يقدم الدبلوماسي الصحراوي، ماء العينين لكحل في هذا الحوار مع "الخبر"، قراءة للزيارة الأخيرة التي قام بها ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، إلى المنطقة.
كيف تقرأون تصريح دي ميستورا بأن الأشهر الثلاثة سيعرف ملف الصحراء الغربية زخما جديدا، هل هناك مؤشرات تدفع نحو تغير في نسق التعاطي مع الملف دوليا؟
قراءتي للموضوع مختلفة تماما، وما أراه هو أن تصريح المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا يشير إلى الإدراك المتزايد داخل الأمم المتحدة، خاصة داخل الجمعية العامة ولكن أيضا مجلس الأمن، أن الوضع الراهن في الصحراء الغربية لم يعد مقبولا، خاصة بعد استئناف جبهة البوليساريو الكفاح المسلح في نوفمبر 2020 وعودة النزاع إلى المربع الأول نوعا ما، وهو ما فضح تقاعس المنتظم الدول والأمم المتحدة الهائل في حل نزاع تصفية استعمار واضح المعالم ولا لبس فيه، أطرافه واضحة وهي دولة الاحتلال العسكري المعتدية وجبهة البوليساريو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي المالك الحصري للسيادة على الصحراء الغربية.
هذا الزخم وهذا القلق إذا أردتم في تعامل المغرب وبعض الدول التي تسانده، لاسيما فرنسا، يعكس ضغطا دوليا متصاعدا لإيجاد حل يمكّن الشعب الصحراوي من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير لأن العالم الآن يعيش على صفيح ساخن في أكثر من بؤرة توتر عالمية، تؤثر جميعها بشكل أو آخر على الأمن والسلم الدوليين وتؤثر بالخصوص على الاقتصاد العالمي الهش حاليا بسبب كثرة النزاعات وبسبب فقدان أهم القيادات الدولية للمصداقية وللإقناع، حيث باتت دول تدعي أنها عظيمة تمارس نوعا من السياسة والدبلوماسية التي لا يمكن وصفها إلا بالمراهقة وغير العقلانية.
إذا بخلاصة، أرى شخصيا أن كل هذا القلق دليل على أن قضية الصحراء الغربية لم تعد كما كان يصفها البعض بالنزاع منخفض التوتر ولا بالمنسي، بل هي قضية أساسية في صلب التعاطي والتفاوض العالمي وعلى أعلى المستويات، وهذا لا يمكن إلا أن يؤدي إلى حلحلة الوضع نحو الأفضل بإذن الله.
هل للموقف الأمريكي علاقة بهذا الزخم؟
الموقف الأمريكي، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو، يظهر تذبذبا في السياسة الأمريكية تجاه القضية الصحراوية. فبينما اعترفت إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في التويتر المشهور سنة 2020، إلا أنه لم يُترجم قط إلى دعم فعلي داخل الأمم المتحدة، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة إما أنها ليست مهتمة بصفة خاصة وعميقة بهذا النزاع، وبالتالي لا تريد أن تتورط فيه أعمق من تورطها الحالي، أو أنها لا ترى أي مصالح حقيقية قد تعود عليها من مثل هذا التورط، خاصة إذا ما علمنا أن المملكة المغربية ليس لديها ما تقدمه فعليا للعملاق الأمريكي، لا ثروات طبيعية ولا وزن سياسي دولي ولا حتى تأثير على العالم العربي أو الإفريقي، ويكفي هنا التذكير بالفشل الذريع للدبلوماسية المغربية في الاتحاد الإفريقي خلال السنوات الأخيرة، وهذا يمكن أن يكون سببا آخر هو عدم قدرة الولايات المتحدة حاليا على فرض رؤيتها الأحادية على المجتمع الدولي الذي بات بحق عالما متعدد الأقطاب ومفتوحا على جميع الاحتمالات.
ورغم ذلك، لا يمكن تجاهل الموقف الأمريكي وأهميته، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تبقى حامل القلم في صياغة القرارات المتعلقة بالنزاع داخل مجلس الأمن، وهذا بالمناسبة ضرب آخر من ضروب التناقض، لأن الولايات المتحدة الأمريكية إذا كانت فعلا تعترف نهائيا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية فكيف يمكنها أن تكون مسؤولة أو محايدة في اقتراح أي صياغة لقرارات الأمم المتحدة التي لا تعترف بهذه السيادة، بل وتعترف بأن المغرب قوة احتلال وأن الحل ينبغي أن يشمل تقرير المصير.
كيف تقرأون دعوة دي ميستورا المغرب، مدعما الطلب الأمريكي، لتقديم تفاصيل أكثر عن مخطط الحكم الذاتي؟ الإعلام المغربي صور ذلك بأنه تحضير أممي لجعل الحكم الذاتي أرضية للمفاوضات المقبلة، ما رأيكم؟
هذا الطلب في حد ذاته هو دليل واضح على تهافت وتناقض الموقف الأمريكي وموقف أي دولة تدعم هذا الحكم الذاتي المزعوم، فحتى الأمريكان والأمم المتحدة لا يعلمون شيئا عن تفاصيل أو فكرة هذا المخطط الذي صمَّت به المغرب وفرنسا آذان العالم منذ 2007، وبالتالي أفهم من طلب دي ميستورا من المغرب تقديم تفاصيل إضافية حول مقترح الحكم الذاتي بأنه محاولة منه لتحريك الملف التفاوضي، وعلى الأقل فهم ماهية الحكم الذاتي لأن خيار الاستقلال في استفتاء عادل وحر مفهوم للجميع كخيار، وبالتالي، في نظري المتواضع، لا يعني هذا الطلب بتاتا تبني الأمم المتحدة لهذا المقترح كأرضية وحيدة للمفاوضات لأن هذا التبني مستحيل، فهو غير قانوني وغير منطقي وغير واقعي، وهو انتهاك تام ونهائي لأبسط مقتضيات القانون الدولي وضرب لحق كل شعوب المعمورة في تقرير المصير والاستقلال. وعلى العكس تماما، أعتقد أن طلب دي ميستورا سيضع المملكة المغربية في حرج حقيقي، فعليها الآن أن تفصل في مشروعها للحكم الذاتي وأن تطرح حججها القانونية التي تبرر القبول بهذا الخيار، وأكثر من ذلك عليها أن تبين للعالم كيف ستدرج هذا الحكم الذاتي في دستورها الذي يسن على ملكية شمولية يحكم فيها الملك ويسود وحده. وأكثر من ذلك وأخطر هو أنه سيكون على المملكة الآن أن تشرع في تفكيك بنيتها الإدارية والسياسية وأن تمنح من الآن حكما ذاتيا أو استقلالا لمنطقة الريف ولمراكش ولسوس، وربما حتى لما تسميه الآن جنوب المغرب وأسميه شخصيا المناطق الشمالية المغتصبة من الصحراء الغربية منذ خمسينيات القرن الماضي والتي لم يشملها للأسف الشديد قرار الجمعية العامة 1514.
على كل حال، ينبغي أن نذكر الجميع بأن جبهة البوليساريو لم ترفض بتاتا أن يتم إدراج الحكم الذاتي كخيار مع خيار الاستقلال بشرط أن يستفتى الشعب الصحراوي وحده ليختار لنفسه ما يريده مستقبلا لوطنه ولبلاده، لأنه كما أسلفت هو المالك الحصري والوحيد للسيادة على أرض وبحر وسماء وثروات الصحراء الغربية وليس المغرب ولا الأمم المتحدة ولا أمريكا أو فرنسا التي يبحث المغرب عن السيادة عندهما، متناسيا أنهما لا يملكان ما يريده منهما.
قال دي ميستورا في إحاطته "نؤكد على أهمية التفاوض الفعلي بين الأطراف، بما يستوجب توفير آلية موثوقة لتقرير المصير"، كيف قرأتم التصريح؟
نعم، هذا هو بالضبط ما رميت إليه، تصريح دي ميستورا يريد التأكيد أن الأمم المتحدة حتى الساعة لم تنجح بتاتا في تسهيل تفاوض حقيقي بين طرفي النزاع، وذلك أمر واقع لأن المغرب رفض دائما الالتزام بقواعد التفاوض ووضع دائما العراقيل والشروط المسبقة لأي تفاوض، مدعيا أنه لن يتفاوض إلا على مقترحه غير الشرعي والمرفوض من قبل الشعب الصحراوي منذ 1974، تاريخ سعي الدولة الإسبانية لاقتراح حكم ذاتي للصحراء الغربية تحت الحكم الإسباني، وبالتالي دعوة دي ميستورا مشروعة ومنطقية، حيث إنه يريد دعم المجلس له لفرض عقد مفاوضات حقيقية، مبنية على القانون الدولي، للخروج بحل مبني على القواعد ذات الصلة المتعلقة بتصفية الاستعمار ولتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير كما تقول كل قرارات الجمعية العامة منذ الستينيات ومجلس الأمن منذ السبعينيات. وعليه، فالجميع يدرك أن كل هذه البهلوانيات السياسية والدبلوماسية والإعلامية المغربية لا يمكن بتاتا أن تنجح في تفادي حقيقة بسيطة مفادها أن ممارسة تقرير المصير لا يمكن إلا أن تكون عبر استفتاء للشعب الصحراوي. ليس هناك أي حل آخر اللهم إلا إذا أدرك المغرب أن عليه ببساطة التفاوض مع جبهة البوليساريو على شروط الجلاء والانسحاب من كافة أراضي الصحراء الغربية، كما اقترحت الجبهة بالمناسبة في مقترحها منذ 2007، وهو المقترح الذي يذكر في نفس الفقرة دائما مع المخطط المغربي في كل قرارات مجلس الأمن. هذا أيضا يمكن أن يكون حلا واقعيا ومقبولا للطرفين، يسمح للشعب الصحراوي بممارسة حقه في تقرير المصير وفي نفس الوقت يحفظ للمغرب ماء الوجه لأنه سيكون انسحابا بإرادته ووفق تفاهمات اقتصادية، سياسية، وأمنية واضحة ومضمونة من المنتظم الدولي.
المغرب يقول إنه في طريق حسم القضية لصالحه بعد توالي الاعترافات الداعمة لمقترحه وسيادته على الصحراء، خاصة بعد الموقفين الإسباني والفرنسي وحاليا الموقف الأمريكي بعد تصريحات روبيو، ما هو ردكم؟
هذا هو نفس الادعاء الذي أطلقه شارل ديغول في خمسينات القرن الماضي حول ملكية الدولة الفرنسية للجزائر، وهو نفس كلام وتصريحات سلطات "الأبارتايد" في جنوب إفريقيا وناميبيا والأمثلة على ذلك كثيرة. تصريحات استعمارية مفهومة، لأن سلطة الاحتلال ومنطق الاستعمار لا يملك أي شرعية ولا يستطيع الحصول على أي شرعنة لاحتلاله، وبالتالي يبحث عن هذه الشرعية والشرعنة لدى قوى أكبر منه طمعا في دعمها ومساندتها له. ولكن ما ينبغي التذكير دائما به هو أن فرنسا لا تملك الصحراء الغربية ولا الولايات المتحدة ولا إسبانيا تملكها لتعطيها لمن لا يستحقها.
إذا اعترافات الدول، مثل إسبانيا وفرنسا، أو حتى اعترافات مجموعات أكبر من الدول والمنظمات لو وجدت، لا تُغيّر من الوضع القانوني للصحراء الغربية كإقليم مستعمر ولا تغير شيئا من حقيقة أن المغرب دولة احتلال واعتداء ولا تغير شيئا من أن المغرب لا سيادة شرعية له على الإقليم ولا تغير من حقيقة أن جبهة البوليساريو هي الطرف الثاني في النزاع والممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي ولا تغير من حقيقة أن هذا الشعب هو الوحيد السيد على أرضه وهو مالك القرار فيها، وأخيرا لا تستطيع أن تلغي حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفي استقلاله وحريته .
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال