"الذاكرة الهادئة" بديلا لتجريم الاستعمار!

+ -

 أفضت الزيارة التي قادت وزير المجاهدين الطيب زيتوني إلى فرنسا، الشهر الماضي، إلى ما يشبه الاتفاق بين سلطات البلدين على “زحزحة” موضوع تجريم الاستعمار على أن يحل محله طرح جديد، هو “الذاكرة الهادئة”، التي تعني في مفهوم الفرنسيين تفادي النظر في المرآة العاكسة، والتوجه إلى المستقبل ببناء شراكة اقتصادية قوية.وقال المؤرخ امحند أرزقي فراد لـ”الخبر”، بخصوص احتمال وجود اتفاق ضمني بين الجزائر وفرنسا على توجيه ملف “الذاكرة”، بعيدا عن قضايا تجريم الاستعمار ودفع التعويض عن 132 سنة من الاحتلال: “طبيعي أن يؤدي وزير جزائري زيارة إلى فرنسا، بغض النظر عن حقيبته. فالأصل في العلاقة بين الدول أن تكون عادية طبيعية وودية، تصان فيها المصالح المتبادلة. لكن من جانب آخر، علاقتنا مع فرنسا خاصة جدا بالنظر إلى 130 سنة من الاستعمار الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية. ليست هي نفس العلاقة مع إسبانيا ولا مع إيطاليا ولا مع أي بلد آخر”.ويرى الباحث في قضايا التاريخ أن تطبيع العلاقات مع فرنسا “لا يمكن أن يتم دون أن تسبقه خطوة أساسية تمهد لذلك، وهي تجريم الاستعمار من جانب الدولة الجزائرية”. مشيرا إلى أنه أول من قدم مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي، في 2001 لما كان نائبا وتبنى المسعى 50 نائبا ينتمون لعدة أحزاب. غير أن المبادرة لم يكتب لها النجاح “بسبب العلاقة الحميمة التي تربط أشخاصا في النظام مع فرنسا. فالنظام لا يستمد شرعيته من الشعب الجزائري لأنه مستبد، بل يأخذها من علاقته الخاصة مع فرنسا”.  ولم يكن تجريم الاستعمار، حسب فراد، “هاجسا للسلطة، ولا أتوقع تجريم الاستعمار من طرف هذا النظام. وما يقال عن حزب فرنسا في بلادنا، ليس وحي خيال وإنما هو حقيقة. فهو إيديولوجية تتجسد في ارتباط رجال السلطة عضويا بفرنسا. أعطيك مثالا حيا: ألمانيا اقترحت مصنعا لإنتاج السيارات في بلادنا، لكن السلطة رفضت. في المقابل وافقت على أن يجمع الفرنسيون قطع غيار من رومانيا لتركيبها بالجزائر، وتسمية ذلك سيارة سامبول جزائرية. هذه صورة عن تصرفات حزب فرنسا”.ومعروف أن مسألة “الاشتغال على الذاكرة” التي أوحى الطرف الجزائري بأنها على رأس أولوياته في علاقاته مع فرنسا، في بداية حكم بوتفليقة، أظهرت أن الفرنسيين غير مستعدين للتجاوب معها وفق الوتيرة السريعة التي يريدها الشريك في الضفة الجنوبية من حوض المتوسط. وتتسم نظرة الجانبين لهذا الملف بالذات، بتباعد كبير.ففيما يرى بعض الجزائريين أن “الاشتغال على الذاكرة” يعني اعترافا صريحا من فرنسا بجرائم الفترة الاستعمارية وطلب الاعتذار على فظاعتها، يفضل الفرنسيون التعامل معه من زاوية أخرى، بحيث يقترحون فسح المجال للباحثين في تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر لتحديد بدقة إن كان ما جرى في فترة 132 من الاستعمار يستدعي توبة فرنسا وطلب الاعتذار من الجزائر.وينطلق هذا الطرح من رؤية الرئيس السابق نيكولا ساركوزي للعلاقات الثنائية في أبعادها التاريخية، فهو يقترح بديلا براغماتيا مفاده أن مصلحة الجزائريين هي الانتفاع من الشق الاقتصادي في سياسة فرنسا تجاه الجزائر، بدل التشبث بمسائل تنتمي إلى الماضي. وهذا الطرح مستمد إلى حد بعيد من قانون 23 فبراير 2005 الذي أصدره البرلمان الفرنسي، والذي اعتبر استعمار الجزائر “شيئا حضاريا وإيجابيا”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات