+ -

بدأت علامات “غياب الثقة” تظهر في علاقة رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، ومحيطه، مع الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني. ففي كل مرة يحاول الأخير التقرب من الرئيس والخوض في تفاصيل ملفاته، إلا وتظهر إشارات عكسية توقفه عند حده، وتبرز أنه لم يكن في حقيقة الأمر على اطلاع كاف بما يتحدث عنه. تشير معطيات مستقاة من بيت الأفالان إلى أن “الحذر” بات مطلوبا في كل تصريحات مسؤولي الحزب العتيد التي تتناول رئيس الجمهورية، بعد أن أثار خبر عن إمكانية لقاء بين الرئيس بوتفليقة وعمار سعداني للتشاور حول الحكومة المنتظرة بعد تعديل الدستور، غضبا عارما لدى المحيطين بالرئيس، كون هذا الأمر، برأيهم، ليس لغير الرئيس الفصل فيه.واللافت أن الخبر الذي تداولته وسائل إعلام مقربة من الأفالان، قد جرى تكذيبه فيما بعد، واعتباره مجرد تأويل غير مقصود، لأن الرئيس بوتفليقة “هو من يحدد الصيغة الملائمة، التي يراها مناسبة في مسألة تشكيل الحكومة وطريقة الاستشارة”.غير أن المثير في القضية، ليس في هذا الخبر الذي اعتمد على تفسير منطقي للدستور الجديد، يفرض على الرئيس بوتفليقة مشاورة الأغلبية في تشكيل الحكومة، ولكن في نظرة الرئيس ومحيطه إلى قضية الاستشارة رغم تضمينها في الدستور، وإفراغها من معناها باعتماد تأويلات أخرى لمعنى الأغلبية، تجعل من الأفالان مثلا، وهو صاحب أكبر عدد من النواب، مساويا لغيره من الأحزاب، فقط لأنها تساند برنامج الرئيس.هذا ما يطرح تساؤلا إن كان فعلا الرئيس بوتفليقة مؤمنا بقضية الاستشارة، ولكنه يطرح قضية أخرى لا تقل أهمية، تتعلق بنظرة الرئيس إلى الأمين العام للأفالان، ومدى استعداد بوتفليقة لاعتبار سعداني شريكا في الحكم، وليس مجرد “ملحق” في الجهاز، إلى حين النظر في أمره بعد انتهاء صلاحيته لأصحاب القرار، وذلك ليس ببعيد عن الرئيس بوتفليقة، الذي قرّب منه سعداني وجعله رئيسا للمجلس الشعبي الوطني (2004-2007) ثم أبعده تماما عن مراكز المسؤولية في الدولة والحزب.إشارة أخرى، توضح حالة “الشك” و”الحذر” التي تسود الأفالان، فمصادر متعددة تتحدث أن جمال ولد عباس، عضو المكتب السياسي في الأفالان، بات رجل الرئاسة في الحزب، وأحد الأعين التي لا تغيب عن مراقبة عمار سعداني وتصرفاته داخل الجهاز، وما يعزز هذا الطرح، وفق ذات المصادر، أن ولد عباس الذي “فرض” مؤخرا نائبا لرئيس مجلس الأمة، أصبح مقيما دائما في ديوان عمار سعداني، الغائب عن أرض الوطن، هذه الأيام، ويرجح وجوده في العاصمة الفرنسية باريس.وقد اتضح في العديد من المناسبات، قبل ذلك، أن الرئيس بوتفليقة ومحيطه، يحرصون على أخذ مسافة مما يصرح به سعداني أو يعد به، إذ كان أمين عام الأفالان يؤكد على أن الدستور الجديد سيتضمن اختيار الرئيس من الأغلبية التي يمثلها حزبه، ثم ثبت فيما بعد أن ذلك لم يكن سوى تخمينات لم تصدق، كما أن سعداني تحدث في مرات سابقة عن مواعيد للتعديل الحكومي كان الرئيس ومحيطه يتعمدون مخالفتها، وعندما أطلق أمين عام الأفالان تصريحات، فهمت على أنها مناوئة للموقف الجزائري من القضية الصحراوية، ظهر الرئيس بوتفليقة في لقاء مع الرئيس الصحراوي، محمد ولد عبد العزيز، مجددا موقف الجزائر “الثابت” من القضية.وهذا ما يبرر، على ما يبدو، تمسك عبد الرحمن بلعياط وجماعته، بخيط الأمل الذي يبشرهم دائما أن لحظة طلاق بوتفليقة بسعداني ستأتي لا محالة، إذ يقول بلعياط، وهو من أشد معارضي سعداني في الأفالان، في تصريح لـ”الخبر”، إن “الرئيس بوتفليقة كانت له أولويات سياسية شغلته عن الوضع التنظيمي للحزب، لكن ذلك لا يعني أنه راض عما يجري داخله”، مشيرا إلى أن معارضي سعداني ليسوا يائسين أبدا من تدخل الرئيس وإيقافه عملية اغتصاب مؤسسات الحزب التي قام بها سعداني في 2013 و2015”. لكن إذا كان سعداني، فرضا، غير مأمون الجانب لدى الرئيس ومحيطه، فلِمَ يتم الاحتفاظ به؟ ثمة احتمالان، الأول أن خيار سعداني اقتضته مرحلة كان فيها الرجل المناسب في معركة الرئيس للإطاحة بما تبقى من جنرالات المؤسسة العسكرية، أبرزهم الفريق المتقاعد محمد مدين، وقد أدى سعداني الدور ببراعة.. الاحتمال الثاني أن مصدر قوة سعداني ليس الرئيس بوتفليقة أو شقيقه، كما يظهر ذلك للعيان، ولكن في ولائه التام للفريق أحمد ڤايد صالح، قائد الأركان، الذي أصبح الرجل القوي في المؤسسة العسكرية، وبالتالي النظام، بعد زوال دائرة الاستعلام والأمن.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات