اسلاميات

المقصد الإسلامي من السيرة النبوية

من المتفق عليه بين الناس أن السيرة النبوية هي دراسة حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

  • 167
  • 2:42 دقيقة
الدكتـور عـز الديـن بـن زغيبـة
الدكتـور عـز الديـن بـن زغيبـة

من المتفق عليه بين الناس أن السيرة النبوية هي دراسة حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والاطلاع على أخباره، ومعرفة صفاته الخِلقية والخُلقية وشمائله وخصائصه ودلائل نبوته وسراياه ومغازيه، وكل ما يتعلق بحياته صلى الله عليه وسلم من قبل الولادة إلى الوفاة. وإن من آثار الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم محبته، وتقديمه على النفس والأهل والولد والناس أجمعين، ومحبته هاته تقتضي حسن معرفته، بل هي من لوازمها التـي لا تتم إلا بدراسة سيرته العطرة.

وبناء عليه، فإنه عند الحديث عن السيرة النبوية، فإن أول ما يتبادر للذهن هو الأسئلة الآتية: ما هو المقصد الإسلامي من السيرة النبوية؟ وما الفائدة من دراستها؟ والجواب على هذا السؤال هو: تحقيق الغاية العظمى التي سعت إليها جميع الأديان السماوية، ألا وهي سعادة المكلفين في الدارين، بجلب مصالحهما ودفع مفاسدهما؛ لأن من كانت سيرته من أكمل السير وأعلاها وأدقها وأجملها، وهي مؤسسة على نصوص قرآنية وأخبار نبوية، ووثائق تاريخية ودقائق في الخَلق والخُلق، وتفاصيل في العادات والعبادات، والأخلاق والمعاملات، والقضاء والشهادات، والصلات والقربات، وسياسة الأمم المختلفات ودمجها في أمة واحدة، لا يمكن أن تكون إلا مصدرا غنيا وثريا لحياة الفرد والجماعة؛ لأن سعادة العبد في الدارين مبنية على معرفة تفاصيل هديه صلى الله عليه وسلم ومعرفة شمائله وأحواله، وإدراك تصرفاته في جميع شؤونه في حضره وسفره، وبصفة عامة، فإن الغَرض منها أن يتصور المسلم الحقيقة الإسلامية في مجموعها متجسدة في حياته صلى الله عليه وسلم وهو المثل الأعلى لأمته ولغيرها، قال ابن القيم: (وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهديه صلى الله عليه وسلم، فيجب على كل من نصح نفسه، وأحب نجاتها وسعادتها، أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به، ويدخل في عداد أتباعه وشيعته وحزبه، والناس في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم).

وهناك أمر آخر مهم جدا وهو اتصاف هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته بالشمول والعموم لجميع مناحي الحياة الإنسانية وتفاصيلها، وهذا ما جعل رسالته تتميز عن الرسائل السماوية الأخرى التي لم تكن شاملة ولا عامة، ولا مستوعبة لجميع المناحي الأخلاقية والاجتماعية، قال شاه ولي الله الدهلوي: (إن النماذج المختلفة التي قدمتها البشرية في تاريخها المعلوم لم تكن شاملة، فكل نموذج من هذه النماذج كان يتجلى فيها جانب واحد أو أكثر من هذه الجوانب الأخلاقية، فمدرسة عيسى عليه السلام تعلمنا الحلم والصبر، والصفح والعفو، والقناعة والزهد والتواضع، ولكن فيما يتعلق بكيفية تسيير شؤون الدولة، فالمسيحية لا تتحدث عنها، كما أنه لا مكان للعفو والتسامح في تعاليم سيدنا موسى وسيدنا نوح عليهما السلام. لذلك، كانت البشرية دوما في حاجة إلى مرشدين، وظلت الإنسانية دوما في حاجة إلى شخصية كاملة جامعة تجمع كل صفات الكمال والأخلاق، تمثل جميع الجوانب الأخلاقية والخصال الحميدة، تجمع بين السيف والسلطان من جهة، وبين الزهد في الدنيا من جهة أخرى، شخصية تحكم العالم، ولكن يبقى التواضع من شيمتها، تأمر فتطاع، وفي نفس الوقت يبقى لسانها رطبا بذكر الله وتسبيحه، لا تملك شيئا ولكنها كالبحر في الغنى، هذه الشخصية الكاملة الجامعة هي صحيفة الله، وهي المعراج الأخير لهذا العالم).

ومن المقاصد الإسلامية من السيرة النبوية وغايتها العظمى بيان كيفية تطبيق شرع الله في الأرض، والاستجابة للأمر الإلهي باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، فالسيرة النبوية، إذن، هي التطبيق العملي والأمثل لنصوص الوحي وتنزيل أحكام الشريعة في كافة مناحي الحياة الإنسانية، وهي المعين التربوي الصافي لبناء الشخصية المسلمة المتأسية بالرسول الأكرم والمعلم الأحكم والمربي الأعظم.
*رئيس الهيئة الشرعية بمصرف السلام الجزائر

التواصل الاجتماعي

Fermer
Fermer