+ -

قبل أن نورد نماذج أخرى ننبه إلى أن العقائد والعبادات الرئيسية والسنن العملية جاءت كلها عن طريق التواتر القاطع، وأن أصول الدين وأركان الطاعات وقواعد السلوك لا يرتقي إليها لبس أو تفاوت، وإنما يحدث الخلاف في أمور ثانوية لا يضخمها إلا أصحاب الفكر المختل!ما قيمة أن يشرب امرؤ قائمًا أو قاعدًا؟ لقد جاءت مرويات شتى في ذلك! صح عن الخمسة – ما عدَا أبا داود – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ”سقيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماء فشرب وهو قائم”. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ”كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام” أخرجه الترمذي وصححه. وعن مالك أنه بلغه أن عمر وعثمان وعليًا كانوا يشربون قيامًا..وظاهر هذه المرويات جواز الشرب عن قيام، ومع ذلك فقد روى مسلم عن أنس بن مالك: قال: ”نهى رسول الله عن الشرب قائمًا”، بل رُوي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”لا يشربن أحدكم قائمًا! فمن نسي فليستقئ”!ويرى الفقهاء أن الشرب عن قيام مباح، وأنه عن قعود أفضل ولا حُرمة فيما لو شرب قائمًا.. ويخيل إلي أن الأحوال التي تكتنف المرء هي التي تحدد طريقة شربه، فلا عزيمة في القعود ولا جريمة في القيام، وإن كان بعض الفارغين يريد أن يجعل من الحبة قُبة، وأن يكثر حولها اللغو!ومن المرويات التي تحدثت فيها إحدى الإذاعات أخيرًا ما جاء في الأمور التي تبطل الصلاة، فقد تعلمنا ونحن صغار أن الصلاة لا يقطعها شيء، وأن مرور إنسان أو حيوان أمام المصلي لا يفسد صلاته، وقد أخرج الستة – ما عدَا الترمذي – عن عائشة رضي الله عنها قالت: ”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترتُ”.. وروى أبو داود والنسائي عن الفضيل بن العباس رضي الله عنهما قال: ”زارنا النبي صلى الله عليه وسلم في بادية لنا، ولنا كليبة وحمارة فصلى بنا العصر وهما بين يديه فلم يزجرَا ولم يؤخرَا”!والظاهر من هذه الأحاديث صحة الصلاة في الأحوال التي وصفتها! ومع ذلك فقد روى مسلم أن الصلاة – من غير سترة – يقطعها الكلب الأسود والمرأة والحمار، وأن الكلب الأسود شيطان! وقد استنكرت عائشة هذا الكلام، واستغربته، وذكرت ما يرده!وأغلب الأئمة أن الصلاة لا يقطعها شيء، وهم يتجاوزون حديث مسلم ولا يأخذون به!وهناك مَن أخذ به وبنى عليه مذهبه.. وقال لي أحدهم: إن السيدة عائشة لم تكن مارة بين يدي المصلي حتى تبطل صلاته! فقلتُ له ضاحكًا:  مرور المرأة أمام المصلي يبطل صلاته ونومها أمامه لا يبطلها! والأمر عندي أهون من أن تثور حوله معركة.. ولكن الذي رفضته أن يتصدى أحد أولئك المبطلين لعلم الأحياء، ويهاجم مقرراته ليقول: إن الكلب الأسود شيطان وليس كلبًا كبقية بني جنسه! قلتُ: حديث رفض العمل به جمهور الفقهاء، ولم يروه البخاري، وهو يعالج الموضوع ندخل به معركة ضد العلم باسم الإسلام والمسلمين!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات