حزب الله يخلط حسابات "إسرائيل" في غزة

+ -

تلقت جبهة الشمال ضربة موجعة بفعل سلسلة الاغتيالات التي استهدفت إحداها الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله، ومجموعة من قيادات الحزب خاصة منها المنتمية للنخبة العسكرية، مما تسبّب في إرباك هذه الجبهة التي تواجه الآن تحديا معقّدا في استجماع قواها مجددا وتنظيم صفوفها واستئناف المقاومة ومواصلة إسناد جبهة قطاع غزة التي تواصل هي الأخرى صمودها أمام حرب الإبادة الصهيونية، في ظل التحولات التي طرأت على الساحة بفعل الاجتياح البري الذي شرع فيه الكيان للجنوب اللبناني.

فكما كان متوقعا، نفّذ الاحتلال الصهيوني بقيادة الحكومة اليمينية المتطرفة تهديداته بشن حرب مفتوحة على لبنان، بداعي تحييد سلاح "حزب الله" وقطع الإسناد الذي يقدّمه للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ضاربا بذلك عرض الحائط كل الدعوات الدولية، سواء من الحلفاء أو المناوئين، لتجنّب هذه الحرب التي قد تتسع رقعتها لتصبح إقليمية، تدخل شعوب كل المنطقة في دوامة من الخراب.

ومع انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، قبل عام، أين استهدف المقاومون الفلسطينيون في هجوم مباغت مستوطنات في غلاف غزة، وأسروا خلالها العديد من الجنود الصهاينة والمستوطنين، يشن الاحتلال الصهيوني حرب إبادة جماعية انتقامية ضد سكان غزة، أجبرت المقاومة اللبنانية لإسناد القطاع وتخفيف الحصار عليه، من خلال استهداف مواقع عسكرية واستخباراتية حساسة للكيان الصهيوني على الحدود الجنوبية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، معلنة أنها لن تتوقف عن إرسال المسيرات الانقضاضية والصواريخ حتى يوقف الاحتلال حربه العبثية المفتوحة على القطاع.

ولاشك أن من بين أكبر الإنجازات التي حققتها جبهة الإسناد الشمالية، هي طرد وإجبار عشرات الآلاف من الصهاينة إلى الفرار من المستوطنات القريبة من الحدود اللبنانية، إذ فضّل العديد منهم الهروب إلى الخارج، بينما اضطرت حكومة الاحتلال إلى توفير ملاجئ وغرف في الفنادق لإيوائهم. وقد أعلن رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، أن إعادة هؤلاء المستوطنين إلى "منازلهم" في الشمال أضحى أهم هدف لهذه الحرب المعلنة على لبنان، إضافة إلى تحييد هجمات "حزب الله" عليهم مستقبلا.

 

أخطاء "حزب الله"

 

ولكن، يبدو أن "حزب الله" ارتكب أخطاء استراتيجية واستخباراتية "فادحة" سهّلت على الكيان الصهيوني باختراق الحزب وتنفيذ سلسلة من الاغتيالات ضد قيادات بارزة، أهمها الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، الذي قضى في غارات كثيفة استهدفت مكانا كان يعقد قيه اجتماعا "سريا" مع قادة الحزب.

وفي الأثناء، تحركت إيران أخيرا، باعتبارها الحليف الاستراتيجي لـ "حزب الله"، وردت على اغتيال الأمين العام حسن نصر الله، وقبله رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران شهر جويلية الماضي، من خلال إطلاق حوالي 200 صاروخ باليستي ضد أهداف عسكرية في الداخل المحتل، يوم الفاتح من أكتوبر، مما تسبّب في حالة من الرعب وسط المستوطنين الذين فروا إلى الملاجئ.

وأعلنت طهران أن هجومها كان ناجحا بعد بلوغه 90 بالمئة من أهدافه، ولكن رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، قال إن إيران "ارتكبت خطأ كبيرا وستدفع ثمنه"، فيما قال المتحدث باسم الجيش الصهيوني، دانيا هاغاري: "إننا سنقرر طريقة الرد متى وأين وكيف".

وبدأ الكيان اجتياحا بريا للجنوب اللبناني، يدعي أنه لن يطول، بالموازاة مع الغارات التي يشنها سلاح الجو منذ 23 سبتمبر الماضي على أهداف مدنية يدعي أنها معاقل لـ "حزب الله"، وتسببت هذه الغارات في مقتل أكثر من 600 مدني لبناني، مع اغتيال كوادر في الحزب على رأسهم حسن نصر الله، بالإضافة إلى الدمار الكبير في البنية التحتية والمرافق السكنية، كما تسببت في إجبار حوالي مليون لبناني إلى النزوح من الضاحية الجنوبية نحو الشمال اللبناني أو إلى عبور الحدود نحو المناطق السورية المحادية.

بالمقابل، تكبّدت جبهة الشمال ضربة "استخباراتية"، بعد أن تبيّن أن الكيان الصهيوني تمكّن من اختراق "حزب الله"، من خلال الجواسيس المزروعين في لبنان، وكذا من خلال أجهزة التعقب والتتبع، إذ تمكّن "الموساد" الصهيوني من تفجير أجهزة اتصال لاسلكية كان أعضاء الحزب يستخدمونها في تواصلهم، حيث كشفت تقارير عن مقتل أكثر من 160 شخصا بينهم مدنيون ومنخرطون في الحزب، ناهيك عن آلاف الإصابات الخطيرة التي تسببت فيها التفجيرات.

 

هل ستصمد جبهة الشمال؟

 

وقد بيّنت هذه التفجيرات حجم الاختراق الاستخباراتي الذي تعرّض له الحزب على يد الموساد، والذي امتد إلى حد التعرف على مواعيد وأماكن الاجتماعات السرية لقيادة الحزب، ما مكن الكيان من تنفيذ اغتيالات "نوعية" طالت شخصيات وكوادر نافذة في المقاومة على رأسها نصر الله، وهو ما أربك الحزب اللبناني وأجبره على مراجعة أوراقه وخططه.

وتمر الآن المقاومة اللبنانية بمرحلة دقيقة في مسارها، إذ هي مطالبة باستجماع قواها سريعا، وإحداث تغييرات جذرية في طريقة عملها الاستخباراتي، خاصة من أجل الكشف عن مصدر الاختراقات التي يتعرض لها الحزب والتفكير سريعا في استراتيجية اتصال قد تكون تقليدية تعيد بها رص صفوفها وتخرجها من دائرة الاختراق.

 

كلمات دلالية: