لم يتردّد الآلاف من السوريين اللاجئين في مختلف دول وبقاع العالم، لاقتطاع تذاكر العودة إلى سوريا، البلد الأم الذي أجبر أكثر من نصف سكانه، أي ما يزيد عن 8 ملايين مواطن، على فراق ترابه في أعقاب الحرب المريرة التي شهدتها البلاد منذ 2011، لكن بالنسبة للجزائر، فالأمر ليس بهذه البساطة، ولعلّ قرار العودة إلى الديار بات اليوم أكثر صعوبة من الرحيل نفسه.
بمجرد الإعلان عن سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وفراره إلى روسيا، بعد استمرار حكم هذه العائلة المتهمة بـ"ارتكاب جرائم ضد الإنسانية" لما يزيد عن 54 سنة، حتى انتعشت الرحلات المتوجهة من مختلف عواصم ومدن العالم نحو سوريا، تحمل معها آمالا وأحلاما بغد مشرق، تبنى فيه الدولة من جديد بسواعد أبنائها وبناتها، الذين عزموا على طي صفحات الماضي بكل آلامه وأوجاعه، والتوجه نحو إرساء دولة القانون والعدل، دولة سوريا العربية لجميع السوريين.
ومن جهته، دعا رئيس وزراء الحكومة السورية المؤقتة، محمد البشير، اللاجئين السوريين في جميع أنحاء العالم إلى العودة إلى وطنهم. وقال البشير في مقابلة مع صحيفة "كوريير ديلا سيرا" الإيطالية، تم نشرها الأربعاء المنصرم: "ندائي موجه إلى جميع السوريين في الخارج: سوريا الآن بلد حر، استعاد كرامته، عودوا".
وتعوّل الحكومة المؤقتة على اللاجئين العائدين لمساعدة بلدهم على التعافي من تبعات الحرب التي مزقتها، ويمكن أن يضطلع هؤلاء بدور مهم من خلال التجربة والخبرة التي اكتسبوها في الخارج في جميع الميادين. بين التشجيع على العودة والدعوة للتريث تركيا.. البلد الأكثر استقبالا للاجئين السوريين بحكم التقارب الجغرافي، بنحو 3,7 ملايين سوري وافد إليها بعد اندلاع الحرب الأهلية، أحصت عودة 7 آلاف و621 سوريا إلى بلدهم تباعا عبر المنافذ البرية، خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 13 ديسمبر الجاري، حسب ما كشف عنه وزير الداخلية التركي، علي يرلي قايا.
وقد سارعت العديد من الدول الأوروبية، واحدة تلو الأخرى، إلى تعليق البت في طلبات لجوء السوريين، بعد أن سيطرت المعارضة على البلاد، على غرار فرنسا والمملكة المتحدة والسويد والدانمارك.
واعتبرت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، أن "نهاية الاستبداد الوحشي للديكتاتور السوري الأسد هي مصدر راحة لكثيرين ممن عانوا التعذيب، القتل والإرهاب"، مشجعة أزيد من مليون سوري متواجد بالأراضي الألمانية، على العودة إلى وطنهم الأم وإعادة بناء بلادهم، في تصريح يتعارض مع موقف مستشار البلاد، أولاف شولتس، الذي أظهر عدم رغبته في إعادة أي لاجئ سوري مندمج بشكل جيد في ألمانيا. وقال شولتس في مدونة صوتية، إن أي شخص مندمج جيدا ويتحدث اللغة الألمانية ولديه عقد عمل يمكنه أن يشعر بالأمان في ألمانيا، وأضاف: "هذا ينطبق أيضا على السوريين.. لن نطلب منهم ترك وظائفهم والرحيل".
أما المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، فقد دعت إلى إظهار "الصبر واليقظة" في شأن قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد إسقاط نظام بشار الأسد.
وقال المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، في بيان، بحر الأسبوع المنصرم، إن "المفوضية تنصح بإبقاء التركيز على قضية العودة" وتأمل أن تسمح التطورات على الأرض بـ"عمليات عودة طوعية وآمنة ودائمة، مع لاجئين قادرين على اتخاذ قرارات واضحة".
الجزائر.. موطن اتّسع صدره للسوريين
بالنسبة لعودة اللاجئين السوريين المقيمين في الجزائر إلى بلدهم ليست بالأمر السهل، ولا بالقرار الذي يمكن اتخاذه في ساعة فرح ببداية مرحلة جديدة في تاريخ سوريا، ومسؤوليتهم في بناء بلدهم ولملمة جراحه، بحيث تراقب الجالية السورية التطورات الحاصلة ببلدها الأم، باهتمام كبير على أمل أن تجد الفرصة لزيارته مجددا بعد كل هذه السنوات من الغياب، فيما تغيب وبشكل شبه كلي فكرة مغادرة الجزائر نهائيا في الوقت الراهن.
وخلال احتفالية بمقر السفارة بالعاصمة، أكد رئيس الجالية السورية في الجزائر، عدنان البوش، في تصريح صحفي، أن جزءا من الجالية السورية في الجزائر، قد يفكر في العودة إلى البلاد في وقت لاحق، موضحا إن "نصف الجالية السورية ربما يفكر في العودة للاستقرار في سوريا".
"لقد أحضرت أطفالي إلى الجزائر في 2014، بسبب الأوضاع غير المستقر ببلدنا، وقد كبروا اليوم وانتقلوا من المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية بالجزائر، ويتلقون تعليمهم العالي بالجامعة الجزائرية، وقد اعتدنا على العيش هنا، يمكن أن نذهب في زيارة إلى سوريا لرؤية الأهل بعد استقرار الأوضاع، لكن مسألة العودة النهائية غير مطروحة بالنسبة لعائلتي"، يقول أحد اللاجئين السوريين في تصريح صحفي.
ومن جهته، يقول أحد الطلبة السوريين المقيم بمدينة خنشلة: "إن الرجوع إلى سوريا سيكون مجرد زيارة لأهلي وعائلتي، لكن دراستي ومستقبلي هنا في الجزائر، أنا أرى مستقبلي هنا".
ويقدر الناشط في الجالية السورية في الجزائر والعضو بالمنظمة الدولية لحقوق الإنسان، بسام فروخ، عدد الجالية السورية بين 35 و40 ألف سوري، يعملون في قطاعات مختلفة، معتبرا أن التساهل مع اللاجئين السوريين بسبب ظروف الحرب، خلق حالة من الثقة لدى الأخيرين في الدولة الجزائرية، التي أعلنت منذ عام 2012، أن السوريين في الجزائر ليسوا لاجئين وهم مواطنون في وطنهم، وهذا في الحقيقة سهّل كثيرا الاندماج الاجتماعي بسب العلاقة التاريخية بين الشعبين، وبعض العائلات أنجبت أبناء لها في الجزائر منذ 12 سنة، ولدوا في الجزائر ودرسوا في الجزائر.
ويضيف فروخ أن "الوضع المرحلي في سوريا، من الصعب أن يدفعهم إلى التفكير في العودة إلى سوريا في الوقت الحالي، وخلال النقاشات مع أفراد الجالية، يقولون إن مسألة العودة ليست مطروحة في الوقت الحالي، لكن في المرحلة المقبلة ممكن ذلك، الجميع ينتظر ترتيب الأمور في الداخل السوري، بسبب التجربة الصعبة التي عاشوها قبل الوصول إلى الجزائر".
"نأمل أن تكون المرحلة المقبلة تسير في طريق الخير، أنا هنا منذ 2010، أنا أعتبر نفسي جزائريا، لا يمكنني التخلي عنها، بكل تأكيد سأزور أبي وأمي في سوريا باستمرار، لكن لن أترك الجزائر"، يؤكد صاحب مطعم للأكل السوري، في تصريح لإحدى القنوات الخاصة، فيما لم تخف تعابير وجهه ذلك التعلّق الكبير بالجزائر، وهي الأم الحاضنة التي التزمت منذ اللحظات الأولى لبداية الحرب في سوريا بفتح أبوابها، شعبا وحكومة، لاحتضان الآلاف من السوريين الذين وجدوا هنا برّ أمان ومنزلا كريما.
ومن جانب آخر، تعتبر فئة كبيرة من الجزائريين أن المهاجرين السوريين نموذج فريد، ليس بسبب الاحترام الذي يولونه للمجتمع فقط، ولكن للدور الذي باتوا يلعبونه أيضا، لاسيما ما يتعلق بنشاطهم التجاري المتنوع بين الصناعة النسيجية، والإطعام، وما نتج عنه من خلق مناصب شغل عديدة للسوريين وللجزائريين كذلك.
وبلغة الأرقام، تذكر وزارة التجارة وترقية الصادرات أن "الشركات السورية قفزت للمرتبة الثالثة مع نهاية 2021، بعد التركية والفرنسية في مجال الاستثمار الأجنبي بنسبة 11 في المئة، وأنه بالنسبة إلى فئة التجار الطبيعيين الموجودين في الجزائر، فقد احتل السوريون المرتبة الأولى بنسبة 30 في المئة".
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال