في هذا الزمن الرديء، تجتمع الرداءة بأسمى معانيها في قصر الأمم، لتقر أسوأ وثيقة دستورية أخرجت للناس في جزائر الاستقلال... وثيقة تكرّس إطلاق يد الرئيس ليفعل بالبلاد ما يشاء.. ولا يسائله أحد.في هذا الوقت، يفكر المجاهد المسجون، الجنرال بن حديد، في شن إضراب عن الطعام وعن تناول الدواء، لينهي حياته “منتحرا” بطريقته الخاصة، كالبوعزيزي في تونس.. احتجاجا على هذه المظالم السياسية التي ترتكب في جزائر الاستقلال.. باسم الفخامة التي أصبحت تلامس حدود الجلالة!بن حديد يُسجن بسبب قول رأيه في تسيير بلاده.. ونواب آخر الزمان يصوّتون على دستور ويقولون إنه نقلة نوعية نحو الحرية.. أي حرية هذه التي يتحدثون عنها؟!وبعيدا عن مهازل قصر الأمم والبرلمان بغرفتيه، وما يرتكب باسم الشعب من مناكر تشريعية، يصدر وزير الدين تعليماته إلى مدير الدين في ولاية الجزائر لتقييم أداء العلامة الجزائري الطاهر آيت علجات، الذي أفنى عمره في خدمة الدين! فيأتي أمثال هذا الوزير في حكومة سلال ليقيّم أداءه العلمي، ويحكم عليه ربما بتوجيهات من الوهابية؟! أليس من حق بن حديد أن ينتحر في زنزانته بالإضراب عن تناول الدواء ويلتحق به الشيخ الفذ العلامة الطاهر آيت علجات، فينتحر في محرابه، حتى لا يريا مثل هذه المهازل التي تحدث في البلد، وهما المجاهدان!في بداية الثمانينيات، عقد الشاذلي بن جديد اجتماعا في قصر الأمم، تحدث فيه عن الفساد الذي استشرى في البلاد.. وأعطيت الكلمة للمرحوم أحمد حماني فقال للشاذلي.. لا يمكنك ياسيادة الرئيس أن تحارب الفساد بالقانون وحده، مادمتم قد تخليتم عن محاربة الفساد وأكل الحرام بالدين! إنه من الأنفع للأمة أن تكوّن جيلا لا يسرق لأن الله يراقبه ويعاقبه، وليس العمل على تكوين جيل بنظام تعليم يدعو الناس إلى عدم ارتكاب الحرام لأن القانون يعاقبهم.. فشتان بين من لا يسرق خوفا من الله، ومن لا يسرق خوفا من القانون والرئيس.. وأشهد أن إطارات الأمة حيّت حماني بالتصفيق وقوفا، واضطر الشاذلي إلى الوقوف معهم تحية لأحمد حماني..اليوم يُهان ما تبقى من رموز هذه البلاد أمثال آيت علجات وبن حديد، في يوم بؤس ورداءة، سيكتب التاريخ أنه حدث تحت الرعاية السامية لرئيس لا يستطيع حتى ممارسة الرعاية السامية لهذه المهزلة التي تتم باسمه وتحت رعايته. انتحر ياجنرال بن حديد، والتحق به أيها الشيخ آيت علجات.. فهذا أفضل.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات