الوطن

"فرنسا انتهكت حرمة الشخصية القنصلية"

القانون الدولي يكفل للجزائر اتخاذ الرد المناسب.

  • 6461
  • 3:47 دقيقة
الصورة : ح.م
الصورة : ح.م

أكد أستاذ القانون الدولي قرنان فاروق أن القانون الدولي يتيح للجزائر كدولة متضررة من قضية اعتقال موظفها القنصلي في باريس اتخاذ ما تراه مناسبا من التدابير المضادة من أجل إلزام فرنسا بإيقاف فعلها غير المشروع، من بينها استدعاء السفير، المعاملة بالمثل، بالإضافة إلى الإجراءات التصعيدية الأكثر قوة مثل فرض العقوبات أو قطع العلاقات.

وفي قراءة قانونية لخطوة القضاء الفرنسي، أوضح أستاذ القانون الدولي بجامعة الجزائر 1 قرنان فاروق، في تصريح لـ"الخبر"، أن الموظف القنصلي يتمتع بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لسنة 1963 بحرمة شخصية تمنع الدولة الموفدين إليها من إخضاعه للاعتقال أو التوقيف الاحتياطي، وهو ما نصت عليه بوضوح المادة 41 فقرة 1 من الاتفاقية، مستدركا أن "هذا النص جاء تكريسا لممارسة عرفية طويلة وراسخة بين الدول نظرا لأهمية الوظيفة القنصلية وحساسيتها في تقديم الخدمات لرعايا الدولة المتواجدين في الدولة الموفد إليها والتدخل من أجل حمايتهم في حالات الطوارئ".

ولفت المتحدث إلى أن نص المادة 41 من الاتفاقية جاء باستثناء يبيح للدولة الموفد إليها اعتقال الموظف القنصلي أو توقيفه احتياطيا حينما يتعلق الأمر بالجرائم الخطيرة مثل الجرائم التي يتم تكييفها على أنها أعمال إرهابية، وهو ما استندت عليه النيابة العامة الفرنسية لمكافحة الإرهاب من أجل تبرير وضع الموظف القنصلي الجزائري رهن الحبس المؤقت، غير أن عملية الإيقاف شابتها مخالفات جسيمة لأحكام اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية.

وفي هذا السياق أشار الدكتور قرنان إلى أن توقيف الموظف القنصلي في قنصلية كريتاي جاء مخالفا لما جاءت به المادة 42 التي تلزم الدولة المضيفة بالتبليغ الفوري لرئيس البعثة القنصلية بمجرد تعرض أحد الموظفين القنصليين المنتمين إلى بعثته للتوقيف الاحتياطي، وهو الالتزام الذي أخلت بها فرنسا، حسب ما جاء في بيان الاحتجاج الصادر عن وزارة الشؤون الخارجية يوم 12 أفريل 2025، كما أن التوقيف لم يراع أيضا الالتزام بمراعاة المركز الرسمي وتفادي عرقلة الموظف القنصلي من القيام بمهامه، لاسيما في ظل هشاشة الحجج القانونية التي قامت بتقديمها السلطات الأمنية في فرنسا لتبرير إقدامهم على العمل الخطير الذي يساهم في تعكير العلاقات بين الدولتين.

ولفت قرنان إلى أن قيام وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية بإصدار بيان احتجاج واستدعاء السفير الفرنسي كان ردا أوليا طبيعيا من أجل إبلاغ السلطات الفرنسية امتعاض الجزائر وعدم قبولها الانتهاك الذي تعرض له أحد موظفيها القنصليين من جهة ومطالبتها بإيقاف هذا الانتهاك الذي يشكل فعلا غير مشروع بموجب القانون الدولي من جهة أخرى، مبينة حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بالعلاقات بين الدولتين بسبب ذلك.

وأوضح المتحدث أن الاحتجاج في الممارسة الدولية يعتبر مرحلة لها ما يليها، فالقانون الدولي يتيح للدولة المتضررة أي الجزائر اتخاذ ما تراه مناسبا من التدابير المضادة من أجل إلزام الدولة المتسببة في الضرر فرنسا بإيقاف فعلها غير المشروع، وقد يشمل ذلك تصرفات كثيرة من بينها استدعاء السفير، المعاملة بالمثل، بالإضافة إلى الإجراءات التصعيدية الأكثر قوة مثل فرض العقوبات أو قطع العلاقات.

اتهام مبطن

وفيما يتعلق بموضوع القضية قال الدكتور قرنان إن "اتهام السلطات الفرنسية الموظف القنصلي الجزائري بمحاولة اختطاف شخص في الأراضي الفرنسية يطرح الكثير من التساؤلات، فالشخص المعني تم إدراجه في القائمة الوطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية بموجب قرار صادر عن لجنة تصنيف الأشخاص والكيانات الإرهابية سنة 2022".

ولفت المتحدث إلى أنه من المعروف أيضا في القانون الدولي أن المسؤولية عن الأفعال الصادرة عن الموظفين المنتمين إلى إحدى سلطات الدولة تنسب إلى الدولة نفسها، فهذه القضية قد تحمل اتهاما مبطنا من فرنسا للجزائر بالوقوف خلف محاولة القيام بعمل إرهابي بناء على تكييف تعسفي للواقعة المزعومة (الاختطاف) وأدلة ضعيفة وفي غاية الهشاشة، وهو ما يطرح، حسبه، تساؤلا مشروعا حول صدق نية بعض الأطراف بفرنسا في إعادة بعث العلاقات الثنائية بالشكل الذي اتفق عليه رئيسا الدولتين مؤخرا.

وتابع قرنان: "من أجل ذلك، جاء في بيان وزارة الشؤون الخارجية الأخير إشارة واضحة إلى سوء نية بعض الجهات في فرنسا (اليمين المتطرف) وعملها على تعطيل وعرقلة وتعكير العلاقات بين الدولتين، كما اغتنم البيان الفرصة لتذكير السلطات الفرنسية بالتزاماتها بموجب الاتفاقيات الثنائية سارية المفعول بين الدولتين فيما يتعلق بتسليم المجرمين، لاسيما اتفاقية تسليم المجرمين التي دخلت حيز النفاذ بين الدولتين سنة 2021، نظرا لرفض السلطات الفرنسية جميع الطلبات التي تقدمت بها الجزائر من أجل تسليم الشخص ضحية محاولة الاختطاف المزعومة، وهو ما يمنح الجزائر الحق في المعاملة بالمثل ويمكن أن يؤثر بالتالي على تنفيذ اتفاقيات التعاون القضائي بين الدولتين في المستقبل".

وختم المتحدث مؤكدا أن هذا العمل الاستفزازي يأتي في سياق سلسلة طويلة من التصرفات المشابهة التي أسهمت في تعكير صفو العلاقات الجزائرية الفرنسية، وفي فترة بذلت فيها جهود كبيرة من أجل تحسين العلاقات بين الدولتين وإعادة بعثها، وهو ما يعكس، حسب المتحدث، عجز السلطات الفرنسية عن إيقاف الأطراف المعادية للجزائر، ويساهم في نفس الوقت في تقوية موقف الأطراف المعادية لفرنسا في الجزائر، ما قد يؤدي إلى عرقلة الجهود الرامية إلى إصلاح العلاقات بين الدولتين.

التواصل الاجتماعي

Fermer
Fermer