شهد مسبح الصابلات، الواقع بمحاذاة الطريق السيار المؤدي للمدخل الشرقي للعاصمة، إقبالا كبيرا من طرف العائلات العاصمية أسبوعين بعد افتتاحه. شباب وأطفال وعائلات من العاصمة وبعض الولايات وحتى المهاجرين قصدوا المسبح بحثا عن الراحة والاستجمام، غير أن رداءة الخدمات صدمت الجميع.“لم نجد في هذا المسبح إلا الاسم”، هكذا وصفت لنا إحدى السيدات حالة مسبح الصابلات المفتوح على الهواء الطلق، “وأي هواء ينبعث من وادي الحراش!” تضيف متحدثتنا الجالسة تحت مظلة شمسية رفقة بناتها الأربع اللواتي قدمن إلى هذا المنتزه للمرة الأولى، كما أنها لم تخف علينا أنها ستكون المرة الأخيرة التي “تطأ فيها قدماها هذا المسبح”.كانت السيدة تتحدث بلهجة مضطربة من مكان يفترض أن يكون مكانا للراحة والاستجمام، وهي تشير بيدها إلى إحدى بناتها التي ألحت عليها بالقدوم إلى المسبح، محملة إياها المسؤولية، تقاطعها ابنتها مايا التي صدمها هي الأخرى واقع ذلك المسبح الذي بدا لها مختلفا عن الصور التي رأتها في فايسبوك، قائلة “لم نجد أثرا لذلك المظهر الذي رأيته على فايسبوك”، تعاتبها شقيقتها قائلة “لا تنسي أن سعر تذكرة الدخول بـ400 دينار جزائري والأطفال بـ200 دينار جزائري فقط”، ثم تضيف مبتسمة “هو مسبح للزاولية ليس إلا”.عائلة مايا لم تكن وحدها من صدمها حال المسبح والرائحة الكريهة التي كانت تنبعث من وادي الحراش الذي يصب فضلات العاصمة بمحاذاة المسبح. رغم محاولة القائمين على تهيئة منتزه الصابلات الحد من الروائح، فالهواء العليل تحول إلى مزيج يزكم الأنوف.“ليس بمسبح، إنه يشبهه في المظهر فقط”، عبارات تلفظ بها السيد رشيد الذي لجأ إلى المسبح رفقة عائلته بحثا عن الراحة، لكنه يضيف وهو في ذروة غضبه “أنا الآن أبحث عن المسؤول على شؤون هذا المسبح ولست أبحث عن الراحة، سأعاتبه على هذه الخدمات الرديئة والمحدودة”. بغض النظر عن المرحاض والمرش وماء المسبح “الساخن جدا”، لا يوجد أي مرفق للأطفال ولا نشاطات ترفيهية ولا ثقافية، عكس المسابح الخاصة الأخرى المتواجدة في العاصمة.البيتزا العجيبة تصنع الحدممنوع إدخال الأكل من الخارج حسب القوانين التنظيمية الداخلية الخاصة بالمسبح. هذا القانون لم يتوافق مع نوعية وسعر المأكولات التي يبيعها صاحب المحل الصغير الوحيد من دون منافس داخل ذلك الفضاء. كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر و45 دقيقة حين حاولنا الاقتراب من المحل بحثا عن شيء نسد به جوعنا، لنتفاجأ بالجمع الكبير الذي كان ملتفا حول المحل، توغلنا بين تلك الطوابير لنصل إلى البائع بصعوبة، لكنه لم يعرنا أي انتباه، وبقينا على تلك الحالة ننتظر أن يلتفت إلينا أحدهم، لنكتشف بعدها أن الأكل انتهى ولم يبق سوى “كاسكروت البطاطا المقلية” لوحدها وبسعر 100 دينار جزائري أو بيتزا بسعر 200 دينار جزائري، وما هي إلا دقائق أخرى حتى جاءنا نبأ نفاد مستلزمات تحضير البيتزا.توافد العدد الكبير من المصطافين على المسبح مقابل مركز واحد للبيع زاد من حدة الأزمة، وحتى المشروبات وقارورات المياه المعدنية كانت تقدم ساخنة، ناهيك عن القهوة التي تعطلت آلة عصرها أما الشاي فلا أثر له.وأنت تمر بين الكراسي المنتصبة بمحاذاة المسبح في منتصف النهار، مع بلوغ الجوع ذروته بين العائلات، لا يتناهى إلى سمعك إلا الكلام عن البيتزا العجيبة التي كان مضطرين لتناولها، معترفين أنه لم يسبق لهم أكلها من قبل. يعلق أحد الفضوليين “سمها ما شئت إلا بيتزا”، وآخر يتهكم “لو يراها الإيطاليون يحبس رأسهم”، بينما بدت سيدة كانت رفقة أطفالها الذين لم يتجاوز عمرهم 3 سنوات، متخوفة من تلك البيتزا واسترسلت تشتكي لنا “هل تسميها بيتزا؟ ليست مطهية جيدا وصلصة الطماطم كذلك، وأي جبن هذا؟ أنا متخوفة من أن يلحق الأذى بالأطفال الصغار، أضف إلى ذلك يمنعوننا من إدخال وجبة غدائنا معنا، لا أخفي عليك لن أعود أبدا إلى هذا المسبح”، تضيف السيدة بنبرات نرفزة.وقد دفعت هذه الحالة المزرية التي عاشها زوار مسبح صابلات في نهاية الأسبوع بعض العائلات إلى الخروج نحو موقف السيارات لتناول الغداء الذي أحضروه معهم وظل مخزنا داخل سياراتهم تحت أشعة الشمس الحارقة، بينما فضل البعض الآخر اللجوء إلى المركز التجاري “أرديس” باستعمال سياراتهم، أما العائلات التي كانت من دون وسيلة نقل فوجدت نفسها محاصرة داخل ذلك المنتزه، حائرة بين أن تستهلك ما يقدم لها رغما عنها أو البقاء من دون غذاء حتى العودة إلى المنزل.الجلباب بجانب البيكينيما يميز مسبح صابلات عن باقي المسابح الأخرى أن السباحة فيه مسموحة بشتى الألوان وجميع أنواع الألبسة التي باتت مباحة، من حجاب وجلباب بشتى الأشكال إلى بيكيني بمختلف الألوان، كما أنه لا حرج في أن تسبح إحداهن بسروالها.وفي الكراسي المنصبة تحت مظلات الشمس، تبصر جميع فئات المجتمع ممن يرتدون الحجاب الشرعي والنساء المتبرجات وحتى الرجال الملتزمين باللحية، حقيقة إنه مسبح لجميع شرائح المجتمع على حد سواء، بل حتى أفراد الجالية الجزائرية المقيمة بالمهجر سجلت حضورها وبقوة، فالكثير من العائلات اختارت أن ترافق أقاربها المغتربين إلى الصابلات، لتوفر عليها 4 أضعاف ما كانت ستدفعه في المسابح الخاصة، غير أنها وجدت نفسها في حرج كبير مع ضيوفها بسبب رداءة الخدمات.المياه ساخنة..الساعة كانت تشير إلى الثانية زوالا، درجة الحرارة بلغت ذروتها وروائح وادي الحراش “عطرت” المكان، ومياه المسبح تحولت إلى حمام ساخن. لكن العائلات كانت لا تزال تتوافد على مدخل المسبح، إحدى العائلات ظلت لنحو ساعة وهي تجوب المكان بعد أن دفعت تذكرة الدخول ولم تجد مكانا للجلوس، وراح شاب عامل بالمكان يبحث عن كراسي شاغرة ليسلمها لإحدى العائلات التي كانت لا تزال في الانتظار.دفع بنا فضولنا أن نستفسر الأمر من لسان أحد المسؤولين على هذا المنتزه، فأجابنا ببرودة أعصاب “المسبح لا يزال حديث النشأة ونحن الآن نمر بمرحلة تجريبية، على أن تتحسن الأمور لاحقا”، كما أنه لم يخف علينا أن إقبال الزوار فاجأهم.جولتنا الاستطلاعية أوشكت على الانتهاء، لكن العائلات التي بدت مستاءة لم تغادر المكان “ففي النهاية المهم أن الأطفال يستمتعون”، وأخرى اعتبرت زيارتها استكشافية فقط وستوضع في طي النسيان، بينما وجد آخرون فيه الأمان بغض النظر عن سوء الخدمات المقدمة لهم، بحكم أن الشباب تم فصلهم على العائلات، “الشيء المهم أن البنات يسبحن بعيدا عن المضايقات والاستفزازات التي يصطدمن بها في باقي شواطئ العاصمة، وبسعر أظنه في متناول العائلات البسيطة”، على حد قول إحداهن.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات