضيهم الفلاحية في النفايض ومحيطات الرويجل وبونقار ولفوانيس، وغيرها التي بها استثمارات فلاحية ضخمة خصصت لها الدولة الملايير، منها 3500 مليار سنتم لإنشاء قطب فلاحي وطني بهذه المنطقة التي أسالت لعاب حتى من هم خارج البلدية ينتمون إلى بلديات أخرى.والزائر لأرض الصفيح الواقع جنوب غربي بلدية بابار، على الحدود مع بلدية ششار، يلاحظ انها أراضي صخرية جرداء قاحلة، اتخذها عرش النمامشة المنحدر من بلدية بابار طريقا نحو أراضيهم الفلاحية، بحكم أنها المكان الوحيد الأقرب لفلاحي هذه البلدية نحو محيطات الرويجل وبونقار. بينما يستغل بعض الفلاحين بعرش بني معافة من بلدية ششار، الأراضي القريبة من حدود أراضي بلدية بابار. وكلما زاد الفلاحون على الحدود المرسومة، إلا ووقعت مناوشات بين الأفراد، وتنتهي بصلح هش.يرجع أصل الصراع على هذه القطعة الأرضية إلى سعي أطراف إلى الاستفادة من دعم الدولة التي ضخت الملايير لفلاحي بلديات بابار والمحمل وأولاد رشاش، لكونهم يملكون أراضٍ فلاحية خصبة تم فيها إنشاء أكثر من 17 محيطا فلاحيا كمرحلة أولى، وحفر آبار وشق الطرقات وإنشاء مدينة جديدة بهذه الصحراء التي احتلت المرتبة الأولى وطنيا لموسمين متتاليين 2014 و2015 في إنتاج الحبوب، وكل الوزراء الذين يزورون الولاية يخصصون زيارة لهذه المنطقة، بينما الفلاحون في بلدية ششار لم يروا شيئا، وهو ما دفعهم إلى استظهار وثائق تؤكد امتلاكهم لأراضي مجاورة لهذه المحيطات.وفي رده على هذا الانشغال، يؤكد رئيس بلدية ششار، في تصريح لـ ”الخبر”، أن الصراع والاقتتال ليس حلا بين مواطنين ينتمون إلى ولاية واحدة ووطن واحد، والخلاف يحل بالحوار والتفاهم بين أعيان العرشين، والوصول إلى حل نهائي يطفئ نار الفتنة، وأن الدولة قادرة على خلق محيطات لأبناء المنطقة جميعا.أما رئيس بلدية بابار، فأكد أنه مع كل مساعي الصلح، ووضع حد لهذا الصراع والعودة إلى جادة الصواب، وأنه من غير المعقول أن يتم حل المشاكل بهذه الطريقة، داعيا المصالح المعنية، رفقة أعيان العرشين، للوصول إلى حل نهائي لهذه القضية ووأد الصراع إلى الأبد.أراضي العرش في الأغواط محل خلاف دائممن مشكل الحرث إلى الصراع حول الرعي كانت ومازالت الأراضي العرشية محل خلاف بين عدة عروش بولاية الأغواط، لتتحوّل من مشاكل الحرث بين المواطنين، إلى صراعات للرعي فيها بمواشيهم بسبب الجفاف الذي ساد المنطقة.وتتجدد خلافات الأراضي العرشية والصراعات بين عدة عروش من ولاية الأغواط والولايات المجاورة مع موسم تساقط الأمطار، كتيارت والبيض والجلفة، بعد المبادرة بحرث هذه الأراضي طمعا في كميات إضافية من حبوب القمح والشعير.وقد تحوّلت هذه الأراضي العرشية بعد شح السماء إلى مصدر خلاف أثناء رعي الأغنام في هذه الأراضي، بعد رفض أصحابها ولوج المواشي إلى هذه الأراضي الجرداء التي تحوّلت إلى مراعي ومسالك رعوية، مثلما كان الأمر في منطقة تاجرونة بين عرشين من الأغواط والبيض. وكشفت مصادر محلية أن عدة مسؤولين بالمنطقة، على اختلاف مسؤولياتهم، لا ينامون ليلهم عند تساقط الأمطار، ليس خوفا من الفيضانات؛ وإنما بسبب خلافات العروش.ويتذكر سكان هذه الولاية وفاة أحد المواطنين وجرح أخيه بسبب خلاف على أرض ببلدية بن ناصر بن شهرة، وإيداع بعض المواطنين الحبس في بلدية واد مرة بسبب خلاف على أرض أخرى، وقبلهم صراعات بين العروش بالخنڤ وحاسي الرمل، أمام عجز الإدارة المحلية عن ضمان تسوية نهائية لملف الأراضي العرشية وتحديد أصحابها وحدودهم لتفادي خلافات مستقبلية قد تزهق بسببها الأرواح، بعدما أثبتت عملية منع الحرث فشلها في احتواء المشكل الذي عمّر طويلا.قضايا حققت فيها العدالةصراع الموالين حول أراضي الرعي يتواصل في النعامةما تزال الأراضي العرشية بولاية النعامة تصنع يوميات الموالين بعديد النزاعات والصراعات التي كثيرا ما دخلت أروقة العدالة، بعدما استعمل فيها العنف بين المتنازعين من أجل الاستحواذ على الأراضي الرعوية التي تقلّصت مساحتها بسبب المحميات وانتشار الحرث الفوضوي والاعتداء على أراضي الرعي تحت مبررات الاستصلاح، وأخيرا الامتياز الفلاحي.وأمام هذا التضييق، كثرت الصراعات والمناوشات والنزاعات بين أعراش الولاية الواحدة من جهة، وأعراش الولايات المجاورة، لاسيما ولايتي البيض وسيدي بلعباس.وبالنعامة ما يزال الصراع قائما بين بعض الموالين ومستثمر آخر، اتهموه بالتوسع على حساب الأراضي الرعوية، ما سبب لهم تضييقا على مرتع مواشيهم، مثلما يقولون، وهي القضية التي ما تزال رهن التحقيق لدى الجهات القضائية.وقد تدخلت مصالح الدرك الوطني لفض النزاعات أكثر من مرة بين الموالين وأصحاب الامتياز بمناطق كثيرة داخل إقليم هذه البلدية، وفي أحيان كثيرة بين أفراد العرش الواحد.كما عرفت بلدية البيوض الكثير من النزاعات والصراعات على الحدود المشتركة مع بلدية بير حمام بتراب ولاية سيدي بلعباس، الأمر الذي أدى إلى تدخل مصالح الدرك والسلطات المحلية للبلديتين والمصالح التقنية لرسم معالم الحدود وفض هذه النزاعات.وفي السياق ذاته، كانت بلدية توسمولين بولاية البيض، المجاورة لتراب النعامة، قد عرفت منذ حوالي شهر حالة نزاع بين أفراد عرش واحد للاستحواذ على أرض رعوية. وقد تسبب هذا النزاع في حرق خيمة ومقدمة شاحنة، وهو الملف الذي عالجته فرقة الدرك الوطني ووصل إلى محكمة بوقطب.المختص في علم الاجتماع، اعمر أوذينية، لـ ”الخبر”“بداية النزاعات طمع ونهايتها مشكلات مذهبية”يرى الدكتور عمر أوذينية، المختص في علم الاجتماع وصاحب دراسات معمّقة في هذا الموضوع، أن الدولة الجزائرية أقرت سنة 1982 قانونا خاصا بأراضي العرش لإنهاء المشكل نهائيا. وتعتبر هذه الأراضي، بحسب محدثنا، ملكية للدولة، فقد وضعت يدها عليها عن طريق الاستصلاح، بعد أن كانت تخضع للحكم العسكري الفرنسي.وتحدد أراضي العرش، حسب الدكتور أوذينية، من منطقة نڤرين في أقصى الشرق الجزائري، وهي واقعة في المناطق الداخلية، إلى بني شقران غربا، وكانت كلها عبارة عن منطقة عسكرية. وبعد الاستقلال، أصبحت هذه الأراضي شاغرة، ما دفع بالدولة إلى التفكير في تسوية وضعيتها عن طريق سنّ قوانين خاصة بها، منها قانون 1982.وما يحدث حاليا، حسب المختص، هو عبارة عن صراع حول أراضٍ غير مملوكة لهذه العروش، بحسب المختص ذاته، بل هي تابعة للحكومة ويدعي عدد من الأشخاص أنهم ملّاكها، لكن في الحقيقة استفاد منها بعض الشباب في إطار عقود الامتياز الفلاحي. وبعد أن هجرها هؤلاء وتركوها، أصبحت تسيل لعاب الكثيرين، خصوصا بين تشكيلات العروش المختلفة التي تغذيها عصبية الانتماء إلى عرش ما.وكان الديوان الوطني للأراضي الفلاحية أكد أنه لم يتم تسوية نحو 25 في المائة من عقود ملكية هذه الأراضي المتنازع حولها، لما يشوبها من نزاع لسبب أو لآخر، وأغلبها محال على العدالة للفصل فيها.وما يخشاه محدثنا هو أن تتحوّل هذه الصراعات إلى نزاعات اجتماعية ذات طابع عرقي ومذهبي، وتتسبب في مشكلات ذات طابع لغوي وإثني، في حالة عدم تدخّل السلطات لفك هذه النزاعات وتسوية وضعية الأراضي المتنازع عليها، وفق القوانين المحددة لها.انعدام مخططات مسح الأراضي بتبسةفلاحو المهر في جارش يطالبون بتوثيق العقودطالب فلاحو المهر بصحراء جارش ببلدية فركان، جنوبي تبسة، بتوثيق الأراضي التي قسمها العرش بين فلاحي المنطقة لانتشال شباب المنطقة من نشاط التهريب والتحوّل إلى الاستثمار الفلاحي، محذرين من استمرار الوضع دون تحديد معالم حدود الحائزين الحاليين لهذه الأراضي التي تنتج أجود أنواع الحبوب.وتسمح عملية تسوية الأراضي وتزويدها بكل الوسائل بدوار المهر جارش ببلدية فركان، بانتشال عشرات الشباب من البطالة والاشتغال في خدمة الأرض، هذا الأمر دفع بأعيان العرش إلى دعوة سكان المنطقة للعودة إلى خدمة الأرض.وتعد المساحات الشاسعة بجنوب الولاية ببلدية فركان على جهة حدود ولاية خنشلة ووادي سوف، إلى غاية الأراضي الرعوية بمنطقة سكياس، ذات طبيعة ملكية عمومية، أو ما يعرف بأرض العرش، التي أقبلت عدة عائلات بعد استقرار الوضع الأمني على استغلالها بمئات الهكتارات، في مقابل عدم توفر أي وثيقة، ما ينذر بإمكانية نشوب نزاعات بين الحائزين، في حال عدم استمرار الوضع دون تسليم عقود الامتياز وتحديد الحدود والمعالم.محاكم الجلفة تستقبل عشرات الشكاويالدرك يتحوّلون إلى رجال مطافئ لإخماد صراعات العروشتمثل قضايا الصراعات حول أراضي العرش بالجلفة، النسبة الكبيرة من الملفات والقضايا التي تعالجها مختلف المحاكم. وتتضاعف أعداد القضايا خاصة مع فصل الخريف والشتاء، حين تتم عمليات الحرث وكذا استغلال هذه الأراضي كمراعي للماشية.وتبقى بلدية سد رحال من أهم البلديات التي شهدت صراعات وصلت إلى استنفار كل الهيئات الرسمية، من مجلس أمن وسلطات، لاحتواء الصراع بعد قيام إحدى ”الفرق” بحرث قطعة أرض بمنطقة ”ضاية القطا”، لتتسبب في أزمة حقيقية تحوّلت إلى مشادات حقيقية كادت تسقط العديد من الضحايا، خاصة وأن أغلب أفراد العروش يملكون أسلحة. كما تشهد العديد من البلديات كحاسي العش، وحاسي بحبح، وعين معبد، والزعفران الشارف، وسيدي بايزيد، وغيرها من البلديات، نزاعات حول أراضي ومراعي، وكلها لا زالت أمام المحاكم وجعلت بعض الأجهزة، خاصة الدرك الوطني، يحضّر نفسه للتدخل.وأكد قائد مجموعة الدرك الوطني، حمدوش علي، في تصريح لـ ”الخبر”، أن هذه ”الصراعات تكاد تكون في كامل بلديات ولايات الجلفة لخصوصية الملكية العقارية، لأنها أراضي عروشية، مضيفا أن كل أغلب فرق جهاز الدرك تدخلت في أكثر من مرة من أجل إطفاء نار الفتنة”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات