يبرز سؤال تجديد الفكر الديني كضرورة ملحة لاستعادة الحيوية والفاعلية الحضارية للأمة، في خضم التحولات والتحديات المتزايدة التي تواجه العالم الإسلامي المعاصر. وإدراكا لهذه الأهمية، شكّل إحياء يوم العلم في الجزائر مناسبة سانحة للجامعة الإسلامية بقسنطينة لتسليط الضوء على هذه القضية وإرهاصاتها، من خلال تشريح فكر الشاعر الباكستاني محمد إقبال.
نظمت جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية ملتقى دوليا يومي 15 و16 أفريل 2025، بمناسبة إحياء يوم العلم، تحت عنوان “تجديد التفكير الديني في الإسلام محمد إقبال نموذجا”، والذي هدف إلى دراسة إمكانية اعتبار فكر محمد إقبال نموذجا لإصلاح المجتمعات المسلمة المعاصرة، ووضع إطار منهجي لتجديد التفكير الديني الإسلامي في السياق الحالي.
وسعى الملتقى الذي أشرفت على تنظيمه كلية أصول الدين، ممثلة في مخبري البحث للدراسات الدعوية والاتصالية والدراسات العقدية ومقارنة الأديان، للإجابة على أسئلة محورية حول حدود وإمكانات نموذج إقبال في التجديد والتحديات التي قد تواجهه وكيفية تطويره لمواكبة المستجدات المعاصرة، حيث أكد المنظمون على أن الأمة الإسلامية شهدت ركودا حضاريا تفاقم مع الاستعمار، وأن سؤال نهضة الأمة كان محور اهتمام روّاد الإصلاح، مثل الأفغاني والكواكبي وابن باديس وغيرهم.
وأكد مدير الجامعة، الأستاذ الدكتور السعيد دراجي، خلال إطلاق الملتقى، على أهمية هذا الموضوع باعتباره قضية مركزية تسعى للتوفيق بين الأصالة والمعاصرة والحفاظ على جوهر الإسلام مع مواكبة تطورات العصر، مضيفا أن الشاعر الباكستاني يعدّ مشروعا متكاملا لتجديد الفكر الديني وبنائه، ليكون قادرا على مواجهة تحديات العصر دون فقدان روحه.
وقد شهد اليوم الأول من الملتقى، الذي ترأسه الأستاذ الدكتور محمد البشير بن طبة ونشطه كل من عميد كلية أصول الدين الأستاذ الدكتور أحمد عبدلي ورئيس اللجنة العلمية الأستاذ الدكتور عيسى بوعافية، جلستين علميتين ناقش فيهما الأساتذة والمحاضرون إشكاليات ومفاهيم وآفاق ومنطلقات التجديد الديني في الإسلام عند إقبال.
وفي مداخلته حول “مدرسة التجديد الحضاري في الفكر الإسلامي المعاصر، محمد إقبال نموذجا رائدا”، أوضح البروفسور محمد بخوش من جامعة قطر، أن محمد إقبال أسس مدرسة فكرية تقوم على التجديد الحضاري للأمة الإسلامية، مستندا إلى الفلسفة والتصوف والفكر الديني وإدراكه لتحديات عصره، مشيرا إلى أن إقبال يرى انحطاط الأمة الإسلامية ناتجا عن الجمود الفكري والروحي والتقليد الأعمى والابتعاد عن الروح الحيّة للإسلام، داعيا إلى نهضة شاملة تبدأ بتجديد الفرد المسلم باعتباره محور الحضارة. ويرى بخوش أن التجديد الحضاري لدى إقبال يتحقق بالجمع بين الإيمان والعمل، والأصالة والمعاصرة، والتمسك بالقرآن كمصدر هداية متفاعل مع الزمان والمكان.
من جهته، أوضح البروفسور عبد الرزاق قسوم أن الخطاب الفكري لإقبال قد تميّز بمنهج تجديدي مزج بين الروح الإسلامية الأصيلة وروح العصر المتسارع، إذ لم يكن إقبال مجرد شاعر صوفي أو فيلسوف متأمل، حسبه، بل كان صاحب مشروع نهضوي يعيد قراءة الإسلام من زاوية عقلانية وروحية تتناسب مع تحديات العصر الحديث. وأكد المتحدث على أن المنهج التجديدي عند إقبال يقوم على أساس تجاوز الجمود الفكري والدعوة إلى إعمال العقل في فهم النصوص الدينية، دون التفريط في الثوابت، وأن الإسلام دين حيّ قادر على مواكبة التغيرات، شرط التعامل معه بروح الاجتهاد والتجديد لا التكرار والتقليد، مؤكدا أن خطاب إقبال لا يزال حيّا وملهما، لأنه لم يكن مجرد رد فعل على مشكلات عصره، بل كان استشرافا لمستقبل يحتاج فيه المسلم إلى فكر مرن، يحترم الثوابت ويجدّد في الوسائل.
واعتبر المتدخلون أن محمد إقبال قامة فكرية سعت لتقديم مشروع إصلاحي يجمع بين الأصالة والحداثة، وفتح آفاق الاجتهاد وتجديد آليات التعامل مع النصوص، مع التركيز على المسؤولية الفردية والاجتماعية. وأشار هؤلاء إلى أن إشكالية تجديد الفكر الديني لا تزال ملحة في ظل التحديات المعاصرة، كالتطرف والانقسام ومحاولات تمييع القيم الإسلامية.
وتناولت النقاشات في هذا الملتقى الذي شهد مشاركة أساتذة وعلماء من قطر، فرنسا، تونس وجامعات جزائرية، أربعة محاور رئيسية، على رأسها دواعي ومجالات تجديد التفكير الديني، دراسة شخصية إقبال ومشروعه التجديدي، تحليل وتقييم مشروع إقبال وإمكانية تطويره، وطرق الاستفادة من فكره في مواجهة تحديات العولمة والحفاظ على الهوية الإسلامية واستشراف المستقبل.
وسعى المشاركون في الملتقى إلى تبادل الأفكار حول أنجع السبل لتجديد الفكر الديني الإسلامي والاستفادة من إرث إقبال، آملين أن تساهم توصياتهم في إثراء مستقبل الفكر الإسلامي ودوره في نهضة المجتمعات المسلمة.
م. صوفيا
16/04/2025 - 22:50

م. صوفيا
16/04/2025 - 22:50
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال