أيها القرّاء لا تقرأوا هذا العمود حتى لا تبكوا، بدل الدمع دما، على الوضع الذي وصلت إليه البلاد، في هذه المهزلة التي حدثت في قصر الأمم يوم الأحد الماضي:1 - رئيس الجمهورية يكتب رسالة إلى البرلمان المجتمع بغرفتيه في قصر الأمم، يشكرهم فيها على تصويتهم على الدستور قبل أن يصوّتوا عليه! وبن صالح يبشرهم بأن الرئيس شكرهم على التصويت قبل أن يصوّتوا! ولم يحس لا الرئيس ولا النواب ولا بن صالح ولا حتى الأحزاب، بأن ما يقومون به يضحك العالم كله على هذا البلد الذي يمارس الحرية والديمقراطية بهذه الطريقة التعيسة في أهم قانون تؤسس عليه الأمة.الحكاية تشبه ما قام به المشير عبد الحكيم عامر، قائد جيوش العرب في 1967 في مصر، حين دعا كبار الضباط إلى حفل عشاء صاخب احتفاء بالنصر قبل النصر.. وجرى الحفل ليلة الخامس من جوان 1967.. وانتهى الحفل على الرابعة صباحا... ولكن إسرائيل هجمت على مصر يوم 5 جوان 1967 على الخامسة صباحا... فكسرت كل شيء، والمشير المحتفل بالنصر قبل النصر ما يزال نائما! ولهذا حذر الرئيس بوتفليقة من مغامرة شعبية خطيرة.2 - بن صالح يشكر الرئيس بوتفليقة على أنه اختار البرلمان بغرفتيه ولم يختر الشعب لتمرير الدستور، ولسنا ندري هل كان بن صالح يعي ما يقول عندما نطق بهذا، مثمّنا برلمان الحفافات على الشعب.كل الناس الذين يعرفون بن صالح، يعرفون بأن إمكانياته محدودة، فقد اشتغل معنا في “المجاهد الأسبوعي” سنة 1971 كمراسل للصحيفة من سوريا، حيث كان طالبا هناك، وعندما كان يأتي إلى الجزائر في العطلة الصيفية يحضر معنا اجتماعات التحرير تحت رئاسة محمد الميلي، وكان يتحدث بالشامية، وكنا نضحك على تصرفاته... والزميل عبد المجيد بن حديد، كان رئيس تحرير الجريدة، يشهد بذلك، وهو اليوم مستشار بن صالح لشؤون الإعلام، هكذا والله! ومن أطرف ما حدث لبن صالح أنه عندما كان مديرا لجريدة “الشعب”، في السبعينيات، دخل في عراك مع عمال المطبعة الذين استصغروا إمكانياته في إدارة الجريدة، فارتكبوا أخطاء مطبعية متعمدة لإبعاده من إدارة الجريدة ومنها: “الرئيس بومدين يعقد اجتماعا بقصر المؤامرات” بنادي الصنوبر، والمقصود قصر المؤتمرات. و”الكاردنال بومدين يستقبل الرئيس دوفال”، وغيرها من الأخطاء، لكن اليوم بالفعل قصر المؤتمرات بنادي الصنوبر يتحوّل إلى قصر للمؤامرات بشهادة بن صالح نفسه !3- المقررة داليا من برلمان ولد خليفة، قالت دون أن تعي ما تقول مثل بن صالح: “إن الدستور يعبّر عن إرادة رئيس الجمهورية”! وبدت وهي تقرأ تقرير اللجنة حول مشروع تعديل الدستور، كما لو كانت الدوالي قد أثمرت في دمها، كما تقول أم كلثوم.. ولهذا ترى أن الدستور جيد لأنه يعبّر عن إرادة الرئيس وليس الشعب.4- من أطرف التعديلات المهمة التي جاءت في تعديلات “داليا” وأخواتها الحفافات، أن المادة 100 تنص على أن النواب يضعون أنفسهم تحت طائلة العقاب إذا تغيبوا عن الجلسات! تماما مثل تلاميذ الابتدائي إذا غابوا عن الدروس يعاقبون.. تصوّروا إذا غاب النائب عن الجلسات يقال له “جيب أمك الويزة حنون، أو أبوك أويحيى أو سعداني كي تدخل البرلمان مرة ثانية!”.والحديث عن الغياب ودسترته لا يوجد إلا في دستور الجزائر... ومستقبلا سيدستر غياب الوزراء عن مجلس الوزراء، ويدستر غياب الرئيس عن الرئاسة، عندما يصل النواب الحفافات إلى مجلس الوزراء والرئاسة تطبيقا لتحرير المرأة وترقيتها بالكوطا.5- الوزير الأول سلال بدأ يتحدث عن برنامج الرئيس الجديد المتعلق بالدستور، ويطلب من النواب الحفافات مساعدته على تنفيذه، بعد أن أصيب برنامج الرئيس الاقتصادي بالجلطة البترولية وأصيب بالشلل. ومن منجزات الدستور الرئاسي هذا هو رفع عدد أعضاء المجلس الدستوري من 9 رهط إلى 12! تحسبا لإنجازات الرئيس في مجال القانون والدستور في الأعوام القادمة.6 - هل من الصدفة أن بن صالح لم يحسن حساب النواب الذين صوّتوا بلا، والذين امتنعوا عن التصويت، والذين غابوا ولم يتحدث عنهم ولو بالإشارة !مشكلة هذا النظام أنه أصبح ينتج المهازل التي تزيد في متاعبه لدى الرأي العام، ويقدمها على أنها من إنجازاته.كل الشباب الذين شاهدوا مهزلة قصر الأمم، حول تعديل الدستور، شرعوا في البحث بجدية عن طريقة لتنفيذ مشروع الحرڤة، تفاديا لمشروع حرڤ البلاد الذي حذر منه الرئيس في رسالته.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات