أقلام الخبر

فلسطين تنادي وتسائل شعوب العالم

غزة تدعونا للمحاسبة وتسائلنا عن هيمنة الإمبريالية، وما بعد الاستعمار، والرأسمالية في أشكالها وصورها المتطرفة، التي تؤيد، وتدعم بلا خجل الإبادة التي تعرض إليها سكانها.

  • 206
  • 2:50 دقيقة
الصورة: ح. م
الصورة: ح. م

فلسطين، هذا المثال للصمود المطلق وغير المحدود منذ عام 1948 في مواجهة استعمار غير قابل للوصف، تسائل شعوب العالم بصوت عالٍ، حادٍ، مصمٍّ للآذان، لا يقلّ قوة عن الرعب واللاإنسانية والجنون الذي لا يطاق، الذي يعيشه شعب غزة المتعرّض للإبادة والزوال النهائي بشكل مأساوي اليوم. إنها تتحدانا بشأن حقها الأساسي في الوجود.

إنّ الاستعمار الذي لا يدين بوجوده وبقائه إلاّ لتدخل دول بعيدة، بعضها يعلن نفسه سيد العالم، أو جارا دراماتيكيا للآخر. إنّ الدول المتواطئة التي تستمر في الترويج لدعوى وفكرة الحرب الدينية وتعمل على دعمها وتعزيزها لتبرير هذه الحروب الصليبية الجديدة بأسلحة غير متكافئة، لتجعل في نهاية المطاف الإيمان، مرة أخرى، ذريعة للاستعباد وتبريرا للتقسيم والقتل.

 غزة اليوم تتحدانا وتستجوبنا في خصوص: "اللاقانون الدولي". وبعيدا عن هذا العدوان الممنهج المتواصل منذ عام 1948، فإن هذه الجرائم تصنّف: جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وتوصف بأنها إبادة جماعية تتحدّى - بشكل مأساويّ – "اللاقانون الدولي" الذي تم وضعه وتعديله بشكل مسرحي، يثير تساؤلات حول جدوى وجود هيئات من المفترض أن تفرض احترامه وتنفذه أو على الأقل تُفعّله.

 ونظرا لخطورة بعض النزاعات، وعلى رأسها هذه المظلمة التي يقع الشعب الفلسطيني ضحية لها، والمتميّزة بالوحشية والبربارية، فإن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: حدود المنظمات الدولية.

 أما فيما يتعلق بالأمم المتحدة، فإن قصورها وعجزها يعودان لأسباب هيكلية (حق النقض الذي يتمتّع به الأعضاء الدائمون، وانعدام التوافق (الإجماع)، والفاعلية، وسياسية (نفوذ القوى الكبرى، وغياب السلطة، والانتقائية)، وسياسة إنسانية. والشيء نفسه ينطبق على المحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، مما يجعلهما قديمة ومنتهية الصلاحية.

 غزة تدعونا للمحاسبة وتسائلنا عن هيمنة الإمبريالية، وما بعد الاستعمار، والرأسمالية في أشكالها وصورها المتطرفة، التي تؤيد، وتدعم بلا خجل الإبادة التي تعرض إليها سكانها. إن هذه الدول "الاستعلائية/العنصرية" التمييزية والعنيفة تنتهك دون عقاب حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه والعيش بكرامة كما فعلت من قبل مع دول ذات سيادة أخرى: العراق، سوريا وليبيا والعديد من الدول الأخرى... ومازلنا نشهد، في مختلف أنحاء العالم، تقلب وتغيّر الحدود وفقا لأهواء الدول الإمبريالية، في كثير من الأحيان من أجل نهب الثروات بنفس الطريقة التي كان عليها الحال في الحقبة الاستعمارية.

 غزة تطالبنا بالمحاسبة على خيانة الدول العربية وصمتها وخمول شعوبها. كما تسائل غزة الدول الداعمة للقضية الفلسطينية عن أسباب عجزها عن أن تكون جبهة واحدة وتفرض احترام القانون الدولي؟ وتسائلهم عن أسباب تصدّعهم وانشقاقاتهم وعن نقاط ضعفهم، إذ قد يأتي عليهم الدور مستقبلا؟ تدعونا غزة إلى التأمل في مواقف إنسانية العالم في مواجهة الرعب الذي لا يوصف، والإبادة التي يتعرض لها سكان غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وهو اليوم الذي عادت فيه القضية الفلسطينية إلى الظهور، بشجاعة، بشكل دراماتيكي.

 وغزة تتحدانا بهذا الدرس من الشجاعة والبسالة والمقاومة، بهذا الدرس من الأمل واليقين العميق والواضح بالنصر المؤكد الثابت الذي لا خيار غيره. وفي هذا العالم المليء بخيبة الأمل الشديدة، تقول لنا غزة إن الأرواح البشرية التي أزهقت ستكون ذات معنى بالنسبة للأجيال القادمة، وسوف تُسجّل في تاريخ البشرية.

 في هذا التباين والمفارقة بين الضوء والظلام وبين الكلاب والذئاب، يسلط الضوء من غزة. إن المسيرة من أجل غزة لهي دليل على أن العالم يتغير بشكل عميق، وأن الناس يصمدون ويقاومون من أجل العدالة وحقوق الإنسان التي تتجاوز كل الاختلافات ومن أجل القيم الإنسانية المشتركة.

 وأمام فشل الدول والسياسات والمنظمات فوق الوطنية «supranationales»، لابد من توجيه نداء إلى شعوب الأرض لدعم هذه المسيرة الاستثنائية من أجل غزة من قبل منظمة جديدة من مواطني العالم، وهم الوحيدون القادرون، في الوقت الراهن، على ممارسة الضغط وخلق التوازنات القادرة على قلب موازين القوى ووضع حد للهيمنة والعنف والعنصرية والأبارتايد والتعسف. فلسطين ستحرر العالم!

* طبيبة من مجموعة المرصد الجزائري المستقل للمواطنة

التواصل الاجتماعي

Fermer
Fermer