أنعشت زيارة وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو إلى الجزائر، في السادس أفريل الجاري، الأمل في صحوة في العلاقات الجزائرية - الفرنسية، ومحاولة إعادة "بناء الجسور" وإصلاح عقود من الازدراء الدبلوماسي، وذلك رغم كل الالتزامات والتعهدات المعلنة من طرف بارو بقصر المرادية الرئاسي، ببناء علاقة قائمة على الندية بين البلدين، خالية من تلك النظرة الأبوية التي سممت العلاقة بين الضفتين لزمن طويل.
لكن الشيطان الفرنسي القديم كان بالمرصاد، مثلما حدث في فترات سابقة، ذلك الانعكاس النيوكولونيالي الذي يواصل الاختباء خلف شعارات الجمهورية. إذ لم تمر سوى أيام معدودة حتى تعرض بصيص الأمل الخافت للتحطيم، بواسطة إعادة وزير الداخلية، برونو روتايو، المهووس بالوصول إلى زعامة التيار الجمهوري اليميني، تدوير أسطوانة الأوامر بمغادرة الأراضي الفرنسية الصادرة بحق عشرات المهاجرين المقيمين بفرنسا منذ سنوات، مصرا بذلك على استخدامها ورقة من أجل تصفية الحسابات السياسية، في حين أن طلبات تسليم جزائريين أدينوا بارتكاب جرائم تُرفض في فرنسا باسم "استقلالية العدالة الفرنسية !"
ومثلما جرت عليه العادة، يجري تصوير الجزائر كعدو، عبر توظيف مجاهيل بشرية أحدها المطلوب للعدالة الجزائرية أمير بوخرص المكنى بـ"أمير دي. زاد"، وهو مجرم ومهرب مخدرات، ويتم الاستدلال به لتبرير توقيف موظف قنصلي جزائري تعرض للإيقاف في الشارع وكأنه لص حقير، في قضية ملفقة ناجمة عن مؤامرة محبوكة من طرف وزارة الداخلية الفرنسية.
وجاء رد الفعل الجزائري حازماً، ومباشراً، ولاذعاً. وكسرت وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية الصمت ببيان واضح ودقيق، موجها بأصابع الاتهام إلى برونو روتايو، الذي لا يفوت أي فرصة لإحياء جراح الماضي الاستعماري، وتحريك سكين الحقد الدفين فيها.
- الوطن
- 17-04-2025
- 13:03
الجزائر - فرنسا: روتايو يعود إلى الواجهة
عاد لبتني نفس الخطاب المتشدد ضد الجزائر.
وردا على ذلك قررت الجزائر طرد 12 عنصر أمن فرنسيا يعملون تحت سلطة وزارة الداخلية، وهو القرار الذي يحمل رمزية سياسية قوية، ورسالة واضحة تؤكد على أن الجزائر لم تعد مستعدة لتحمل استفزازات دولة فرنسية لا تزال عاجزة عن التخلص من ردود فعلها الاستعمارية، وتؤكد أيضا على أن سيادة الجزائر غير قابلة للمساومة أو التفاوض أو الرضوخ، لاسيما أمام وزير يعاني من جنون العظمة، ويفتش في التاريخ ويتحسر على أيام الاستعمار.
وفي ظهور إعلامي جديد على شاشة قناة "تي. أف. 1"، واصل روتايو الإصرار على الخطيئة الاستعمارية التي تطارده بل وتبجيلها عندما تحدث عن والده، قائلا: "والدي حارب في الجزائر وذلك يثير فيّ شعورا عميقا بالامتنان"، وهو بذلك يجهر وبلا أدنى مواربة بتمجيد وقح ومقزز للاستعمار ولجيش الاحتلال، الحافل سجله بالمجازر والمحارق من 1830 إلى 1962.
وفي مقطع آخر من المقابلة التلفزيونية، حاول روتايو الاستدراك، محملا الشهداء والمجاهدين الجزائريين مسؤولية جرائم حرب في مسعى مفضوح لمساواتهم بمجرمي جيش الاستعمار الفرنسي وبين المقاومين والمعذبين، بين الوطنيين أصحاب الأرض والجلادين الغزاة.
إن جرائم الحرب التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في الجزائر وراح ضحيتها ملايين الشهداء ليست مجرد هفوة.. إنها جرائم ضد الإنسانية باعتراف الكثير من المؤرخين وفي مقدمتهم الفرنسيون أنفسهم. إنها الإبادة الجماعية، وسياسة الأرض المحروقة التي أدت إلى حرق آلاف المداشر والقرى، والتعذيب والاغتصاب الممنهج، والمقابر الجماعية، والصعق الكهربائي لأجساد المعتقلين والمعتقلات، وغيرها من الجرائم التي يحاول روتايو التقليل من شأنها والتي اعترف بها معظم الفرنسيين.
إن روتايو يجسد فرنسا المتغطرسة، العاجزة عن مواجهة والنظر إلى ماضيها الملطخ بدماء الجزائريين والشعوب الإفريقية.. فهو يستغل الجزائر لإخفاء إخفاقاته السياسية، ويتملق بعدوانيته ضد كل ما هو جزائري، لشريحة من الناخبين الفرنسيين الحاقدين المتشبثين بأوهام فرنسا الاستعمارية، ويتجاهل جزائر 2025، التي لا ولن ترضخ وستظل شامخة، ولن تسمح بعد اليوم بأن تمس كرامتها بمواقف وخطاب الكراهية الصادر عن أولئك الذين يرفضون التوبة من منطق الاستعمار.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال