+ -

 المضحك أنّ دعاة العروبة لا يُحسنون لغتهم، ممّا أكّد عندنا أنّ دعاة هذه القومية العربية سماسرة غزو أجنبي، وأنّ علاقتهم بالعربية ومآثرها ومواريثها علاقة مزوّرة، وأنّهم قنطرة صنعت عمدًا لتعبر عليها أديان وفلسفات وقوميات أخرى!أقترح تكوين لجنة تختار ألف كلمة عربية مثلاً ممّا يحتاج المرء العادي إليه في البيت والسّوق والشّارع والوظيفة والعبادة..إلخ، وأن يكون أساس الانتماء لهذه الكلمات ترك المترادفات –وهي في لغتنا كثيرة-  وإيثار الثلاثي على الرباعي إن أمكن، وأخذ الكلمات المنضبطة تحت قاعدة في تصاريف الأفعال وفي جموع التّكسير –وهي في لغتنا معقّدة- وتفضيل ما استعمل في الكتاب والسُّنّة، وتفضيل ما سهل على اللّسان من المدارس النّحوية المختلفة ويمكن الاستعانة بالصّور وآلات ضبط النّطق.ويبدأ المعنيون بتعليم المسلمين الأعاجم، وإن كان التّخطيط يبدأ بمشروع شامل، لنشر العربية بين أبنائها وبين المسلمين الّذين لا يعرفونها، وبين الأجانب عامة بعد ذلك.إنّ هذا اقتراح ساذج، وما أريد إلاّ بدء العمل فورًا، فلغتنا في خطر! وعند المتخصّصين طرائق شتى، والمهم هو أن نغار على لغتنا وتراثنا، وأن يقف الزّحف المروّع الذي يكاد يجتاحنا من كلّ ناحية.إن أناسًا من قادة هذه الفترة العجفاء من تاريخنا، يتناولون السّاسة القدامى بالهزء! وقد سمعتُ بعضهم يضن على سعد زغلول بلقب الزعامة وأنا لا صلة لي بسعد أو بغيره، ولكنّي أعلم أنّ سعد لمّا تولّى وزارة المعارف في مصر كان التعليم في المراحل الأولى باللّغة الإنجليزية، كان كتاب الحساب المقرّر على الصفّ الابتدائي تأليف مستر ”تويدي”! وكذلك سائر العلوم، فألغى سعد هذا كلّه وأمر أن تُدرَّس المقرّرات كلّها باللّغة العربية وأن توضع مؤلّفات جديدة باللّغة القومية! وبذلك المسلك النّاضج حفظ على مصر عروبتها. لقد كانت في سعد زغلول بقيّة من ثقافته الأزهرية الإسلامية، جعلته يفعل ما يفعل! قال لي أحد النّاس إنّ سعدًا اقترف كذا، قلتُ له: إن كان لابدّ من اختيار أحد الشرّين، فلنرتكب أخفّ الضررين! إنّ سعدًا –غفر الله له- أحسن إلى جيلنا كلّه بجعلنا عربًا...والمطلوب الآن، هل يستطيع رجل أن يفعل ما فعل سعد، فيُعرِّب التّعليم الجامعي، إنّه إنجليزي في أقطار، فرنسي في أقطار، روسي في أقطار... ولا توجد صيدلية عربية ولا طب عربي!! إلخ.هل من زعيم شجاع غيّور يبدأ هذا العمل ويُتمّه في عشر سنين؟!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات