إن تعاطي المخدرات من أهم المشكلات بروزا في أوساط الشباب الجزائري اليوم، هذه الآفة التي تبدد الموارد المالية والبشرية للدولة، وتساهم في ظهور وانتشار الجرائم بأنواعها. وإن تعاطي المواد المخدرة، أيا كان نوعها، هي مواد ذات خطورة كبيرة وأضرارها المباشرة وغير المباشرة تشمل المجتمع الإنساني وتضر بأخلاقه واستقراره وأمنه ومصادر عيشه. وإن رفاق السوء هم السبب الرئيس للإدمان وللولوج في عالم المخدرات البغيض، ويأتي خطر رفاق السوء من أن تأثيرهم يتزايد في مرحلة يكون الشاب فيها قابلا للتأثر، خاصة في مرحلة المراهقة وفي حالات ضعف الترابط الأسري.
وتدل الدراسات والتقارير والأرقام على مستوى العالم على أن مشكلة تعاطي المخدرات في ازدياد، رغم الجهود الدولية لمكافحتها، فيبدو أن عصابات التهريب من القوة بحيث إنها تتغلب على كثير من الحواجز وقوى المكافحة. ومكافحة المخدرات تقتضي العمل في مستويات متعددة من النشاطات، حيث إن المشكلة عالمية، فلا بد أن يتم التعاون الدولي لأجل منع إنتاجها وتهريبها واستهلاكها. لذا، ينبغي أن تكون جهود المكافحة أو الوقاية متكاملة ومتساندة، ليس بينها تناقض أو تضارب، والوقاية وبناء الحصانة الذاتية والمجتمعية هي أفضل إستراتيجية لمواجهة المخدرات على المستوى بعيد المدى.
وفي منظومة المكافحة الشاملة للمخدرات، ينبغي أن يكون للأسرة دور فاعل ومعتبر، فالأسرة تمثل خط الدفاع والحصانة الاجتماعية الأولى والأبرز. لهذا، تكون جهود المقاومة أو المكافحة ناقصة وعرضة للفشل إن لم تكن الأسرة واحدة من أركان هذه الجهود؛ يقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا..}. لكن التركيز على الأسرة يجعل الاهتمام أوسع، ويجعله منهجيا نحو تحقيق تغييرات إيجابية إصلاحية في بناء الأسرة. وما يجعل إصلاح المتعاطي نتيجة طبيعية لهذه الجهود، ومنها إشعار له بطبيعتها وليس بإشكاليته وسوء صنعه.
كذلك يعدّ دور المدرسة مهما في توعية الأطفال والمراهقين بمخاطر تعاطي المخدرات في سن مبكرة؛ لتجنب الوقوع في فخ الإدمان مع انتشار المخدرات بين هذه الفئة وسهولة الحصول عليها نسبيا. ثم المساجد، فيمكن محاربة ظاهرة تعاطي المخدرات من خلال الدور التربوي للمسجد، حيث يعتبر المسجد إحدى المؤسسات التربوية ذات الدور المباشر في التأثير على حياة الفرد المسلم وسلوكياته ومعاملته مع أفراد المجتمع حوله.
ولوسائل الإعلام دور كبير ومهم في مواجهة ظاهرة تعاطي المخدرات، عبر خطة مدروسة تتوخى نشر المعلومات والحقائق المتعلقة بظاهرة تعاطي المخدرات بموضوعية كاملة، ما يتطلب ذلك توظيف كافة الطاقات والكفاءات المتميزة بالإبداع بالتصدي لهذه الظاهرة، من خلال البرامج المختلفة ونشر الوعي العلمي بين فئات المجتمع المهنية والعمرية. وأن دورها في مكافحة المخدرات يجب أن يتطور كما تطورت أساليب مروّجي هذه الآفة المدمّرة، فليس معقولا أن نواصل العمل بنفس الأساليب القديمة التي ثبت عدم جدواها وملها الناس وانصرفوا عنها.
في حين يقع على الدولة عبء كبير للوقاية من الإدمان، وذلك بحكم امتلاكها لوسائل الإعلام المختلفة، وبحكم ما لديها من أجهزة الضبط، وما تسنه من قوانين... إلخ. فيمكن للدولة إحكام المنافذ لتقليل كمية المخدرات التي تهرب إلى داخل البلاد إلى أقل حد ممكن، ومنع الصيدليات من صرف الأدوية التي تشمل أنواعا من المخدرات. وعمل كشف دوري على السائقين الذين يتناولون المواد المخدرة والتوعية بمخاطر الإدمان، سواء على المدمن أو على أسرته أو على المجتمع، مع الاستخدام الجيد لوسائل الإعلام. والتعاون مع الجمعيات الوطنية والأجنبية التي تعمل في نفس مجال مكافحة الإدمان، والاستفادة من خبراتها وتبادل المعلومات معها، وتشريع القوانين الرادعة، وتشديد العقوبات على المروّجين والتجار للمواد المخدرة.
وعلى أجهزة الشباب والرياضة توفير الإمكانيات المادية والبشرية لتشجيع ممارسة الرياضة بأوجهها المتعددة لجميع أفراد المجتمع، وتحديث برامج للتربية الرياضية وفقا للمتغيرات الحديثة والمتطورة، وتدعيم دور الجهات والأجهزة المعنية بتربية النشء بمختلف مراحله، والقضاء على مشكلة البطالة التي يعاني منها المئات من الشباب، بتوفير فرص متكافئة من العمل. ويمكن أن تساهم الجمعيات الأهلية في مساعدة الشباب على القيام بمشروعات إنتاجية، وتوعية وتثقيف النشء والشباب في المساهمة في مجالات التنمية المجتمعية الشاملة، وكذا صيانة القيم السياسية وتعميقها في نفوس أبناء المجتمع والحفاظ عليها من الانتهازيين، وضرورة العمل على تعميق المشاركة السياسية عند الأفراد داخل المجتمع، والعمل على محاربة الفراغ القاتل الذي يعاني منه قطاع الشباب.