مليونـا سائـح جزائــري يغــــزون ملاهــي وشواطـئ تونــس

38serv

+ -

لم تدفع التهديدات الإرهابية والوضع الأمني غير المستقر بتونس الجزائريين إلى مقاطعة الجارة الشرقية التي لا تزال على رأس قائمةالوجهات المفضلة لدى الجزائريين لقضاء العطلة، حيث عرفت تونس منذ بداية الصائفة “إنزالا جزائريا”، وتشير توقعاتوزارة السياحة التونسية إلى وصول تدفق الجزائريين إلى 2 مليون سائح، متجاوزين الإنجليز والألمان.المنتجعات السياحية للميسورين والفيلات والشقق للبقيةاكتساح لـ “قرطـــــاج لانـــــد” وشواطـــــئ ياسميـــــن الحمامـــــــاتمع ساعات الفجر الأولى، تنطلق مواكب سيارات الجزائريين عبر المراكز الأربعة بولاية تبسة الحدودية، من بتيتة إلى بوشبكة وراس العيون والمريج، نحو المدن التونسية، حيث تفضل العائلات الجزائرية السير بالمركبات على شكل مجموعات إلى غاية الوصول إلى المدن الساحلية التونسية نابل، الحمامات، سوسة.تسير سيارات الجزائريين في موكب كبير قبل أن يفترق الجميع إلى وجهاتهم، فالبعض يختار المركبات السياحية الفاخرة بياسمين الحمامات وسوسة وبدرجة أقل جزيرة جربة، وهذه العائلات في الغالب تتميز بمستوى مادي محترم من فئات المقاولين والتجار والبرلمانيين ورؤساء البلديات والمديرين العامين وغيرهم من العائلات التي تتوفر على مصدر رزق وفير.وقد تمكنت هذه السنة عائلات أخرى أقل دخلا من الظفر بفرصة التمتع لأسبوع كامل في فندق محترم بمبلغ 7 ملايين سنتيم لزوج لديه طفلان لا يتجاوزان 10 سنوات، وفي مقابل ذلك عائلات أخرى طلقت الفنادق بسبب التهديدات الأمنية وفضلت تأجير الفيلات بمبالغ بين 120 إلى 300 دينار تونسي لليلة، وتتوفر بعضها على مسبح والإنترنت، وتوجهت عائلات أخرى إلى تأجير شقق بين 60 إلى 85 دينارا لليلة الواحدة، يرتفع ثمنها حسب القرب من شواطئ البحر، وتجمع أغلبية هذه العائلات على الشعور بالأمن والطمأنينة.بين رفاهية الفنادق وحميمية الشققالكثير من العائلات التي التقيناها بفنادق شواطئ ياسمين الحمامات أو بوجعفر بسوسة والمعمورة بنابل، كشفت أنها تفضل الشقق والفيلات على المنتجعات السياحية أولا، نتيجة التهديدات الأمنية، لأن هذه المرافق يتردد عليها الأوروبيون المستهدفون، ولو أن السيدات يفضلن الفنادق بالنظر لتوفر خدمات الإطعام وأغراض غرف النوم، ما يبعدهن عن الروتين اليومي كالتنظيف أو الطهي لأن العطلة حق للنفس بعد سنة كاملة من العمل، كما أن الشواطئ موجود مباشرة وعلى اتصال مع الفندق.وعلى النقيض من هذا، ترى عائلات أخرى اختارت الفيلات، وتقول سيدة من عين فكرون بولاية أم البواقي “نحن من الميسوري الحال والحمد لله، لكننا لن نضع أنفسنا هدفا للإرهابيين، للفيلات وسط العائلات التونسية متعة سياحية واجتماعية رائعة لا يقدرها سوى من يعيشها يوميا، الفيلا التي قمنا باستئجارها تحتوي على كل الخدمات، كالتنظيف ووجود عاملة في المطبخ تتكفل بكل شيء، والمسبح تغير مياهه كل 3 أيام.. ماذا نريد أكثر من هذا؟”.تحدثنا أيضا إلى عائلات متواجدة بنابل والحمامات، وتقول إحداها “نحن نقسم يومنا بين الذهاب للبحر وحضور السهرات الفنية، وحضرنا حتى حفلات زفاف وختان تونسية دون دعوات ورحبت بنا العائلات التونسية، تجنبنا المنتجعات السياحية بالنظر للتهديد الأمني، ورفضنا عروض الرحلات السياحية المنظمة التي يفرض فيها مسار معين من الفندق إلى الشاطئ”.

الأمن والاطمئنان بعيدا عن “مافيا الهراوات”وأثناء تجوالنا في فضاءات مواقف السيارات في شواطئ ياسمين الحمامات، وقفنا على وجود موقف منظم بميناء “المارينا”، حيث تدفع حقوق التوقف فيه بعد الخروج، وقبل ذلك تقتطع التذكرة من آلة إلكترونية تحتسب زمن التوقف، وقد لا يتجاوز مبلغ الدفع 3 دينارات ليوم كامل، وفي شواطئ أخرى مثل المعمورة لا تتجاوز الدينار الواحد، وتوجد فضاءات مجانية تتوفر بها كل الإجراءات الأمنية لتركن المركبات في أماكن منظمة وآمنة بعيدا عن “مافيا الهراوات” المتواجدة في كل موقف بالجزائر.وجاءت مجمل تصريحات العائلات الجزائرية في الموضوع بأنها تقضي اليوم إلى ساعات متأخرة على الشواطئ التونسية، مثلما تقول إحدى العائلات “هنا نحن مطمأنون على أنفسنا وأغراضنا”، وتقول سيدة أخرى من مدينة الجلفة “الاحترام للعائلات وعدم سماع الكلام الفاحش يشجعنا كثيرا على الاصطياف في تونس، وفي كل زاوية يتجول رجال الأمن التونسي بالزي الرسمي ودوريات على الشواطئ بالزي المدنيأ ما يمنحنا شعورا كاملا بالأمن، وفسحت المجال للمتعة بعيدا عن الخوف وشرود الذهن في حراسة مواقع الملابس تحت الشمسيات”.الجزائريون يعوضون الأوروبيين في قرى الألعابالصورة التي ترسخ في ذهن الجزائريين طيلة تواجدهم بالمدن الساحلية التونسية هي مرافقة الراية الوطنية للعلم التونسي في كل مكان لدى المحلات التجارية أو على طول شواطئ ياسمين الحمامات وسوسة ونابل وكل قرى الألعاب، بعض الجزائريين اعتبروا ذلك من عبقرية الذهنية السياحية التونسية في جلب الجزائريين، ويعتبرهم البعض الآخر من الذين يتمسكون بعمق التاريخ باختلاط الدماء التونسية والجزائرية في ثورة التحرير الكبرى وعلاقات النسب، وعلى طول ولايات الشريط الحدودي بمسافة تقارب 1000 كم طولا، حتى أن بعض العائلات تحمل نفس اللقب العائلي والجنسية المزدوجة.وبالرغم من وجود فراغ كبير للسياح الأوربيين على الشواطئ التونسية، بدليل شغور الشمسيات السياحية الفاخرة والمجهزة بالكراسي والأسرة البلاستيكية وكل الأغراض، إلا أن الهجوم الكاسح للجزائريين أنسى الشعب التونسي تهديد الموسم السياحي بالخطر ومحدودية الدخل، لتراهن إدارة السياحة في تونس في هذا المواسم على تجاوز عتبة 1.5 مليون سائح جزائري وقد يُتجاوز هذا العدد باحتساب تلك العائلات التي تفضل الإطار غير المنظم لدى العائلات التونسية في الشقق والفيلات، ما يرشح الرقم والواقعي لتجاوز عتبة 2 مليون سائح جزائري للاصطياف والتجارة والعلاج.ولم تمنع الأسعار المرتفعة لدخول قرى الألعاب الجزائريين من التمتع بها، لاسيما بالنسبة للأطفال، حيث كانت القرية الضخمة “قرطاج لاند” قبلة للجزائريين والليبيين بدرجة أقل، هذا الفضاء الذي كان يعج بالمجموعات السياحية الأوروبية من مختلف الجنسيات لاسيما الألمان والإنجليز، والذين تدحرجوا من حيث التدفق السياحي إلى المراتب الثالثة والرابعة بعد المغاربة بصفة عامة.فساحة الدخول إلى “قرطاج لاند” تعج بحركات العائلات الجزائرية التي تقتني تذاكر بين 20 و25 دينار تونسي للظفر بمتعة الألعاب المائية و “سينما 5 دي” وجولة تاريخية لنفق بربروس والدولة العثمانية عبر زوارق تقطع مسافات في مجارٍ مائية تمر على كل محطات العثمانيين بتونس مجسدة بتماثيل ساحات المعارك، ووجدت عائلات أخرى ميسورة الحال صعوبات كبيرة في دخول جميع أجنحة قرية الألعاب، لتكتفي بجولات خارجية وصور تذكارية، وأخرى متعت أطفالها في ألعاب فضاءات علاء الدين وعلي بابا وألعاب مائية سعر التذكرة فيها أقل تكلفة.رحلات المنطاد وسفن السلطانوأنت تدخل كل الشواطئ أو تكون لك الفرصة للمرور عبر محلات الوكالات السياحية، ستصادفك لوحات إشهارية تدعو العائلات لحجز مقعد لها على متن سفن تقليدية بتسميات مختلفة، منها الياسمين والسلطان وكولمبوس. وينتشر السماسرة للترويج لها في كل الطرقات والشوارع، هذه الرحلات البحرية التي كانت من نصيب السياح الأوروبيين ويحصل فيها أصحاب هذه المؤسسات التونسية على مداخيل محترمة، تراجع فيها الحضور الأوروبي إلى مستويات كبيرة لتقتصر على الجزائريين والليبيين المقيمين في تونس والمغتربين التونسيين القادمين من مختلف الدول الأوروبية، حيث ارتفعت التذاكر إلى 20 و25 دينارا للشخص الواحد للتمتع برحلة بحرية بين الحمامات ونابل في نصف يوم، يتخلله تقديم وجبة غذائية من السمك والفواكه، وتنشيط من طرف مجموعة شبانية بمختلف الألعاب البهلوانية، بمشاركة السياح، وسماع أغاني من مختلف الطبوع الجزائرية والتونسية والليبية والأوروبية.ويقبل الشباب والفتيات من الجزائريين بقوة على رحلات جوية على متن منطاد مربوط إلى زورق بحري يحمل الزبائن إلى متعة منظر جمالي على مدن الساحل التونسي والمغامرة، إذ يرتفع المنطاد من أرضية الشاطئ بعلو معتبر في رحلة ذهاب وإياب بين شواطيء ياسمين والحمامات والمارينا.يحفظون ترقيم سيارات الجزائريين ولاية بولايةوالأكيد أن المتجول على مستوى الفضاءات السياحية التونسية من المتاحف أو المواقع الأثرية والشواطئ، تترسخ لديه فكرة عامة واحدة، هي أن الذهنية التونسية تبدع في صناعة المنتج السياحي وتتجاوزه، من الهياكل الكبرى وقرى الألعاب إلى أشياء بسيطة ظلت مصدر رزق الملايين من العائلات على مدار قرون من الزمن.وقد ينطبق المعنى على أطفال يتجولون بمختلف الأكلات الشعبية من الفطائر ومختلف الحلويات، فهذا يحمل شجرة تفاح مطلي بالعسل فوق رأسه في صورة جمالية رائعة، وذاك يروج بتبريحات لا تتوقف وبعبارات محترمة لطبق من الإسفنج. وتعج شواطئ الحمامات، من وسط المدينة إلى غاية ياسمين الحمامات ومدخل قرية ألعاب “قرطاج لاند”، ببائعي الياسمين أطفالا ورجالا وبلباس تقليدي تونسي أصيل، تعرض عليك هذه البضاعة في أشكال مختلفة عقود وقلادات وباقات، ويصطف أصحاب عربات الخيول على طول الطريق يترصدون حركات العائلات الجزائرية والليبيين، من خلال معرفة تامة بخبايا لوحات الترقيم ولاية بولاية، فلا يترددون في حمل الأطفال على الكراسي إحراجا للأولياء من أجل تسديد جولة عبر الشاطئ، وهي نفس تصرفات بائعي الياسمين الذين يقلدونك العقد ويمدحون جماليته وأناقتك وأنت ترتديه حتى يتم إغراؤك وتسدد الثمن.شتان بين شواطئ تونس وجيجل.. لكنتدفع محدودية منحة الصرف السياحية الجزائرية الزهيدة العائلات الجزائرية للجوء إلى سوق الصرف الموازية لشراء العملة التونسية، والتي يقولون إنها متوفرة في تبسة، مثلا بشراء 100 دينار تونسي مقابل 7150 دينار جزائري، و100 أورو مقابل 15900 دينار جزائري.وأجمعت كل العائلات التي تحدثت إلينا أن متوسط ميزانية عائلة ميسورة الحال يكون 500 إلى 1000 دينار تونسي لقضاء 5 إلى 7 أيام بالسواحل التونسية، أما العائلات المرتفعة الدخل فهناك من يسدد بين 155.000 الى 700.000 من أجل 7 أيام في منتجعات سياحية تونسية، وتفضل أغلبية العائلات التوجه إلى المصارف التونسية لتبديل الأورو بالعملة التونسية: 100 أورو مقابل 213 دينار تونسي حسب أسعار الصرف المعتمدة هذه الأيام.ولم تخف العائلات الجزائرية سخطها إزاء ضعف الاستثمارات في الهياكل السياحية ومدن الألعاب والفضاءات الترفيهية في مختلف سياسات الحكومات المتعاقبة على الجزائر، بالرغم من توفر بلاد بحجم قارة على 1200 كم من السواحل التي غابت فيها صرامة التسيير منذ اليوم الأول سنوات الاستقلال.فتونس لا تتوفر بأي حال من الأحوال على شواطئ جبلية في مستوى جمال ولاية جيجل مثلا أو تلمسان أو عين تموشنت، لكن المشكل الأكبر اليوم عندنا، إضافة للتسيب وغياب الأمن في الشواطئ والأوساخ، انعدام ذهنية المستثمر المحترف في السياحة، ومحدودية التشجيع والتحفيز في هذا القطاع الذي يعد الاقتصاد الثالث لتعويض اقتصاد الريع للمحروقات بعد الفلاحة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات