الجانب الروحي النفسي هو البعد المهمل والمتروك من شخصية الإنسان في عصرنا اليوم، حيث لا يستأثر إلا باهتمام ضعيف من عموم الناس، مع العلم أن الإنسان مكون من جسد وروح، ولا يجوز الاهتمام بجانب وإهمال الآخر.
لقد حرص الإسلام على جعل القوى الدافعة للمسلم قوى روحية حتى ولو كانت مظاهرها مادية أو معنوية، إذ جعل الأساس الروحي هو الأساس الوحيد للحياة الدنيا كلها: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}، فالنصر أو الشهادة كلاهما مرتبطان بالأساس الروحي، فالنصر نصر لدعوة الله ودينه، والشهادة تقديم الروح في سبيل نصرة دين الله، وكلاهما لنيل رضوان الله تعالى.
إن إدراك الصلة بالله والشعور بها إدراكا وشعورا يقينيين هو الأساس الذي تقوم عليه حياة المسلم، وهو القوى التي تدفعه للقيام بأي عمل صغُر أم كبُر. ولذلك، كان واجبا على المسلم أن يجعل قواه هي القوى الروحية، فهي كنزه الذي لا يفنى وهي سر نجاحه وانتصاره، كما أن عليه أن ينمي هذه القوى بتنمية إدراكه وصلته بالله وتعميقه وتنقيته عقليا ووجدانيا.
إن الخطر الذي يهدد الإنسانية في العصـر الحاضر ليس في أن هذه الحضارة - كما يقال - أطلقت الحرية للفكر الإنساني في البحث عن الحقيقة، بل إن الخطر يأتي - على العكس مما يقال - من كونها تضعف الفكر الإنساني بوضعه تحت ضغط الشهوات المادية الحيوانية القاتلة، والحضارة المعاصـرة تفننت وبالغت في ابتكار وسائل تقوية الغرائز المادية الحيوانية في الإنسان.
من الغايات العليا للإسلام إيجاد التوازن في نفس الفرد، وفي المجتمع، وبهذا التوازن يمتاز الإسلام عن الديانات التي اشتملت على الكثير من التعاليم التي تخالف الطبائع البشـرية، كما يمتاز عن الاتجاهات الفلسفية الانحلالية التي تريد الانحدار بالإنسان إلى مستوى الحيوان.
وحين يوجّه الإسلام العناية إلى التربية الروحية وتزكية النفس بما يفرضه من العبادات، ويضعه من الحدود والقيود لضبط الشهوات وتنظيم الاستجابة الفطرية لحاجاتها، لا يفعل ذلك إلا لحفظ كيان الفرد وسلامته ومصلحته. ولا يكتفي الإسلام في تهذيب الغرائز والشهوات بوضع القيود والحدود، بل يعمل على تقوية الإرادة والعزيمة في الإنسان، ويقوي في حسه الوازع الأخلاقي والديني المنبثق من تقوى الله، ويفتح أمامه ميادين العمل الصالح، ويرغبه في الإكثار منه بالثواب العظيم: {وقلِ اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله}، ويرفع العمل الصالح إلى مرتبة العبادة.
إن فلاح الإنسان في حياته الأولى والآخرة متوقف على تزكية نفسه وتهذيب انفعالاته وميوله وغرائزه الفطرية، وأن السبيل إلى هذه التزكية واحد لا ثاني له، هو التربية الروحية والمجاهدة ومداومة العبادة والاعتصام بمنهج الله والاستقامة عليه. فإن الله تعالى قد بيَّن لعباده أن طريق النجاة من النار والفوز بالجنة إنما يكون بمجاهدة النفس ومخالفة هواها وعدم الانجرار وراء الرغبات والشهوات، والخالق سبحانه هو الخبير بأسـرار النفس الإنسانية، وهو العليم بما يصلح لتزكيتها وتطهيرها. والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن تزكية الإنسان من فضل الله، لذا كان يدعو ويقول: “اللهم آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها”.
إن النهوض الإسلامي عموما مرهون بوجود مخطط صحيح تقف وراءه عزائم قوية وعقول ثاقبة تفعّله في واقع المجتمعات الإسلامية، ولا نهضة للعالم الإسلامي دون مراعاة النهوض بالجانب الروحي. وإن ما يميز الحياة الروحية في الإسلام عما يقدمه الهندوس والبوذيون للغرب، من اليوغا والرياضات الروحية التي تمارَس في أنحاء كثيرة من العالم الغرب؛ هو أن ما يقدمه الإسلام بهذا الخصوص يقوم على قاعدة صلبة من الاعتقاد الواضح المقرون بأدلته، في حين أن البدائل الروحية التي يقدمها الشرق الأقصى لإنسان عصرنا معلقة في الهواء، ولا تقوم على أصل.
هناك جانب مهم مفقود عندنا، ألا وهو جانب التزكية والكلام عن القلوب وأعمال القلوب وأمراض القلوب والأمور الروحانية وتزكية الأنفس، فهذا أمر عظيم ومهم أرسل الله نبيه صلى الله عليه وسلم من أجله فقال: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}. فعلينا الأخذ بالأسباب التي تحيي القلب وتنعش الإيمان وتقرّب العبد من الرحمن، كقراءة القرآن وكثرة الذكر والدعاء، وتذكر الموت وعيادة المريض وإتباع الجنائز والمسح على رأس اليتيم وكثرة الصدقة... وغيرها من الأسباب التي تدفع الإنسان وتعطيه طاقة قوية تدفعه نحو الخير وتمنعه من الشر.
الخبر
20/04/2025 - 23:31

الخبر
20/04/2025 - 23:31
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال