لا يمكن أن تبارك الجزائر، التي كانت دائما صادقة مع الشعب الفلسطيني الشقيق منذ استقلالها، مخرجات وتوافقات حصلت داخل غرف سوداء بخصوص مستقبل القضية الفلسطينية، وهي بذلك لا تزايد على الدول العربية وقادتها في ملف فلسطين.
لقد فضلت الجزائر العمل في الميدان سواء من خلال سعيها الدؤوب لأداء التزاماتها المالية الموجهة لدولة فلسطين عبر الجامعة العربية، أو من خلال جهود لم شمل الفصائل الفلسطينية المختلفة، وهو ما بادرت به في أكتوبر 2022، حيث تم توقيع إعلان الجزائر من طرف 14 فصيلا فلسطينيا مختلفا، على رأسها منظمتا فتح وحماس كجزء من عملية المصالحة بين الفصيلين بعد صراع بدأ في أعقاب الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، وشمل سيطرة حماس على غزة عام 2007.
وتضمن اتفاق الجزائر، الذي أشرف عليه ورعاه الرئيس عبد المجيد تبون، بنودا صريحة تنص على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال عام من توقيعه، وهذا بقبول جميع الفصائل وعلى رأسها فتح وحماس، قبل تدخل جهات عربية انزعجت من النجاح الجزائري وسارعت إلى إفشال المبادرة عن طريق مناورات دنيئة تصب في منحى ضرب جميع الأسس التي تمكن الشعب الفلسطيني الشقيق من بناء دولته المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشريف.
إن الجهود التي بذلتها الدولة الجزائرية، بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، لم تكن ترمي لجني مكاسب مادية آنية كما يعمل بعض تجار المواقف والمناسبات، بل كان جهدا خالصا مخلصا لله وللتاريخ، يرمي إلى لم شمل الشعب الفلسطيني وتوحيد كلمته تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد نحو إقامة دولته على حدود حزيران 1967، وهذا من منطلق الاعتراف الذي حصلت عليه من طرف منظمة الأمم المتحدة.
إن الجهود الجزائرية ليست وليدة اللحظة، فالعالم أجمع يشهد أن الجزائر هي التي أدخلت الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات/أبو عمار، مرتديا بذلته العسكرية إلى مقر الأمم المتحدة حيث ألقى خطابه التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 نوفمبر 1974، وهو الخطاب الشهير الذي انتهى بجملة تاريخية قال فيها "الحرب تندلع من فلسطين والسلام يبدأ من فلسطين"، وهي المشاركة التي مكنت دولة فلسطين من الحصول على صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة، وبعدها استقبلت الجزائر عددا كبيرا من الفلسطينيين بعد الخروج من لبنان سنة 1982، وصولا إلى المحطة المفصلية والتاريخية التي تمثلت في وثيقة إعلان استقلال دولة فلسطين (للمرة الثانية) الذي تم في تاريخ 15 نوفمبر 1988 من طرف منظمة التحرير الفلسطينية، في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الـ19 المنعقدة في قاعة قصر الأمم الصنوبر البحري في الجزائر العاصمة.
لا يمكن لأي مزايد مهما كان أن يمر مرور الكرام على كل هذه التضحيات الجسام من طرف الدولة والشعب الجزائري الذي قدم قوافل شهداء في الدفاع عن فلسطين، وهذا في عدة حروب عربية إسرائيلية، وهو ما يعد بمثابة التحدي للقوى العالمية الكبرى التي تريد رسم العالم على هواها، من خلال نفي حق الشعب الفلسطيني الأصيل في وطنه وإقامة دولته المستقلة، وهو ما تصر عليه الجزائر اليوم تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، الذي أصر من على منبر الأمم المتحدة على الدفاع عن الحق الفلسطيني، وهو ما تعمل عليه الجزائر منذ حصولها على العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، حيث نجحت في تمكين فلسطين من العضوية الدائمة في الأمم المتحدة، باعتبار أنه قبل هذا التاريخ لم يكن هناك أي نص رسمي على مستوى الأمم المتحدة يتحدث عن دولة فلسطين. إن تذكير الغافلين يعد من أوجب الواجبات، وهنا لا يسعنا سوى الوقوف باحترام عند الإصرار الذي أبداه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، خلال استضافة الجزائر للقمة العربية الواحدة والثلاثين في 1 نوفمبر 2022، على وسمها بقمة فلسطين.
لا يختلف عاقلان على أن نجاح مساعي الجزائر التي أشرف عليها السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في أكتوبر 2022، التي كان سينتج عنها مصالحة فلسطينية وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون عام من تاريخ إعلان الجزائر، كان سيجنب الشعب الفلسطيني ويلات حروب الإبادة والتشريد والتجويع مجددا، ولكن المهرولين والمطبعين المنخرطين في السلام الإبراهيمي كان لهم رأي آخر، الجزائر بريئة منه ولن تشارك فيه ولا في ذبح الشعب الفلسطيني مرة أخرى، كما لن تبارك وهذا ديدنها الأبدي في تصفية القضية الفلسطينية الذي رسمته بعض الدوائر العربية في غرف مظلمة، مهما كان، بل ستواصل الدفاع عن القضية والشعب الفلسطيني من منابر أخرى، وإذا لم يكن من ذلك بد من خلال المنابر العربية التي باتت تضيق ذرعا بالآراء الرافضة للخنوع والخضوع للمشروع النيوكولونيالي الذي هزمته ثورة نوفمبر 1954 المجيدة.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال